الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي: قال لنا الشافعي: إذا صح لكم الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقولوا لي حتى أذهب إليه.

وقال الإمام أحمد: كان أحسن أمر الشافعي عندي: أنه كان إذا سمع الخبر لم يكن عنده، قال به، وترك قوله.

وقال الربيع: قال الشافعي: لا نترك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لا يدخله القياس، ولا موضع للقياس لموقع السنة.

قال الربيع: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي -: أنه قضى في بروع بنت واشق، ونكحت بغير مهر، فمات زوجها، فقضى لها بمهر نسائها، وقضى لها بالميراث.

فإن كان ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أولى الأمور بنا، ولا حجة في قول أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في قياس; ولا في شيء، إلا طاعة الله بالتسليم له.

وإن كانت لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن لأحد أن يثبت عنه ما لم يثبت، ولم أحفظه من وجه ثبت مثله، هو مرة عن معقل بن يسار، ومرة عن معقل بن سنان، ومرة عن بعض أشجع لا يسمى.

وقال الربيع: سألت الشافعي عن رفع الأيدي في الصلاة، فقال: يرفع المصلي يديه إذا افتتح الصلاة حذو منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، رفعهما كذلك، ولا يفعل ذلك في السجود.

قلت له: فما الحجة في ذلك ؟

[ ص: 372 ] فقال: أنبأنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مثل قولنا.

قال الربيع: فقلت: فإنا نقول: يرفع في الابتداء ثم لا يعود.

قال الشافعي: أنا مالك، عن نافع: أن ابن عمر كان إذا افتتح الصلاة، رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع من الركوع رفعهما كذلك.

قال الشافعي: وهو - يعني: مالكا - يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع، رفعهما كذلك، ثم خالفتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمر، فقلتم: لا يرفع يديه إلا في ابتداء الصلاة، وقد رويتم عنهما أنهما رفعاهما في الابتداء، وعند الرفع من الركوع، أفيجوز لعالم أن يترك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمر لرأي نفسه، أو فعل النبي صلى الله عليه وسلم لرأي ابن عمر، ثم القياس على قول ابن عمر ؟ ثم يأتي موضع آخر تصيب فيه، فترك على ابن عمر ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف لم ينهه بعض هذا عن بعض ؟

أرأيت إذا جاز له أن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفع يديه في مرتين أو ثلاثا، وعن ابن عمر فيه اثنتين، أن نأخذ بواحدة ونترك واحدة ؟

أيجوز لغيره ترك الذي أخذ به، وأخذ الذي ترك ؟ أو يجوز لغيره ترك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟

فقلت له: فإن صاحبنا قال: فما معنى الرفع ؟ قال: معناه: تعظيم لله، واتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى الرفع في الأولى، معنى الرفع الذي خالفتم فيه النبي صلى الله عليه وسلم عند الركوع، وعند رفع الرأس من الركوع، ثم خالفتم فيه روايتكم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عمر معا، ويروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثلاثة عشر رجلا، أو أربعة عشر رجلا، وروي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، من غير وجه، ومن تركه، فقد ترك السنة.

قلت: وهذا تصريح من الشافعي بأن تارك رفع اليدين عند الركوع، والرفع منه تارك السنة. ونص أحمد على ذلك أيضا في إحدى الروايتين عنه.

[ ص: 373 ] وقال الربيع: سألت الشافعي عن الطيب قبل الإحرام بما يبقى ريحه بعد الإحرام، وبعد رمي الجمرة، والحلاق، وقبل الإفاضة، فقال: جائز، وأحبه ولا أكرهه; لثبوت السنة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأخبار عن غير واحد من الصحابة.

فقلت: وما حجتك فيه ؟ فذكر الأخبار فيه والآثار، ثم قال:

انا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سالم، قال: قال عمر فيمن رمى الجمرة: فقد حل له ما حرم عليه إلا النساء والطيب.

قال سالم: وقالت عائشة: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع.

قال الشافعي: وهكذا ينبغي أن يكون الصالحون وأهل العلم، فأما أن يذهبوا إليه من ترك السنة وغيرها، وترك ذلك لغير شيء، بل لرأي أنفسكم، فالعلم إذا إليكم، تأتون منه ما شئتم، وتدعون ما شئتم وقال في "الكتاب القديم" رواية الزعفراني - في مسألة بيع المدبر في جواب من قال له: إن بعض أصحابك قد قال خلاف هذا قال الشافعي: فقلت له: من تبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وافقته، ومن غلط فتركها خالفته، صاحبي الذي لا أفارق: اللازم، الثابت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن بعد، والذي أفارق: من لم يقل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن قرب.

وقال في خطبة كتابه "إبطال الاستحسان" : الحمد لله على جميع نعمه بما هو أهله، وكما ينبغي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، بعثه بكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فهدى بكتابه، ثم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم أنعم عليه، وأقام الحجة على خلقه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

وقال: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة

[ ص: 374 ] وقال: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم .

وفرض عليهم اتباع ما أنزل الله إليهم، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، فقال: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا .

فاعلم أن معصيته في ترك أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل لهم إلا اتباعه، وكذلك قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله [الشورى: 52- 53] الآية، مع ما علم الله نبيه، ثم فرض اتباع كتابه، فقال: فاستمسك بالذي أوحي إليك [الزخرف: 43]، وقال: وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم .

