الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 469 ] حكم لبس الخاتم

والنهي عن لبس الخاتم لغير السلطان والوالي، والحاكم والأمير والقاضي والمفتي ونحوهم ممن له سلطان وولاية؛ لما فيه من الزينة.

والزينة إذا تجاوزت الحد، لم تجز، وليس لكل أحد في لبسه ضرورة إلا لذي سلطان، من ملك، أو نائب ملك، أو قاض، كما تقدم، فإنه محتاج إليه لختم الكتاب ونحوه.

تحصل من ذلك أنه كره التختم للزينة المحضة، التي لا يشعر بها، أمر من باب المصالح الدينية، وإذا كره التختم - وهو جائز لذي سلطان، كره لبس غيره من الرجال بالأولى والقياس الجلي.

فهذه الحلية التي ترى في أيدي الرجال، وفي أعناقهم، وعضدهم، وساعدهم كلها مكروه منهي عنه، لكون فيها من التزين المحض الذي لا حاجة إليه.

وأيضا فيه مشابهة لهم بالنساء، وقد نهوا عنه نهيا صريحا.

نعم، الزينة التي وردت بها السنة؛ كتعليق السيف بالعاتق، وربط النطاق في الخصر ونحوهما، فهي سائغة.

والأولى ألا يزيد على ما ورد، بل يقتصر عليه، ويكون عبدا خالصا لله، وأمة صالحة لرسول صلى الله عليه وسلم.

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره عشر خلال: 1- الصفرة - يعني: الخلوق. 2- وتغيير الشيب. 3- وجر الإزار 4- والتختم بالذهب 5- والتبرج لغير محلها 6- والضرب بالكعاب 7- والرقى إلا بالمعوذات 8- وعقد التمائم 9- وعزل الماء لغير محله. 10- وفساد الصبي غير محرم. رواه أبو داود، والنسائي.

أفاد الحديث تحريم هذه الأمور، وأنها مكروهة منهي عنها.

[ ص: 470 ] و "الخلوق": طيب مركب من الزعفران وغيره، وأنه من طيب النساء. و"تغيير الشيب" بالخضاب بحيث يبلغ به إلى السواد.

و "جر الإزار" هو إسباله، و"التختم" بالذهب للرجال، و"التبرج" إظهار المرأة زينتها ومحاسنها لغير زوجها ومحارمها من الرجال.

و "الكعاب" جمع كعب، وهو: الفارسية: نرد، الذي يلعبون به في المجالس والمحافل، ويدخل فيه كل لعب يكون على زيه وشكله، وحكمه وشأنه.

و "الرقى" جمع رقية، و"التمائم" جمع تميمة، والمراد بها: التعاويذ التي تحتوي على رقى الجاهلية من أسماء الشياطين والجن، وعلى الكلمات الشركية الكفرية، التي أحدثها الكهنة وإخوانهم، ولها ألفاظ لا يعرف معناها.

وأما ما كان خلاف ذلك، من آيات القرآن، أو السنة، أو الكلم العربية التي يعرف معناها، وليس فيها ما هو شرك أو كفر، فهو جائز.

لكن إن اتقى منها، كان أحسن وأفضل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف السبعين ألفا الداخلين في الجنة بغير حساب، بأنهم لا يرقون ولا يسترقون.

وقيل: "التمائم": خرزات كانت العرب في الجاهلية تعلقها على أولادهم، يتقون بها العين في زعمهم، فأبطله الإسلام، لأنه لا ينفع.

وتمام الكلام على مسألة التمائم في "دليل الطالب"، فراجعه، فإنه نفيس جدا.

و "عزل الماء"؛ أي: إخراج المني عن الفرج وإراقته خارجا عنه، ومحله الإماء دون الحرائر، وهو في الحرة محمول على عدم إذنها.

وقيل: تعريض بالإتيان في الدبر. والأول أولى، والثاني أيضا حرام. لكنه مسألة أخرى غير هذه المسألة.

و "فساد الصبي": أن يطأ المرأة المرضعة، فإذا حملت، فسد لبنها، وكان في ذلك فساد الصبي، ومعنى "غير محرمه": كان يكرهه غير محرم إياه. [ ص: 471 ] وقيل: يكره جميع هذه الخصال، ولم يبلغ حد التحريم، وقيل: عائد إلى فساد الصبي، فإنه أقرب. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية