الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن nindex.php?page=treesubj&link=22638_269توضأ من الحدث ثم ذكر أنه كان جنبا أو اغتسل من الحدث ثم ذكر أنه كان جنبا أجزأه ما غسل من الحدث عن الجنابة ، لأن فرض الغسل في أعضاء الوضوء من الجنابة والحدث واحد ) .
( الشرح ) هنا مسألتان ( إحداهما ) توضأ بنية الحدث ثم ذكر أنه كان جنبا فيجزيه المغسول ، وهو وجهه ويداه ورجلاه ودليله ما ذكره المصنف .
( الثاني ) nindex.php?page=treesubj&link=32_22638غسل جميع بدنه بنية رفع الحدث الأصغر غالطا ، فقطع المصنف بارتفاع الحدث عن أعضاء الوضوء دون غيرها ، وظاهر كلامه ارتفاعه عن جميع أعضاء الوضوء والرأس وغيره ، وكذا أطلقه جماعة بارتفاعه عن الرأس ، وآخرون بأنه لا يرتفع عنه وهذا هو الأصح لأن فرض الرأس في الوضوء المسح ، فالذي نواه إنما هو المسح فلا يجزيه عن غسل الجنابة . ولنا وجه أنه لا يجزئه ما غسله بنية الحدث عن شيء من الجنابة ، حكاه الرافعي ، وقد سبقت المسألة واضحة في باب نية الوضوء والله أعلم .
[ ص: 227 ] فرع في مسائل تتعلق بالباب ( إحداها ) قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي : nindex.php?page=treesubj&link=22664أكره للجنب أن يغتسل في البئر معينة كانت أو دائمة ، وفي الماء الراكد الذي لا يجري . قال وسواء قليل الماء وكثيره أكره الاغتسال فيه والبول فيه . هذا نصه بحروفه . واتفق أصحابنا على كراهته كما ذكر . قال في البيان : والوضوء فيه كالغسل ويحتج للمسألة بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=31778لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب فقيل كيف يفعل يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة ؟ قال يتناوله تناولا } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
( الثانية ) يجوز nindex.php?page=treesubj&link=249الغسل من إنزال المني قبل البول وبعده ، والأولى أن تكون بعد البول خوفا من خروج مني بعد الغسل . حكى الدارمي عن قوم أنه لا يجوز قبل البول .
( الثالثة ) السنة nindex.php?page=treesubj&link=25606إذا غسل ما على فرجه من أذى أن يدلك يده بالأرض ثم يغسلها ثبت ذلك في الصحيحين عن ميمونة عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبق بيانه في باب الاستطابة .
( الرابعة ) لا يجوز nindex.php?page=treesubj&link=303الغسل بحضرة الناس إلا مستور العورة ، فإن كان خاليا جاز الغسل مكشوف العورة ، والستر أفضل . واحتج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي لجواز nindex.php?page=treesubj&link=302_22128الغسل عريانا في الخلوة بحديثي nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=6811أن موسى اغتسل عريانا فذهب الحجر بثوبه } { nindex.php?page=hadith&LINKID=39056وأن أيوب كان يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب } " رواهما nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وروى nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أيضا قصة موسى صلى الله عليه وسلم والاحتجاج به تفريع على الاحتجاج بشرع من قبلنا . واحتجوا لفضل الستر بحديث nindex.php?page=showalam&ids=15579بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=23165قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت : أرأيت إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال الله أحق أن يستحيا من الناس } " رواه أبو داود والترمذي [ ص: 228 ] nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه . قال الترمذي : حديث حسن هذا مذهبنا ، ونقل القاضي عياض جواز الاغتسال عريانا في الخلوة عن جماهير العلماء . قال : ونهى عنه nindex.php?page=showalam&ids=16330ابن أبي ليلى لأن للماء ساكنا . واحتج فيه بحديث ضعفه العلماء .