وأعلمهم أنه أكمل لهم دينهم، فقال - عز وجل -: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا إلى أن قال: ثم من عليهم بما آتاهم من العلم، فأمرهم بالاقتصار عليه، وألا يقولوا غيره إلا ما علمهم، فقال لنبيه:

وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان [الشورى: 52]. وقال لنبيه: قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم [الأحقاف: 9] وقال لنبيه: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله [الكهف: 23 - 24].ثم أنزل على نبيه أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يعني - والله أعلم -:

"ما تقدم من ذنبه" قبل الوحي، "وما تأخر" أن يعصمه، فلا يذنب.

فعلم ما يفعل به من رضاه عنه، وأنه أول شافع ومشفع يوم القيامة، وسيد الخلائق.

وقال لنبيه: ولا تقف ما ليس لك به علم ، وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل في امرأة رجل رماها بالزنا، فقال له يرجع، فأوحى الله إليه آية اللعان، فلاعن بينهما، وقال: قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله [النمل: 65] وقال: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث [لقمان:34] الآية.

[ ص: 375 ] وقال لنبيه: يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها [النازعات: 42 - 43]، فحجب عن نبيه علم الساعة، وكان من عدا ملائكة الله المقربين وأنبيائه المصطفين من عباد الله، أقصر علما من ملائكته وأنبيائه.

والله - عز وجل - فرض على خلقه طاعة نبيه، ولم يجعل لهم من الأمر شيئا.

وقد صنف الإمام أحمد كتابا في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، رد فيه على من احتج بظاهر القرآن، في معارضة سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك الاحتجاج بها، فقال - في أثناء خطبته -: إن الله - جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه - بعث محمدا بالهدى، ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون، وأنزل عليه كتابه الهدى والنور لمن تبعه، وجعل رسوله الدال على ما أراد من ظاهره وباطنه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما قصد له الكتاب، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو المعبر عن كتاب الله، الدال على معانيه، شاهده في ذلك أصحابه الذين ارتضاهم الله لنبيه، واصطفاهم ونقلوا ذلك عنه، فكانوا هم أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما أراد الله من كتابه بمشاهدتهم ما قصد له الكتاب، فكانوا هم المعبرين عن ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال جابر: ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا عليه، ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا.

ثم ساق الآيات الدالة على طاعة الرسول، فقال: قال - جل ثناؤه - في آل عمران: واتقوا النار التي أعدت للكافرين (131 ) وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون . وقال: قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين .

وقال في النساء: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما .

وقال: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .

وقال: وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا [النساء: 79]، من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا .

[ ص: 376 ] يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا . وقال: ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين .

وقال: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما .

وقال في المائدة: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ، وقال: يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين . وقال: يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون . وقال: وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين .

وقال: إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون . وقال: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ; وقال: قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين .

وقال: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم . وقال: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم [ ص: 377 ] وقال: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما [الأحزاب: 70-71]; وقال: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا .

وقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ، وقال: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم وقال:

يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم فكان الحسن يقول: لا تذبحوا قبل ذبحه.

يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم [الحجرات: 2-5].

وقال: والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى [النجم: 1-5].

وقال: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب . وقال: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ، وقال: فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور [الطلاق: 10-11] وقال: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا [الفتح: 8-9]، وقال: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه قال ابن عباس: هو جبريل، وقاله مجاهد:

[ ص: 378 ] ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب قال سعيد بن جبير: الأحزاب: الملل، فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك [هود: 17]، ثم ذكر حديث يعلى بن أمية: طفت مع عمر، فلما بلغنا الركن الغربي الذي يلي الأسود جررت بيده ليستلم، فقال: ما شأنك ؟ فقلت: ألا تستلم ؟

فقال: ألم تطف مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت: بلى. قال: أفرأيته يستلم هذين الركنين الغربيين ؟ قال: لا. قال: أليس لك فيه أسوة حسنة ؟ قلت: بلى، قال: فانفذ عنك.

قال: وجعل معاوية يستلم الأركان كلها، فقال ابن عباس: لم تستلم هذين الركنين، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما ؟

فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجورة. فقال ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة . فقال معاوية: صدقت.

ثم ذكر أحمد الاحتجاج على إبطال قول من عارض السنن بظاهر القرآن، وردها بذلك.

وهذا فعل الذين يستمسكون بالمتشابه في رد المحكم، فإن لم يجدوا لفظا متشابها غير المحكم يردونه، استخرجوا من المحكم وصفا متشابها، وردوه به، فلهم طريقان في رد السنن:

أحدهما- ردها بالمتشابه من القرآن أو من السنن.

الثاني - جعلهم المحكم متشابها; ليعطلوا دلالته.

وأما طريقة الصحابة والتابعين، وأئمة الحديث; كالشافعي، والإمام أحمد، ومالك، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، والبخاري، وإسحاق، فعكس هذه [ ص: 379 ] الطريق، وهي أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، ويأخذون من المحكم ما يفسر لهم المتشابه، ويبينه لهم، فيتفق دلالته مع دلالة المحكم، ويوافق النصوص بعضها بعضا، ويصدق بعضها بعضا، فإنها كلها من عند الله، فلا اختلاف فيه، ولا تناقض.

وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية