الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        4646 حدثني محمود حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزلت عليه والمرسلات وإنا لنتلقاها من فيه فخرجت حية فابتدرناها فسبقتنا فدخلت جحرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيت شركم كما وقيتم شرها حدثنا عبدة بن عبد الله أخبرنا يحيى بن آدم عن إسرائيل عن منصور بهذا وعن إسرائيل عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله مثله وتابعه أسود بن عامر عن إسرائيل وقال حفص وأبو معاوية وسليمان بن قرم عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود قال يحيى بن حماد أخبرنا أبو عوانة عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله وقال ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سورة هل أتى على الإنسان - بسم الله الرحمن الرحيم ) ثبتت البسملة لأبي ذر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يقال معناه أتى على الإنسان ، و " هل " تكون جحدا وتكون خبرا ، وهذا من الخبر ) كذا للأكثر وفي بعض ، النسخ " وقال يحيى " وهو صواب لأنه قول يحيى بن زياد الفراء بلفظه ، وزاد : لأنك تقول هل وعظتك ، هل أعطيتك ؟ تقرره بأنك وعظته وأعطيته . والجحد أن تقول : هل يقدر أحد على مثل هذا ؟ والتحرير أن " هل " للاستفهام ، لكن تكون تارة للتقرير وتارة للإنكار ، فدعوى زيادتها لا يحتاج إليه . وقال أبو عبيدة هل أتى معناه : قد أتى وليس باستفهام . وقال غيره : بل هي للاستفهام التقريري ، كأنه قيل لمن أنكر البعث هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا فيقول : نعم ، فيقال : فالذي أنشأه - بعد أن لم يكن - قادر على إعادته . ونحوه ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون أي : فتعلمون أن من أنشأ قادر على أن يعيد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يقول كان شيئا فلم يكن مذكورا ، وذلك من حين خلقه من طين إلى أن ينفخ فيه الروح ) هو كلام الفراء أيضا ، وحاصله انتفاء الموصوف بانتفاء صفته . ولا حجة فيه للمعتزلة في دعواهم أن المعدوم شيء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أمشاج : الأخلاط ماء المرأة وماء الرجل الدم والعلقة ، ويقال إذا خلط مشيج كقولك خليط ، وممشوج مثل مخلوط ) هو قول الفراء قال في قوله : أمشاج نبتليه : وهو ماء المرأة وماء الرجل ، والدم والعلقة ، ويقال للشيء من هذا إذا خلط مشيج كقولك خليط ، وممشوج كقولك مخلوط . وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال : من الرجل الجلد والعظم ، ومن المرأة الشعر والدم ، ومن طريق الحسن : من نطفة مشجت بدم وهو دم الحيض . ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أمشاج قال : مختلفة الألوان . ومن طريق ابن جريج عن مجاهد قال : أحمر وأسود . وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : الأمشاج إذا اختلط الماء والدم ثم كان علقة ثم كان مضغة . وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال : الأمشاج : العروق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سلاسلا وأغلالا ) في رواية أبي ذر " ويقال سلاسلا وأغلالا " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولم يجر بعضهم ) هو بضم التحتانية وسكون الجيم وكسر الراء بغير إشباع علامة للجزم ، وذكر عياض أن في رواية الأكثر بالزاي بدل الراء ورجح الراء وهو الأوجه ، والمراد أن بعض القراء أجرى سلاسلا وبعضهم لم يجرها أي لم يصرفها ، وهذا اصطلاح قديم يقولون للاسم المصروف مجرى . والكلام المذكور للفراء ، قال في قوله تعالى إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا كتبت سلاسل بالألف وأجراها بعض القراء مكان الألف التي في آخرها ، ولم يجر بعضهم واحتج بأن العرب قد تثبت الألف في النصب وتحذفها عند الوصل ، قال : وكل صواب انتهى . ومحصل ما جاء من القراءات المشهورة في سلاسل التنوين وعدمه ، ومن لم ينون منهم من يقف بألف وبغيرها ، فنافع والكسائي وأبو بكر بن عياش وهشام بن عمار قرءوا بالتنوين ، والباقون بغير تنوين ، فوقف أبو عمرو بالألف ووقف حمزة بغير ألف ، وجاء مثله في رواية عن ابن كثير ، وعن حفص وابن ذكوان الوجهان ، أما [ ص: 553 ] من نون فعلى لغة من يصرف جميع ما لا ينصرف حكاها الكسائي والأخفش وغيرهما ، أو على مشاكلة أغلالا . وقد ذكر أبو عبيدة أنه رآها في إمام أهل الحجاز والكوفة " سلاسلا " بالألف ، وهذه حجة من وقف بالألف إتباعا للرسم ، وما عدا ذلك واضح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مستطيرا : ممتدا البلاء ) هو كلام الفراء أيضا وزاد : والعرب تقول استطار الصدع في القارورة وشبهها واستطال . وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال : استطار والله شره حتى ملأ السماء والأرض . ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( مستطيرا ) قال : فاشيا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والقمطرير : الشديد ، يقال : يوم قمطرير ويوم قماطر ، والعبوس والقمطرير والقماطر والعصيب أشد ما يكون من الأيام في البلاء ) هو كلام أبي عبيدة بتمامه ، وقال الفراء : قمطرير أي : شديد ، ويقال يوم قمطرير ويوم قماطر . وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : القمطرير : تقبيض الوجه ، قال معمر وقال : اليوم الشديد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الحسن : النضرة في الوجه والسرور في القلب ) سقط هذا هنا لغير النسفي والجرجاني ، وقد تقدم ذلك في صفة الجنة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال ابن عباس : الأرائك السرر ) ثبت هذا للنسفي والجرجاني ، وقد تقدم أيضا في صفة الجنة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال البراء : وذللت قطوفها يقطفون كيف شاءوا ) ثبت هذا للنسفي وحده أيضا ، وقد وصله سعيد بن منصور عن شريك عن أبي إسحاق عن البراء في قوله : وذللت قطوفها تذليلا قال : إن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما وقعودا ومضطجعين وعلى أي حال شاءوا . ومن طريق مجاهد : إن قام ارتفعت وإن قعد تدلت . ومن طريق قتادة : لا يرد أيديهم شوك ولا بعد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال مجاهد : سلسبيلا : حديد الجرية ) ثبت هذا للنسفي وحده ، وتقدم في صفة الجنة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال معمر أسرهم : شدة الخلق ، وكل شيء شددته من قتب وغبيط فهو مأسور ) سقط هذا لأبي ذر عن المستملي وحده ، ومعمر المذكور هو أبو عبيدة معمر بن المثنى ، وظن بعضهم أنه ابن راشد فزعم أن عبد الرزاق أخرجه في تفسيره عنه ، ولفظ أبي عبيدة : أسرهم شدة خلقهم . ويقال للفرس شديد الأسر أي : شديد الخلق وكل شيء إلى آخر كلامه . وأما عبد الرزاق فإنما أخرج عن معمر بن راشد عن قتادة في قوله : وشددنا أسرهم قال : خلقهم ، وكذا أخرجه الطبري من طريق محمد بن ثور عن معمر .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : لم يورد في تفسير ( هل أتى ) حديثا مرفوعا ، ويدخل فيه حديث ابن عباس في قراءتها في صلاة الصبح يوم الجمعة . وقد تقدم في الصلاة .

                                                                                                                                                                                                        77 - سورة والمرسلات وقال مجاهد : جمالات : حبال . اركعوا : صلوا . لا يركعون : لا يصلون . وسئل ابن عباس لا ينطقون ، والله ربنا ما كنا مشركين . واليوم نختم على أفواههم ، فقال : إنه ذو ألوان : مرة ينطقون ، ومرة يختم عليهم .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 554 ] قوله : ( سورة والمرسلات ) كذا لأبي ذر ، وللباقين والمرسلات حسب ، وأخرج الحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال : " المرسلات عرفا الملائكة أرسلت بالمعروف " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( جمالات : حبال ) في رواية أبي ذر ، وقال مجاهد ( جمالات ) حبال . ووقع عند النسفي والجرجاني في أول الباب : وقال مجاهد كفاتا : أحياء يكونون فيها وأمواتا يدفنون فيها . فراتا : عذبا . جمالات : حبال الجسور ، وهذا الأخير وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا . ووقع عند ابن التين : قول مجاهد : جمالات : جمال يريد بكسر الجيم وقيل بضمها إبل سود واحدها جمالة ، وجمالة جمع جمل مثل حجارة وحجر ، ومن قرأ جمالات ذهب به إلى الحبال الغلاظ . وقد قال مجاهد في قوله : حتى يلج الجمل في سم الخياط : هو حبل السفينة ، وعن الفراء : الجمالات ما جمع من الحبال ، قال ابن التين : فعلى هذا يقرأ في الأصل بضم الجيم .

                                                                                                                                                                                                        قلت : هي قراءة نقلت عن ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة ، وعن ابن عباس أيضا جمالة بالإفراد مضموم الأول أيضا ، وسيأتي تفسيرها عن ابن عباس بنحو ما قال مجاهد في آخر السورة . وأما تفسير ( كفاتا ) فتقدم في الجنائز ، وقوله : فراتا عذبا وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وكذا قال أبو عبيدة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال مجاهد : اركعوا : صلوا ، لا يركعون : لا يصلون ) سقط لا يركعون لغير أبي ذر ، وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : وإذا قيل لهم اركعوا قال : صلوا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وسئل ابن عباس لا ينطقون ، والله ربنا ما كنا مشركين ، اليوم نختم على أفواههم فقال : إنه ذو ألوان ، مرة ينطقون ومرة يختم عليهم ) سقط لفظ " على أفواههم " لغير أبي ذر ، وهذا تقدم شيء من معناه في تفسير فصلت . وأخرج عبد بن حميد من طريق علي بن زيد عن أبي الضحى أن نافع بن الأزرق وعطية أتيا ابن عباس فقالا : يا ابن عباس ، أخبرنا عن قول الله تعالى هذا يوم لا ينطقون وقوله : ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون وقوله : والله ربنا ما كنا مشركين وقوله : ولا يكتمون الله حديثا قال : ويحك يا ابن [ ص: 555 ] الأزرق إنه يوم طويل وفيه مواقف ، تأتي عليهم ساعة لا ينطقون ، ثم يؤذن لهم فيختصمون ، ثم يكون ما شاء الله يحلفون ويجحدون ، فإذا فعلوا ذلك ختم الله على أفواههم ، وتؤمر جوارحهم فتشهد على أعمالهم بما صنعوا ثم تنطق ألسنتهم فيشهدون على أنفسهم بما صنعوا ، وذلك قوله : ولا يكتمون الله حديثا . وروى ابن مردويه من حديث عبد الله بن الصامت قال : قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أرأيت قول الله هذا يوم لا ينطقون ؟ فقال : إن يوم القيامة له حالات وتارات ، في حال لا ينطقون وفي حال ينطقون . ولابن أبي حاتم من طريق معمر عن قتادة قال : إنه يوم ذو ألوان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا محمود ) هو ابن غيلان ، وعبيد الله بن موسى هو من شيوخ البخاري لكنه أخرج عنه هذا بواسطة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ) في رواية جرير " في غار " ووقع في رواية حفص بن غياث كما سيأتي " بمنى " وهذا أصح مما أخرج الطبراني في " الأوسط " من طريق أبي وائل عن ابن مسعود قال : " بينما نحن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - على حراء " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فخرجت ) في رواية حفص بن غياث الآتية " إذ وثبت " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فابتدرناها ) في رواية الأسود " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقتلوها ، فابتدرناها " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فسبقتنا ) أي باعتبار ما آل إليه أمرها ، والحاصل أنهم أرادوا أن يسبقوها فسبقتهم ، وقوله " فابتدرناها " أي تسابقنا أينا يدركها ، فسبقتنا كلنا . وهذا هو الوجه والأول احتمال بعيد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن منصور بهذا ، وعن إسرائيل عن الأعمش عن إبراهيم ) يريد أن يحيى بن آدم زاد لإسرائيل فيه شيخا وهو الأعمش .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وتابعه أسود بن عامر عن إسرائيل ) وصله الإمام أحمد عنه به ، قال الإسماعيلي : وافق إسرائيل على هذا شيبان والثوري وورقاء وشريك ، ثم وصله عنهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال حفص وأبو معاوية وسليمان بن قرم عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود ) يريد أن الثلاثة خالفوا رواية إسرائيل عن الأعمش في شيخ إبراهيم ، فإسرائيل يقول : عن الأعمش عن علقمة ، وهؤلاء يقولون : الأسود . وسيأتي في آخر الباب أن جرير بن عبد الحميد وافقهم عن الأعمش . فأما رواية حفص وهو ابن غياث فوصلها المصنف ، وستأتي بعد باب . وأما رواية أبي معاوية فتقدم بيان من وصلها في بدء الخلق . وكذا رواية سليمان بن قرم ، وهو بفتح القاف وسكون الراء بصري ضعيف الحفظ ، وتفرد أبو داود الطيالسي بتسمية أبيه معاذا ، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال يحيى بن حماد أخبرنا أبو عوانة عن مغيرة ) يعني ابن مقسم ( عن إبراهيم عن علقمة ) يريد أن مغيرة وافق إسرائيل في شيخ إبراهيم وأنه علقمة ، ورواية يحيى بن حماد هذه وصلها الطبراني قال : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا الفضل بن سهل حدثنا يحيى بن حماد به ولفظه " كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى فأنزلت عليه والمرسلات " الحديث . وحكى عياض أنه وقع في بعض النسخ " وقال حماد أنبأنا أبو عوانة " وهو غلط .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 556 ] قوله : ( وقال ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله ) يريد أن للحديث أصلا عن الأسود من غير طريق الأعمش ومنصور ، ورواية ابن إسحاق هذه وصلها أحمد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي إسحاق " حدثني عبد الرحمن بن الأسود " وأخرجها ابن مردويه من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن إسحاق ولفظه " نزلت والمرسلات عرفا بحراء ليلة الحية ، قالوا : وما ليلة الحية ؟ قال : خرجت حية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اقتلوها ، فتغيبت في جحر ، فقال : دعوها " الحديث . ووقع في بعض النسخ " وقال أبو إسحاق " وهو تصحيف والصواب " ابن إسحاق " وهو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية