الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( طهارة الغسل ، والتيمم ، والحدثان الأصغر والأكبر ) ولما فرغ من طهارة الوضوء بين طهارة الغسل ، فقال : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) أي إذا قمتم إلى الصلاة ، وكنتم جنبا فتطهروا لها طهورا كاملا بأن تغتسلوا ، " فاطهروا " أمر بالعناية بالطهارة ، والاستقصاء فيها ، وذلك لا يكون إلا بغسل البدن كله ، والدليل على إرادة الغسل [ ص: 209 ] بها ، قوله تعالى في آية التيمم : ( لا تقربوا الصلاة ، وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) ( 4 : 34 ) ، والجنابة الموجبة للغسل معروفة عند جميع المسلمين ، وقد بينا في تفسير آية التيمم ( ص 94 ج5 تفسير من مطبوع الهيئة ) أن لفظ " جنب " استعمل استعمال المصادر في الوصفية ; فيطلق على الفرد والاثنين والجمع ، والمذكر والمؤنث ، وأن المختار اشتقاقه من الجنب ، بالفتح ، بمعنى الجانب ، فهو كناية عن المضاجعة المراد بها الوقاع على سنة القرآن في الكناية عما يستقبح التصريح به ، وفي معنى الوقاع خروج المني ، وهو لازم له عادة ; فهو جنابة شرعا ، وفي الحديث : " إنما الماء من الماء " رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري ; أي إنما يجب ماء الغسل من الماء الدافق الذي يخرج من الإنسان مهما كان سبب خروجه ، وسيأتي بيان ذلك في الكلام على حكمة الغسل ، ولم يختلف المسلمون في هذا ، واختلفوا في الوقاع بدونه ، فقال بعضهم لا يجب الغسل به ، واحتجوا بهذا الحديث ، وحديث عثمان الناطق بأنه لا يجب به إلا الوضوء ، هو معارض بحديث أبي هريرة الناطق بوجوب الغسل في هذه الحال ، وهو في الصحيحين ، وصرح فيه مسلم بكلمة " وإن لم ينزل " وبظاهر الآية ، وعليه الجمهور ، ولا حاجة إلى إطالة الشرح في هذه المسألة ; إذ لا خلاف فيها اليوم ولا أهواء ، واختلفوا في المني إذا خرج بغير شهوة ; لعلة ما ، فإذا خرجت بقية منه بعد الغسل ، مما خرج شهوة ، فعدم وجوب الغسل منها ظاهر جدا .

                          ولما بين وجوب الطهارتين ، وكان مقتضاهما أن المسلم لا بد له من طهارة الوضوء كل يوم مرة أو أكثر من مرة في الغالب ، ولا بد له من الغسل في كل أسبوع أو كل شهر مرة ، أو عدة مرار في الغالب - بين الرخصة في تركهما عند المشقة أو العجز ; لأن الدين يسر لا حرج فيه ، فقال عز وجل : ( وإن كنتم مرضى ) مرضا جلديا ; كالجدري ، والجرب ، وغير ذلك من القروح والجروح ، أو أي مرض يضر استعمال الماء فيه ، أو يشق عليكم ( أو على سفر ) طويل أو قصير مهما كان سببه ، فالعبرة بما يسمى سفرا عرفا ، ومن شأن السفر أن يشق الوضوء والغسل فيه ( أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء ) الغائط : المكان المنخفض من الأرض ، وهو كناية عن قضاء الحاجة من بول وغائط ، وصار حقيقة شرعية في هذا الحدث ، وعرفية في الرجيع الذي يخرج من الدبر . وملامسة النساء : هي المباشرة المشتركة بين الرجال وبينهن ، كل من التعبيرين كناية على سنة القرآن في النزاهة ; كالتعبير بالجنابة هنا ، وبالمباشرة في سورة البقرة ، والمراد : أو أحدثتم الحدث الموجب للوضوء عند إرادة الصلاة ونحوها كالطواف - ويسمى الحدث الأصغر أو الحدث الموجب للغسل ، ويسمى الحدث الأكبر - فلم تجدوا ماء تتطهرون به ; أي إذا كنتم على حال من هذه الأحوال الثلاث : المرض ، أو السفر [ ص: 210 ] أو فقد الماء عند الحاجة إليه لإحدى الطهارتين ( فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) أي فاقصدوا ترابا ، أو مكانا من وجه الأرض طاهرا ، لا نجاسة عليه ، فاضربوا بأيديكم عليه ، وألصقوها بوجوهكم وأيديكم إلى الرسغين ، بحيث يصيبها أثر منه ، وقد شرحنا آية التيمم في تفسير سورة النساء ، وقفينا على تفسيرها بعشر مسائل في بيان معنى التيمم اللغوي والشرعي ، ومحله الذي بينته السنة الصحيحة ، وكونه ضربة واحدة للوجه واليدين ولا ترتيب فيه ، ومعنى الصعيد وما ورد فيه ، وكون المسافر والمقيم فيه سواء إذا فقد الماء ، وكون الصلاة به مجزئة لا تجب إعادتها ، وبحث تيمم المسافر مع وجود الماء ، وبحث التيمم من البرد والجرح ، وكونه كالوضوء في الوقت وقبله ، وفي استباحة عدة صلوات به ، والمسألة العاشرة في بيان حكمة التيمم ، فمن شاء فليراجع هذه المسائل في الجزء الخامس من التفسير ( ص 100 - 110 من مطبوع الهيئة ) .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية