الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) يسن ( أن ينتقل للنفل ) أو الفرض ( من موضع فرضه ) أو نفله إلى غيره تكثيرا لمواضع السجود

                                                                                                                            [ ص: 552 ] فإنها تشهد له ، ولما فيه من إحياء البقاع بالعبادة ، فإن لم ينتقل إلى موضع آخر فصل بكلام إنسان ، واستثنى بعض المتأخرين بحثا من انتقاله ما إذا قعد مكانه يذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس لأن ذلك كحجة وعمرة تامة ، رواه الترمذي عن أنس ، أما إذا كان خلفه نساء فسيأتي ( وأفضله ) أي الانتقال للنفل من موضع صلاته ( إلى بيته ) لخبر الصحيحين { صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة } ولا فرق في ذلك بين المسجد الحرام ومسجد المدينة والأقصى والمهجور وغيرها ، ولا بين الليل والنهار لعموم الحديث ، ولكونه أبعد عن الرياء ، ولا يلزم من كثرة الثواب التفضيل ولخبر مسلم { إذا قضى أحدكم صلاته في مسجده فليجعل لبيته من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا } ومقتضى إطلاق المصنف عدم الفرق بين النافلة المتقدمة والمتأخرة ، ولكن المتجه في المهمات في النافلة المتقدمة ما أشعر به كلامهم من عدم الانتقال لأن المصلي مأمور بالمبادرة والصف الأول ، وفي الانتقال بعد استقرار الصفوف مشقة خصوصا مع كثرة المصلين كالجمعة ا هـ فعلم أن محل استحباب الانتقال ما لم يعارضه شيء آخر .

                                                                                                                            ولهذا استثنى منه صور فعلها في المسجد [ ص: 553 ] أفضل كنافلة يوم الجمعة للتكبير وركعتي الإحرام بميقات فيه مسجد ، وركعتي الطواف فيه ، وكل ما تشرع فيه الجماعة من النوافل وما إذا ضاق الوقت أو خشي من التكاسل أو كان معتكفا أو كان يمكث بعد الصلاة لتعلم أو تعليم ولو ذهب إلى بيته لفاته ذلك ( وإذا صلى وراءه نساء مكثوا ) أي مكث الإمام بعد سلامه ومن معه من الرجال يذكرون الله تعالى ( حتى ينصرفن ) ويسن لهن الانصراف عقب سلامه للاتباع ، ولأن الاختلاط بهن مظنة الفساد ، والقياس مكث الخناثى حتى ينصرفن وانصرافهم بعدهن فرادى ( وأن ينصرف ) المصلي بعد فراغه من صلاته ( في جهة حاجته ) أي جهة كانت ( وإلا ) أي وإن لم تكن له حاجة أو كانت لا في جهة معينة ( فيمينه ) لأن جهتهما أفضل والتيامن مطلوب محبوب ، وسيأتي في العيد أنه يستحب في سائر العبادات أن يذهب من طريق ويرجع من أخرى ، ولا منافاة بينه وبين ما تقدم لإمكان حمل قولهم إنه يرجع في جهة يمينه على ما إذا لم يرد أن يرجع في طريق آخر أو وافقت جهة يمينه ، وإلا فالطريق الآخر أولى لتشهد له الطريقان .

                                                                                                                            ولا يكره أن يقال انصرفنا من الصلاة كما هو ظاهر كلامهم ( وتنقضي القدوة بسلام الإمام ) التسليمة الأولى لخروجه من الصلاة بها ، فلو سلم المأموم قبلها عامدا عالما من غير نية مفارقة بطلت صلاته ، ولو قارنه فيه لم يضر كبقية الأذكار ، بخلاف مقارنته له في تكبيرة الإحرام كما سيأتي لأنه لا يصير مصليا حتى يتمها فلا يربط صلاته بمن ليس في صلاة ( فللمأموم ) إذا كان موافقا ( أن يشتغل بدعاء ونحوه ) لانفراده وعدم تحمل الإمام عنه سهوه حينئذ لو سها ( ثم يسلم ) [ ص: 554 ] وله أن يسلم عقبه ، أما المسبوق فيلزمه أن يقوم عقب ، تسليمتيه فورا إن لم يكن جلوسه مع الإمام محل تشهده ، فإن مكث عامدا عالما بالتحريم قدرا زائدا على جلسة الاستراحة بطلت صلاته أو ناسيا أو جاهلا فلا ، فإن كان محل تشهده لم يلزمه ذلك لكن يكره تطويله كما مر ( ولو اقتصر إمامه على تسليمة سلم ) هو ( ثنتين ، والله أعلم ) إحرازا لفضيلة الثانية ولخروجه عن متابعته بالأولى ، بخلاف التشهد الأول لو تركه إمامه لا يأتي به لوجوب متابعته قبل السلام ، ولو مكث الإمام بعد الصلاة لذكر أو دعاء فالأفضل جعل يمينه إليهم ويساره إلى المحراب للاتباع ، رواه مسلم .

