الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 507 ] بيان حكم الاستهزاء بشيء يتعلق بالدين

ومن ذلك: الهزل بشيء فيه ذكر الله، أو الرسول، أو القرآن، أو السنة.

وهذا الهزل كفر بواح، قال تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم [التوبة: 65-66]؛ أي: بهذا المقال الذي استهزأتم به.

قال شيخ الإسلام: أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم، مع قولهم: إنا قد تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل إنما كنا نخوض ونلعب، وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر، ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام. ولو كان الإيمان في قلبه، لمنعه من أن يتكلم به.

والقرآن يبين أن إيمان القلب، يستلزم العمل الظاهر بحسبه؛ كقوله:

ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك الآية.

نفى الإيمان عمن تولى عن طاعة الرسول، وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم، سمعوا وأطاعوا، فبين أن هذا من لوازم الإيمان. انتهى.

وفيه: بيان أن الإنسان قد يكفر بكلمة يتكلم بها، أو عمل يعمل به.

وأشدها خطرا: إرادة القلوب، فهي كالبحر الذي لا ساحل له، ويفيد الخوف من النفاق الأكبر؛ فإن الله تعالى أثبت لهؤلاء إيمانا قبل أن يقولوا ما قالوه، كما قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه. نسأل الله العفو والعافية.

وأكثر الناس ابتلاء بهذا الاستهزاء: الشعراء، فهزلهم بالشريعة، وبأهلها من النصحاء، والوعاظ، والفقهاء، والمحتسبين، والعلماء الصالحين، فوق ما تحصره الأقلام، أو ما يحيط به ضبط الأرقام.

وبعدهم زمرة أهل الرأي، والفقه المصطلح عليه اليوم، فإنهم هازلون [ ص: 508 ] بالكتاب والسنة هزلا عظيما، لا سيما حين المناظرة والبحث مع المتبعين.

وأما أهل الكتاب، ومن نحا نحوهم، فلا تسأل عن أصحاب الجحيم، فهم المستهزئون بالله في كل قطر وعصر.

وقد زاد هزلهم واستهزاؤهم في هذا الزمان الحاضر، باللسان والبيان، وشاركهم في ذلك منافقو الإسلام، وأعداء الملة الإسلامية من كل صنف من الناس، المجوس، والهنود وغيرهم.

ومن جاء بهذا، فلا شك في كفره، بل في كفر من شك في ذلك.

وما هذا الإيمان الذي يضحك مدعيه عليه، ويهزل به في الناس، وهل هذا إلا مصداق قوله سبحانه: اتخذوا دينهم لهوا ولعبا اللهم حفظا.

التالي السابق


الخدمات العلمية