( الخامسة ) nindex.php?page=treesubj&link=277_273الوضوء والمضمضة والاستنشاق سنن في الغسل ، فإن ترك الثلاثة صح غسله . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في المختصر : فإن ترك الوضوء والمضمضة والاستنشاق فقد أساء ويستأنف المضمضة والاستنشاق . قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=14958حسين وغيره : سماه مسيئا لترك هذه السنن ، فإنها مؤكدة فتاركها مسيء لا محالة . قالوا : وهذه إساءة بمعنى الكراهة لا بمعنى التحريم . قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي والمتولي والروياني وآخرون : وأمره باستئناف المضمضة والاستنشاق دون الوضوء لمعنيين : ( أحدهما ) أن الخلاف في المضمضة والاستنشاق كان موجودا في زمانه ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة وغيره ممن تقدم يوجبونهما ، فأحب الخروج من الخلاف والوضوء لم يكن أوجبه أحد ، وإنما حدث خلاف nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود بعده .
( والثاني ) : أن الماء قد وصل إلى موضع الوضوء دون موضعهما فأمره بإيصاله إليهما . قال أصحابنا : ويستحب استئناف الوضوء ، لكن استحباب المضمضة والاستنشاق آكد ، وقد تقدمت مذاهب العلماء في حكم المضمضة والاستنشاق في الغسل ، والوضوء في باب صفة الوضوء بدلائلها . ومذهبنا ومذهب الجمهور أنهما سنتان في الوضوء والغسل .
( السادسة ) لا يجب nindex.php?page=treesubj&link=278_280_26675_26674الترتيب في أعضاء المغتسل لكن تستحب البداءة بالرأس ثم بأعالي البدن وبالشق الأيمن .
( السابعة ) يجب nindex.php?page=treesubj&link=272إيصال الماء إلى غضون البدن من الرجل والمرأة وداخل السرة وباطن الأذنين والإبطين وما بين الأليين وأصابع الرجلين وغيرها مما له حكم الظاهر وحمرة الشفة . وهذا كله متفق عليه . ولو التصقت الأصابع والتحمت لم يجب شقها ، وقد سبق إيضاح هذا وبسطه في صفة الوضوء ، ومما قد يغفل عنه باطن الأليين والإبط والعكن والسرة فليتعهد كل ذلك ويتعهد إزالة الوسخ الذي يكون في الصماخ ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم والأصحاب : يجب غسل ما ظهر من صماخ الأذن دون ما بطن ، ولو كان [ ص: 229 ] تحت أظفاره وسخ لا يمنع وصول الماء إلى البشرة لم يضر وإن منع ففي صحة غسله خلاف سبق بيانه في بابي السواك وصفة الوضوء .
( الثامنة ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=272_23587كان ما على بعض أعضائه أو شعره حناء أو عجين أو طيب أو شمع أو نحوه فمنع وصول الماء إلى البشرة أو إلى نفس الشعر لم يصح غسله ، وقد تقدم ، بيان هذا فروع حسنة تتعلق به في آخر صفة الوضوء ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=272كان شعره متلبدا بحيث لا يصل الماء إلى باطن الشعر لم يصح غسله إلا بنفشه حتى يصل الماء إلى جميع أجزائه ; هكذا نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم وقطع به الأصحاب . ولو nindex.php?page=treesubj&link=272انعقدت في رأسه شعرة أو شعرات فهل يعفى عنها ؟ ويصح الغسل وهي معقودة ؟ وإن كان الماء لا يصل باطن محل العقد . فيه وجهان حكاهما الروياني والرافعي وغيرهما ، ( أحدهما ) : يعفى عنه وهو قول الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبي محمد الجويني وصححه الروياني والرافعي لأنها في معنى الأصبع الملتحمة ، ولأن الماء يبل محلها ، ( والثاني ) : لا يعفى عنه كالملبد ، وقطع هذه الشعرات ممكن بلا ضرر بخلاف الأصبع الملتحمة .
( التاسعة ) لو nindex.php?page=treesubj&link=272ترك من رأسه شعرة لم يصبها الماء لم يصح غسله . وعن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنه يصح : فلو نتف تلك الشعرة ، قال الماوردي : إن كان الماء وصل أصلها أجزأه وإلا لزمه إيصاله أصلها ، قال : وكذا لو أوصل الماء إلى أصول شعره دون الشعر ثم حلقه أجزأه ، وذكر صاحب البيان فيه وجهين : ( أحدهما ) هذا ، ( والثاني ) : يلزمه غسل مقطع الشعرة والشعرات ، وبه قطع ابن الصباغ في الفتاوى المنقولة عنه .
( العاشرة ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=272انشق جلده بجراحة وانفتح فمها وانقطع دمها وأمكن إيصال الماء إلى باطنها الذي يشاهد بلا ضرر وجب إيصاله في الغسل والوضوء ، قطع به الأصحاب ، وقد سبق بيانه في صفة الوضوء ، قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد الجويني : والفرق بينه وبين الفم والأنف أنهما باقيان على الاستبطان ، وإنما يفتح فمه لحاجة ومحل الجراحة صار ظاهرا فأشبه مكان [ ص: 230 ] الافتضاض من المرأة الثيب ، وقد سبق نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على أنه يلزمها إيصال الماء إلى ما برز بالافتضاض . قال nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد : فإن كان للجراحة غور في اللحم لم يلزمه مجاوزة ما ظهر منها ، كما لا يلزم المرأة مجاوزة ما ظهر بالافتضاض . ولو اندملت الجراحة والتأمت سقط الفرض في ذلك الموضع ، كما لو عادت البكارة بعد افتضاض فإنه يسقط غسل ما كان ظهر بالافتضاض وكما لو التحمت أصابع رجليه فإنه لا يجوز له شقها ، بل يكفيه غسل ما ظهر ، وقد سبق هذا في صفة الوضوء . قال nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد : ولو كان في باطن الجراحة دم وتعذرت إزالته وخشى زيادة سرايتها إلى العضو لم يلزمه إيصال الماء إلى باطنها ولزمه قضاء الصلوات عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إذا اندملت . ولا يلزمه القضاء عند nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني رضي الله عنهما .
( الحادية عشرة ) : لو nindex.php?page=treesubj&link=272_25973_62قطعت شفته أو أنفه فهل يلزمه غسل ما ظهر بالقطع في الوضوء والغسل ؟ فيه وجهان سبق إيضاحهما في صفة الوضوء . أصحهما يجب لأنه صار ظاهرا ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=272كان غير مختون فهل يلزمه في غسل الجنابة غسل ما تحت الجلدة التي تقطع في الختان ، فيها وجهان حكاهما المتولي والروياني وآخرون ( أصحهما ) يجب صححه الروياني والرافعي ، لأن تلك الجلدة مستحقة الإزالة ، ولهذا لو أزالها إنسان لم يضمن ، وإذا كانت مستحقة الإزالة فما تحتها كالظاهر .
( والثاني ) لا يجب ، وبه جزم الشيخ أبو عاصم العبادي في الفتاوى ، لأنه يجب غسل تلك الجلدة ولا يكفي غسل ما تحتها ، فلو كانت كالمعدومة لم يجب غسلها ، فبقي ما تحتها باطنا .
( الثانية عشرة ) لا يجب nindex.php?page=treesubj&link=272_77غسل داخل عينيه ، وحكم استحبابه كما سبق في صفة الوضوء ، ولو نبت في عينه شعر لم يلزمه غسله
( الثالثة عشرة ) لو nindex.php?page=treesubj&link=271_269كان على بعض بدن الجنب نجاسة فغسل ذلك الموضع غسلة واحدة بنية الجنابة ارتفعت النجاسة ، وهل يجزئه عن الجنابة ؟ فيه وجهان سبقا في مواضع بسطتها في باب نية الوضوء ، أصحهما يجزئه ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=271_25صب الجنب على رأسه الماء وكان على ظهره نجاسة فنزل عليها فأزالها [ ص: 231 ] فإن قلنا الماء المستعمل في الحدث يصلح لإزالة النجاسة طهر المحل عن النجاسة وهل يطهر عن الجنابة ؟ قال الروياني فيه الوجهان . وإن قلنا : المستعمل في الحدث لا يصلح للنجس . قال الروياني : ففي طهارته عن النجس هنا وجهان : ( أحدهما ) يطهر لأن الماء قائم على المحل وإنما يصير مستعملا بالانفصال ( والثاني ) لا يطهر لأنا لا نجعل الماء في حالة تردده على العضو مستعملا للحاجة إلى ذلك في الطهارة الواحدة ، وهذه طهارة أخرى ، فعلى هذا يجب تطهير هذا المحل عن النجاسة ، وهل يكفيه الغسلة الواحدة فيه عن النجس والجنابة إذا نواها ؟ فيه الوجهان .
( الرابعة عشرة ) لو nindex.php?page=treesubj&link=22638أحدث المغتسل في أثناء غسله لم يؤثر ذلك في غسله بل يتمه ويجزيه ، فإن أراد الصلاة لزمه الوضوء ، نص على هذا كله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم والأصحاب ولا خلاف فيه عندنا ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء وعمرو بن دينار nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري واختاره nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أنه يستأنف الغسل ، دليلنا أن الحدث لا يبطل الغسل بعد فراغه فلا يبطله في أثنائه كالأكل والشراب .
( الخامسة عشرة ) nindex.php?page=treesubj&link=24788هل يجب على السيد أن يشتري لمملوكه ماء الوضوء والغسل من الحيض والجنابة ؟ فيه وجهان حكاهما المتولي والروياني هنا وآخرون في النفقات ( أحدهما ) يجب كزكاة فطره ، ( والثاني ) لا لأن للطهارة بدلا وهو التيمم فينتقل إليه كما لو أذن لعبده في الحج متمتعا ، فإنه لا يلزم السيد الهدي ، بل ينتقل العبد إلى الصوم ، ويخالف الفطرة فلا بدل لها ، ولم يرجحها واحد من الوجهين . والأول عندي أصح لأنه من مؤن العبد وهي على سيده ، nindex.php?page=treesubj&link=13170وهل يلزم الزوج شراء ماء الطهارة لزوجته ؟ فيه خلاف ذكره المصنف في باب ما يجب بمحظورات الإحرام ، وذكره المتولي والروياني وآخرون هنا . وذكره البغوي وآخرون في النفقات والأظهر تفصيل ذكره البغوي وتابعه عليه الرافعي ، قال : إن كان الغسل لاحتلامها لم يلزمه ، وإن [ ص: 232 ] كان لجماعه أو نفاس لزمه في أصح الوجهين لأنه بسببه ، وإن كان حيضا لم يلزمه في أصح الوجهين لأنه من مؤن التمكين وهو واجب عليها . قال الرافعي ; وينظر على هذا القياس في ماء الوضوء إلى أن السبب منه كاللمس أم لا ؟ وفي nindex.php?page=treesubj&link=13167أجرة الحمام وجهان مشهوران في كتاب النفقات ( أحدهما ) : لا يجب إلا إذا عسر الغسل إلا في الحمام لشدة برد وغيره ، واختاره الغزالي ( وأصحهما ) وبه قطع المصنف والبغوي والروياني وآخرون في كتاب النفقات الوجوب إلا أن يكون من قوم لا يعتادون دخوله ، فإن أوجبناها قال الماوردي : إنما تجب في كل شهر مرة .
( السادسة عشرة ) قال nindex.php?page=showalam&ids=11903أبو الليث الحنفي في نوازله : لو nindex.php?page=treesubj&link=62_272كان في الإنسان قرحة فبرأت ، وارتفع قشرها ، وأطراف القرحة متصلة بالجلد إلا الطرف الذي كان يخرج منه القيح فإنه مرتفع ، ولا يصل الماء إلى ما تحت القشر أجزأه وضوءه وفي معناه الغسل .
فصل في الأغسال المسنونة لم يذكر لها المصنف رحمه الله بابا مستقلا ، بل ذكرها مفرقة في أبوابها وقد ذكرها هو في التنبيه والأصحاب مجموعة في باب اقتداء nindex.php?page=showalam&ids=15215بالمزني رحمه الله ، فأحببت موافقة الجمهور في ذكرها مجموعة في موضع ; فإنه أحسن وأحوط وأنفع وأضبط فأذكرها إن شاء الله تعالى في هذا الفصل في غاية الاختصار بالنسبة إلى عادة هذا الشرح . لكوني أبسطها إن شاء الله تعالى بفروعها وأداتها وما يتعلق بها في مواضعها . فمنها nindex.php?page=treesubj&link=24987غسل الجمعة وهو سنة عندنا وعند الجمهور وأوجبه بعض السلف ، وفيمن يستحب له أربعة أوجه : ( الصحيح ) أنه يستحب لكل من حضر الجمعة سواء الرجل والمرأة ومن تجب عليه ، ومن لا تجب ، ولا يستحب لغيره . [ ص: 233 ] والثاني ) يستحب لكل من تجب عليه ، سواء حضر أم انقطع لعذر ، حكاه الماوردي والروياني ، ورجحه الروياني وادعى أنه قول جمهور أصحابنا ، وليس كما قال .
( والثالث ) يستحب لمن حضر ممن تلزمه الجمعة دون من لا تلزمه حكاه الشاشي وغيره ، وهذا ضعيف أو غلط .
( الرابع ) يستحب لكل أحد سواء حضر أو لم يحضر . ومن تلزمه ومن لا تلزمه ، ومن انقطع عنها لعذر ، أو لغيره كغسل العيد . حكاه المتولي وغيره . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، والأصحاب : ويدخل وقت غسل الجمعة بطلوع الفجر ، ويبقى إلى صلاة الجمعة ، والأفضل أن يكون عند الرواح إليها . فلو اغتسل قبل الفجر لم يحسب . هكذا قطع به الأصحاب في جميع الطرق إلا إمام الحرمين فحكى - وجها - أنه يحسب ، وليس بشيء ، nindex.php?page=treesubj&link=283ولو اغتسل بعد الفجر ، ثم أجنب لم يبطل غسل الجمعة عندنا ، قال الماوردي : وبه قال العلماء كافة إلا الأوزاعي فإنه أبطله . دليلنا أن غسل الجمعة يراد للتنظيف فإذا تعقبه غسل الجنابة لم يبطله ، بل هو أبلغ في النظافة . قال الروياني وغيره : ويستحب أن يستأنف غسل الجمعة ليخرج من الخلاف ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال وصاحبه الصيدلاني والأصحاب : إن لم يجد الماء تيمم ، قالوا : ويتصور ذلك في قوم توضئوا وفرغ ماؤهم ، وفي الجريح في غير أعضاء الوضوء ، واستبعد الغزالي وغيره التيمم لأن المراد قطع الرائحة ، والصواب الأول لأنها طهارة شرعية فناب عنها التيمم كغيرها . ولغسل الجمعة فروع ، وتتمات ، نبسطها في بابها إن شاء الله تعالى .
ومن الغسل المسنون nindex.php?page=treesubj&link=284غسل العيدين وهو سنة لكل أحد بالاتفاق ، سواء الرجال والنساء والصبيان ، لأنه يراد للزينة وكلهم من أهلها بخلاف الجمعة ، فإنه لقطع الرائحة ، فاختص بحاضرها على الصحيح . ويجوز بعد الفجر وهل يجوز قبله ؟ قولان ( أحدهما ) : لا ، كالجمعة . وأصحهما : نعم لأن العيد يفعل أول النهار فيبقى أثره ولأن الحاجة تدعو [ ص: 234 ] إلى تقديمه لأن الناس يقصدونه من بعيد فعلى هذا فيه أوجه ( أحدها ) يجوز في جميع الليل ( والثاني ) لا يجوز إلا عند السحر ، وأصحها : يجوز في النصف الثاني لا قبله ، هذا مختصر ما يتعلق بغسل العيد ، وسيأتي إيضاحه مبسوطا بأدلته حيث ذكره المصنف في صلاة العيد إن شاء الله تعالى .
ومن المسنون nindex.php?page=treesubj&link=286_285غسل الكسوفين وغسل الاستسقاء . ومنه nindex.php?page=treesubj&link=264غسل الكافر إذا أسلم ولم يكن أجنب ، وقد سبق إيضاحه في باب ما يوجب الغسل . ومنه nindex.php?page=treesubj&link=289_290غسل المجنون والمغمى عليه إذا أفاق وقد سبق بيانهما في باب ما ينقض الوضوء .
ومنه nindex.php?page=treesubj&link=291_292_293_294_295_296أغسال الحج ، وهي الغسل للإحرام ولدخول مكة ، وللوقوف بعرفة وللوقوف بالمشعر الحرام ، وثلاثة أغسال لرمي الجمار في أيام التشريق الثلاثة ، نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على هذه السبعة في الأم قال : ولا يغتسل لجمرة العقبة . قال أصحابنا : إنما لم يغتسل لها لأن وقتها يدخل من نصف الليل ، ويبقى إلى آخر النهار ، فلا يجتمع لها الناس ، ولأنه اغتسل للوقوف بالمشعر الحرام ، وهو يرمي جمرة العقبة بعده بساعة ، فأثر الغسل باق فلا حاجة إلى إعادته ، وأضاف nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - في القديم - إلى هذه السبعة الغسل لطوافي الزيارة والوداع . قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب : وللحلق . قال البغوي وغيره : ويسن للحائض والنفساء جميع أغسال الحج إلا غسل الطواف ، لكونها لا تطوف .
ومن المستحب nindex.php?page=treesubj&link=287الغسل من غسل الميت ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي - قول - أنه يجب إن صح الحديث فيه . ولم يصح فيه حديث ، ولا فرق في هذا بين مس الميت المسلم والكافر ، فيسن الغسل من غسلهما ، ويسن nindex.php?page=treesubj&link=240الوضوء من مس الميت نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في مختصر nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني رحمهما الله وقاله الأصحاب ، ونقله إمام الحرمين عن أصحابنا المراوزة وسنبسط الكلام فيه في الجنائز إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف
ومن المستحب nindex.php?page=treesubj&link=25281الغسل من الحجامة ودخول الحمام ، نص عليهما nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - في القديم - وحكاه عن القديم ابن القاص nindex.php?page=showalam&ids=15021والقفال وقطعا به ، وكذا قطع [ ص: 235 ] به المحاملي في اللباب والغزالي في الخلاصة البغوي وآخرون ، ونقله الغزالي في الوسيط عن ابن القاص ثم قال : وأنكر معظم الأصحاب استحبابهما ، قال البغوي : أما الحجامة فورد فيها أثر ، وأما الحمام فقيل : أراد به إذا تنور يغتسل وإلا فلا . وقيل : استحبه لاختلاف الأيدي في ماء الحمام . قال : وعندي أن معنى الغسل أنه إذا دخله فعرق استحب ألا يخرج حتى يغتسل . هذا كلام البغوي وروى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناد - ضعفه - عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14671الغسل من خمسة من الجنابة ، والحجامة ، وغسل يوم الجمعة ، والغسل من ماء الحمام } " وبإسناده عن ابن عمرو بن العاص قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=29110كنا نغتسل من خمس من الحجامة ، والحمام ، ونتف الإبط ، ومن الجنابة ، ويوم الجمعة } " والله أعلم .
ومن المستحب nindex.php?page=treesubj&link=282الغسل لمن أراد حضور مجمع الناس صرح به أصحابنا ونقله الروياني في البحر عن نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ورأيت في الأم ما يدل عليه صريحا أو إشارة ظاهرة ، قال أبو عبد الله الزبيري في الكافي : يستحب في كل أمر اجتمع الناس له أن يغتسل المرء له ، ويقطع الرائحة المغيرة من جسده ويمس من طيب أهله ، هذه هي السنة . وقال البغوي : يستحب لمن أراد الاجتماع بالناس أن يغتسل ويتنظف ويتطيب . قال المحاملي في اللباب : يستحب الغسل عند كل حال تغير فيه البدن قال أصحابنا : وآكد هذه الأغسال غسل الجمعة والغسل من غسل الميت وأيهما آكد ؟ فيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف في الجنائز ، أصحهما عند المصنف وسائر العراقيين الغسل من غسل الميت وهو نصه في الجديد . والثاني : غسل الجمعة وهو قوله القديم وصححه البغوي والروياني وغيرهما . قال الرافعي : وصححه الأكثرون . وهذا هو الصحيح أو الصواب لأن أحاديث غسل الجمعة صحيحة ، وليس في الغسل من غسل الميت شيء صحيح . [ ص: 236 ] وفائدة القولين فيما لو أوصى بماء لأولى الناس أو وكل من يدفعه إلى أولاهم أو آكدهم حاجة فوجد رجلان ، أحدهما : قد غسل ميتا ، والآخر : يريد حضور الجمعة فأيهما أولى به ؟ فيه القولان ، وستأتي دلائل كل ما ذكرته في مواضعه إن شاء الله تعالى ، وبالله التوفيق .
فصل في nindex.php?page=treesubj&link=25281دخول الحمام روي عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت : { nindex.php?page=hadith&LINKID=38412نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دخول الحمامات ، ثم رخص للرجال أن يدخلوها في الميازر } " رواه أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وغيرهم . قال الترمذي ليس إسناده بذاك القائم . وعن أبي المليح - بفتح الميم - قال : دخل نسوة من أهل الشام على nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة فقالت : من أنتن ؟ فقلن : من أهل الشام فقالت : لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمامات ؟ قلن : نعم ، قالت : أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=34649ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى } " رواه أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه قال الترمذي : حديث حسن . وعن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12696إنها ستفتح عليكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال لها : الحمامات ، فلا يدخلنها الرجال إلا بالأزر وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء } " رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وفي إسناده من يضعف ، وجاء في دخول الحمام ، عن السلف آثار متعارضة في الإباحة والكراهة . فعن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء رضي الله عنه : " نعم البيت الحمام يذهب الدرن ويذكر النار " . وعن nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر رضي الله عنهما : " بئس البيت الحمام يبدي العورة ويذهب الحياء " .
وأما أصحابنا فكلامهم فيه قليل ، وممن تكلم فيه من أصحابنا الإمام الفقيه الحافظ أبو بكر السمعاني المروزي رحمه الله ، فقال : جملة القول في دخول الحمام أنه مباح للرجال بشرط التستر وغض البصر ، ومكروه للنساء [ ص: 237 ] إلا لعذر من نفاس أو مرض قال : وإنما كره للنساء لأن أمرهن مبني على المبالغة في التستر ، ولما في وضع ثيابهن في غير بيوتهن من الهتك ; ولما في خروجهن واجتماعهن من الفتنة والشر وأنشد :
دهتك بعلة الحمام نعم ومال بها الطريق إلى يزيد
قال : nindex.php?page=treesubj&link=306_1349_25276_301_27402وللداخل آداب منها أن يتذكر بحره حر النار ، ويستعيذ بالله تعالى من حرها ويسأله الجنة ، وأن يكون قصده التنظيف والتطهر دون التنعيم والترفه ، وألا يدخله إذا رأى فيه عاريا ، بل يرجع ، وألا يصلي فيه ، ولا يقرأ القرآن ولا يسلم ، ويستغفر الله تعالى إذا خرج ويصلي ركعتين ، فقد كانوا يقولون : يوم الحمام يوم إثم وروى لكل أدب منها خبرا أو أثرا وذكر آدابا أخر . وذكر الإمام الغزالي رحمه الله في الإحياء فيه كلاما حسنا طويلا مختصره أنه لا بأس بدخول الحمام ، دخل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمامات الشام ، قال : nindex.php?page=treesubj&link=24946_24661_27402وعلى داخله واجبات وسنن ، فعليه واجبان في عورته : صونها عن نظر غيره ومسه ، فلا يتعاطى أمرها ، وإزالة وسخها إلا بيده ، وواجبان في عورة غيره أن يغض بصره عنها ، وأن ينهاه عن كشفها لأن النهي عن المنكر واجب ، فعليه ذلك وليس عليه القبول .
قال : ولا يسقط الإنكار إلا لخوف ضرر أو شتم أو نحوه ، ولا يسقط عنه بظنه أنه لا يفيد قال : ولهذا صار الحزم في هذه الأزمان ترك دخول الحمام ، إذ لا يخلو عن عورات مكشوفة ، لا سيما ما فوق العانة وتحت السرة ولهذا استحب إخلاء الحمام . قال : والسنن عشر ، النية بأن لا يدخل عبثا ولا لغرض الدنيا ، بل يقصد التنظف المحبوب ، وأن يعطي الحمامي الأجرة قبل دخوله ، ويقدم رجله اليسرى في دخوله قائلا : بسم الله الرحمن الرحيم ، أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم . وأن يدخل وقت الخلوة أو يتكلف إخلاء الحمام فإنه - وإن لم يكن في الحمام إلا أهل الدين والمحتاطون في العورات - فالنظر إلى الأبدان مكشوفة فيه شوب من قلة الحياء . وهو مذكر للفكر في العورات ، ثم لا يخلو الناس في [ ص: 238 ] الحركات عن انكشاف العورات فيقع عليها البصر . وأن لا يعجل بدخول البيت الحار حتى يعرق في الأول ، وألا يكثر صب الماء بل يقتصر على قدر الحاجة فهو المأذون فيه ، وأن يذكر بحرارته حرارة نار جهنم لشبهه بها ، وألا يكثر الكلام ، ويكره دخوله بين المغرب والعشاء وقريبا من الغروب ، وأن يشكر الله تعالى إذا فرغ على هذه النعمة وهي النظافة ، ويكره من جهة الطب صب الماء البارد على الرأس عند الخروج من الحمام وشربه . ولا بأس بقوله لغيره عافاك الله ولا بالمصافحة ولا بأن يدلكه غيره يعني في غير العورة .
هذا كلام الغزالي ، ثم ذكر في النساء كلاما حذفته لكون كلام السمعاني أصوب منه ، قال : وإذا دخلت المرأة لضرورة فلا تدخل إلا بمئزر سابغ ، قال ولا يقرأ القرآن إلا سرا ولا يسلم إذا دخل ، فقد اتفق هو والسمعاني على ترك القراءة والسلام ، فأما القراءة فتقدم في آخر باب ما يوجب الغسل أنها لا تكره ولعل مرادهما الأول تركها لأنها مكروهة . وأما ترك السلام فقد وافقهما عليه صاحب التتمة ، فقال : لا يستحب السلام لداخله على من فيه لأنه بيت الشيطان ، ولأن الناس يكونون مشتغلين بالتنظف ، وكذا قاله غيرهم . والحمام مذكر لا مؤنث ، كذا نقله الأزهري في تهذيب اللغة عن العرب ونقله غيره وجمعه حمامات ، مشتق من الحميم وهو الماء الحار . والله أعلم وبه التوفيق .