                                                                                                                            وقيل عكسه ، وينبغي كما قاله بعض المتأخرين ترجيحه في محراب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إن فعل الصفة الأولى يصير مستدبرا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو قبله آدم فمن بعده من الأنبياء .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وأن ينتقل للنفل ) إماما أو غيره ، ولو خالف ذلك فأحرم بالثانية في محل الأولى فهل يطلب منه الانتقال بفعل غير مبطل في أثناء الثانية يتجه أن يطلب سواء خالف عمدا أو سهوا أو جهلا ، لا يقال : الفعل لا يناسب الصلاة بل يطلب [ ص: 552 ] تركه فيها : لأنا نقول : ليس هذا على الإطلاق ، ألا يرى أنه يطلب منه دفع المار وقتل نحو الحية التي مرت بين يديه وإن أدى لفعل خفيف وغير ذلك مما هو مقرر في محله ، وكذا السواك بفعل خفيف إذا أهمله عند الإحرام كما أفتى به شيخنا الرملي ا هـ على منهج ( قوله : فصل بكلام إنسان إلخ ) قال سم على منهج : أي ففي مسلم النهي عن وصل صلاة بصلاة إلا بعد كلام أو خروج ا هـ وقوله أو خروج : أي من محل صلاته الأولى ( قوله : واستثنى بعض المتأخرين ) يتأمل هذا الاستثناء فإنه ليس هنا نفل فعله بعد الصبح فلا يصح استثناؤه من الانتقال من صلاة إلى أخرى ، فإن فرض أنه أراد فعل مقضية بعد الصبح أو سنته لم يكن مما الكلام فيه من الجلوس للذكر : ثم رأيت في الدميري ما يقتضي تخصيص الاستثناء بالإمام حيث قال ما معناه : يستحب للأمام القيام من موضع صلاته ، ثم ذكر هذا الاستثناء ووجه تخصيص الإمام أن الداخل ربما توهم أن صلاة الإمام باقية ، فإذا انتقل فهم ذلك الداخل تمامها ا هـ ( قوله كحجة وعمرة تامة ) إنما قال تامة في العمرة دون الحج ، لأن العمرة يختلف فضلها باختلاف الأوقات التي تفعل فيها ، ولا كذلك بالحج إذا ليس إلا وقت واحد ، فوصفها بالتمام إشارة إلى أن المراد كاملة في الفضل .

                                                                                                                            ( قوله : إلى بيته ) أي ما لم يحصل له شك في القبلة فيه فيكون ( قوله : فيجعل من صلاته ) [ ص: 553 ] أي نصيبا ( قوله : كنافلة يوم الجمعة ) وقد نظمه الشيخ منصور الطبلاوي في ضمن أبيات فقال رحمه الله :

                                                                                                                            صلاة نفل بالبيوت أفضل إلا التي جماعة تحصل وسنة الإحرام والطواف
                                                                                                                            ونفل جالس للاعتكاف ونحو علمه لإحيا البقعة
                                                                                                                            كذا الضحى ونفل الجمعة وخائف الفوات بالتأخر
                                                                                                                            وقادم ومنشئ للسفر والاستخارة وللقبلية
                                                                                                                            لمغرب ولا كذا البعديه

                                                                                                                            ( قوله : للتبكير ) يفيد أن الكلام في السنة القبلية وأن فعل البعدية في البيت أفضل ، وعليه يحمل قوله في النظم : ونفل يوم الجمعة ( قوله : ولا يكره أن يقال انصرفنا من الصلاة ) أي ولا أن يقال جوابا لمن قال أصليت صليت ( قوله : أن يشتغل بدعاء ونحوه ) سئل الشيخ عز الدين : هل يكره أن يسأل الله بعظيم من خلقه كالملك والنبي والولي ؟ أجاب رضي الله عنه بأنه جاء { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علم بعض الناس اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة } إلخ ، فإن صح ينبغي أن يكون مقصورا عليه عليه الصلاة والسلام لأنه سيد ولد آدم ، ولا يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة لأنهم ليسوا في درجته ، ويكون هذا من خواصه ، والحديث المذكور خرجه الترمذي وقال : صحيح غريب ا هـ دميري .

                                                                                                                            أقول : فإن قلت : هذا قد يعارض ما في البهجة وشرحها لشيخ الإسلام من قوله والأفضل استسقاؤهم بالأتقياء لأن دعاءهم أرجى للإجابة ، وكما استسقى معاوية بيزيد الأسود لا سيما إن كانوا من آل خير الأنبياء صلى الله عليه وسلم ، كما استسقى عمر بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري ا هـ قلت : لا تعارض لجواز أن ما ذكره العز مفروض فيما لو سأل بذلك على صورة الإلزام كما يؤخذ من قوله اللهم إني أقسم عليك إلخ ، وما في البهجة وشرحها مصور بما إذا ورد على صورة الاستشفاع والسؤال مثل [ ص: 554 ] أسألك ببركة فلان أو بحرمته أو نحو ذلك ( قوله وله أن يسلم عقبه ) وينبغي أن تسليمه عقبه أولى حيث أتى بالذكر المطلوب ، وإلا بأن أسرع الإمام سن للمأموم الإتيان به ( قوله : على جلسة الاستراحة ) وفي نسخة طمأنينة الصلاة ، وهذه هي المعتمدة ، ويمكن حمل النسخة الأخرى عليها بأن يراد بجلسة الاستراحة أقل ما يجزئ في الجلوس بين السجدتين ( قوله : أو جاهلا فلا ) أي ولكن يسجد للسهو لأنه فعل ما يبطل عمده ( قوله : كما مر ) أي في شرح قول المتن والزيادة إلى حميد مجيد سنة في الآخر ، وكذا الدعاء بعده حيث قال : واحترز بقوله بعده عن التشهد الأول فيكره الدعاء فيه لبنائه على التخفيف ا هـ ( قوله : ترجيحه ) أي ترجيح قوله وقيل عكسه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 550 - 552 ] قوله : واستثنى بعض المتأخرين ) هو الدميري لكنه إنما استثناه من استحباب قيام الإمام من مصلاه عقب سلامه ، لا من الانتقال بالصلاة إلى آخر كما صنعه الشارح إذ لا معنى له ، وعبارته : فإن لم يكن ثم نساء فالمستحب للإمام أن يقوم من مصلاه عقيب صلاته لئلا يشك هو ومن خلفه هل سلم أولا ، ولئلا يدخل غريب فيظنه في الصلاة فيقتدي به إلى أن قال : قلت ينبغي أن يستثنى من ذلك ما إذا قعد مكانه يذكر الله إلخ ( قوله : أما إذا كان خلفه نساء فسيأتي ) مبني على ما مر في الاستثناء وقد مر ما فيه ( قوله : ومقتضي إطلاق المصنف عدم الفرق إلخ ) فيه نظر ، إذ كلام المصنف مفروض في الانتقال عن محل صلى فيه إلى آخر ، فلا يشمل النافلة المتقدمة ( قوله : ولهذا استثنى منه ) لم يتقدم ما يصح أن يكون مرجعا للضمير ; لأن الكلام في سن الانتقال ، وهذا الاستثناء في أفضلية فعل النافلة في المسجد لا يقيد الانتقال ، فلا يتنزل على ما الكلام فيه [ ص: 553 - 554 ] قوله : وهو قبلة آدم فمن بعده من الأنبياء ) أي كل منهم يتوسل به إلى الله سبحانه وتعالى .




                                                                                                                            الخدمات العلمية