الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( حكمة إباحة قتل الحيوان لأجل أكله )

                          ذهب بعض البراهمة والفلاسفة إلى أن تذكية الحيوان وصيده لأجل أكله قبيح لا ينبغي للعاقل أن يأتيه ، ولا يحسن أن يعذب غيره من الأحياء لأجل شهوته ، ويترتب على هذا الاعتراض على الشرائع الإلهية التي أباحت أكل الحيوان كالموسوية والعيسوية والمحمدية ، ومما يطعن به الناس في أبي العلاء المعري الفيلسوف العربي أنه كان لا يأكل اللحم استقباحا له ، وأنه كان يعده توحشا ، لا أنه كان يعافه بطبعه ككثير من الناس ، وقد يشعر بهذا ما حكي عنه أنه مرض فوصف له الطبيب فروجا ، فلما جيء به مطبوخا وضع يده عليه وقال : استضعفوك فوصفوك ، هلا وصفوا شبل الأسد ؟ .

                          والجواب عن هذا : أن الشرائع الإلهية لو لم تبح للناس أكل الحيوان لكان هذا الاعتراض يرد على نظام الخلقة ؛ لأن من سننه أن يأكل بعض الحيوان بعضا في البر والبحر ، فالإنسان أجدر بأن يأكل بعض الحيوان ; لأن الله فضله على جميع أنواع الحيوان وسخرها له كما سخر له جميع ما في الأرض من الأجسام والقوى ; ليستعين بذلك على معرفته وعبادته وإظهار آياته في خلقه ، وما أودع فيها من الحكم والعجائب واللطائف والمحاسن . وامتناع الناس عن أكل ما يأكلون من الحيوان كالأنعام لا يعصمها من الموت بالمرض أو التردي ، أو فرس السباع لها ، وربما كانت كل ميتة من هذه الميتات أهون وأخف ألما من التذكية الشرعية التي كتب الله فيها الإحسان ومنتهى العناية بالحيوان ، ونحن نرى الشاة إذا شمت رائحة الذئب أو سمعت عواءه تنحل قواها ، وكذلك شأن الدجاج [ ص: 165 ] مع الثعلب ، وسائر الحيوانات غير المفترسة مع السباع المفترسة ، وإنما ألم الذبح لحظة واحدة ، ويقول علماء الحياة : إن إحساس الأنعام والدواب بالألم أضعف من إحساس الإنسان به ، فلا يقاس أحدهما على الآخر ، على أن من الناس من لا يعظم ألمهم من الجرح ، فربما يقطع عضو الواحد منهم لعلة به ولا يتأوه ، وقد يغمى على غيره من مثل ذلك ، ولا يحتمله الأكثرون إلا إذا خدروا تخديرا لا يجدون معه ألما ولا شعورا .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية