الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ( 23 ) )

فقال ابن عباس بما :

496 - حدثنا به محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد ، عن ابن عباس : " وادعوا شهداءكم من دون الله " يعني أعوانكم على ما أنتم عليه ، إن كنتم صادقين .

497 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وادعوا شهداءكم " ناس يشهدون .

498 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

499 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد ، قال : قوم يشهدون لكم . [ ص: 377 ]

500 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " وادعوا شهداءكم " قال : ناس يشهدون . قال ابن جريج : " شهداءكم " عليها إذا أتيتم بها أنها مثله ، مثل القرآن .

وذلك قول الله لمن شك من الكفار فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . وقوله " فادعوا " يعني : استنصروا واستغيثوا ، كما قال الشاعر :


فلما التقت فرساننا ورجالهم دعوا يا لكعب واعتزينا لعامر

يعني بقوله : " دعوا يا لكعب " استنصروا كعبا واستغاثوا بهم .

وأما الشهداء فإنها جمع شهيد ، كما الشركاء جمع شريك ، والخطباء جمع خطيب . والشهيد يسمى به الشاهد على الشيء لغيره بما يحقق دعواه . وقد يسمى به المشاهد للشيء ، كما يقال : فلان جليس فلان يعني به مجالسه ، ونديمه يعني به منادمه ، وكذلك يقال : شهيده يعني به مشاهده .

فإذا كانت " الشهداء " محتملة أن تكون جمع " الشهيد " الذي هو منصرف للمعنيين اللذين وصفت ، فأولى وجهيه بتأويل الآية ما قاله ابن عباس ، وهو أن يكون معناه : واستنصروا على أن تأتوا بسورة من مثله أعوانكم وشهداءكم الذين يشاهدونكم ويعاونونكم على تكذيبكم الله ورسوله ، ويظاهرونكم على كفركم ونفاقكم ، إن كنتم محقين في جحودكم أن ما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم اختلاق وافتراء ، لتمتحنوا أنفسكم وغيركم ، هل تقدرون على أن تأتوا بسورة من [ ص: 378 ] مثله ، فيقدر محمد على أن يأتي بجميعه من قبل نفسه اختلاقا ؟

وأما ما قاله مجاهد وابن جريج في تأويل ذلك فلا وجه له ؛ لأن القوم كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أصنافا ثلاثة : أهل إيمان صحيح ، وأهل كفر صحيح ، وأهل نفاق بين ذلك . فأهل الإيمان كانوا بالله وبرسوله مؤمنين ، فكان من المحال أن يدعي الكفار أن لهم شهداء على حقيقة ما كانوا يأتون به ، لو أتوا باختلاق من الرسالة ، ثم ادعوا أنه للقرآن نظير من المؤمنين . فأما أهل النفاق والكفر ، فلا شك أنهم لو دعوا إلى تحقيق الباطل وإبطال الحق لتتارعوا إليه مع كفرهم وضلالهم ، فمن أي الفريقين كانت تكون شهداؤهم لو ادعوا أنهم قد أتوا بسورة من مثل القرآن ؟

ولكن ذلك كما قال جل ثناؤه : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) [ سورة الإسراء : 88 ] فأخبر جل ثناؤه في هذه الآية ، أن مثل القرآن لا يأتي به الجن والإنس ولو تظاهروا وتعاونوا على الإتيان به ، وتحداهم بمعنى التوبيخ لهم في سورة البقرة فقال تعالى : " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين " يعني بذلك : إن كنتم في شك في صدق محمد فيما جاءكم به من عندي أنه من عندي فأتوا بسورة [ ص: 379 ] من مثله ، وليستنصر بعضكم بعضا على ذلك إن كنتم صادقين في زعمكم ، حتى تعلموا أنكم إذ عجزتم عن ذلك أنه لا يقدر على أن يأتي به محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا من البشر أحد ، ويصح عندكم أنه تنزيلي ووحيي إلى عبدي .

التالي السابق


الخدمات العلمية