الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          906 مسألة :

                                                                                                                                                                                          من أهدى هدي تطوع فعطب في الطريق قبل بلوغه مكة ، أو منى فلينحره ، وليلق قلائده في دمه وليخل بين الناس وبينه ; وإن قسمه بين الناس ضمن مثل ما قسم .

                                                                                                                                                                                          فلو قال : شأنكم به أو نحو هذا فلا بأس ; ولا يحل له أن يأكل هو ولا رفقاؤه منه شيئا ، فمن أكل منهم منه أدى إلى المساكين لحما مثل ما أكل فقط - الغنم ، والبقر ، والإبل في كل ذلك سواء .

                                                                                                                                                                                          فإن بلغ محله ففرض عليه أن يأكل منه ولا بد ، ويتصدق منه ولا بد - وهكذا روينا عن طائفة من السلف .

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان ، ومعمر ، كليهما عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال في هدي التطوع يعطب : لينحره ، ثم ليغمس نعله في دمه ، ثم ليضرب بالنعل صفحته فإن أكل منه ، أو أمر بأكله غرم . فإن كان واجبا فعطب فلينحره ، ثم ليغمس نعله في دمه ، ثم ليضرب بالنعل صفحته فإن شاء أكل ، وإن شاء أهدى ; وإن شاء تقوى به في ثمن أخرى

                                                                                                                                                                                          - وعن عطاء مثل هذا كله - وعن ابن المسيب في التطوع مثله .

                                                                                                                                                                                          وروينا خلاف هذا من طريق حماد بن سلمة : أخبرني حماد هو ابن أبي سليمان - عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد أن عائشة أم المؤمنين قالت في الهدي [ ص: 310 ] يعطب في الطريق : كلوه ولا تدعوه للكلاب ، والسباع ، فإن كان واجبا فأهدوا مكانه هديا ، وإن كان تطوعا فإن شئتم فلا تهدوا وإن شئتم فأهدوا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر أنه عطبت له بدنة تطوع فنحرها ابن عمر وأكلها ولم يهد مكانها . ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان هو ابن عيينة - عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال : إذا أهديت هديا - وهو تطوع - فعطب فانحره ، ثم اغمس النعل في دمه ، ثم اضرب به صفحته ، ثم كله إن شئت ، واهده إن شئت وتقو به في هدي آخر .

                                                                                                                                                                                          وعن ابن مسعود إذا ساق الهدي تطوعا فعطب : كل وأطعم وليس عليك البدل - وهو قول نافع أيضا .

                                                                                                                                                                                          وعن سعيد بن جبير إذا عطب الهدي قبل محله فكل من التطوع ، ولا تأكل من الواجب .

                                                                                                                                                                                          وروينا قولا آخر عن سعيد بن المسيب قال : يدعها تموت فرجعنا إلى السنة فوجدنا ما روينا من طريق أبي داود نا مسدد نا حماد عن أبي التياح عن موسى بن سلمة عن ابن عباس قال { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع فلان الأسلمي ثمان عشرة بدنة فقال : أرأيت إن أزحف علي منها شيء ؟ فقال رسول الله عليه السلام : تنحرها ثم تصبغ نعلها في دمها ثم اضرب بها على صفحتها ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك } ومن طريق أبي داود نا محمد بن كثير نا سفيان هو الثوري - عن هشام بن عروة عن أبيه { عن ناجية الأسلمي أن رسول الله عليه السلام بعث معه بهدي فقال : إن عطب [ ص: 311 ] منها شيء فانحره ، ثم اصبغ نعله في دمه ، ثم خل بينه وبين الناس } فهذا عموم لكل هدي .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : قال أبو حنيفة : له أن يتصدق بها - وهذا خلاف أمر رسول الله عليه السلام ; لأنه إذا تولى توزيعها - : فلم يخل بين الناس وبينها .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : إن أكل منها شيئا ضمن الهدي كله .

                                                                                                                                                                                          وهذا خطأ ; لأن الله - تعالى - قال : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ومن الباطل المحال أن يأكل لقمة فيغرم عنها ناقة من أصلها ، وهذا عدوان لا شك فيه .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو سليمان : لا يغرم إلا مثل ما أكل .

                                                                                                                                                                                          وهذا مما يتناقض فيه أبو حنيفة ، ومالك ، فأخذا فيه برواية ابن عباس وتركا رأيه الذي خالف فيه ما روي - وبالله - تعالى - التوفيق .

                                                                                                                                                                                          907 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          فإن كان الهدي عن واجب - وهي ستة أهداء فقط لا سابع لها - : إما جزاء صيد ، وإما هدي المتمتع ، وإما هدي الإحصار ، وإما نسك فدية الأذى ، وإما هدي من نذر مشيا إلى الكعبة فركب ، وإما نذر هدي .

                                                                                                                                                                                          وهذا الهدي ينقسم قسمين - : قسم بغير عينه ، وقسم منذور بعينه - فإن عطب الواجب قبل بلوغه محله فعل به صاحبه ما شاء من بيع أو أكل أو هدية أو صدقة ويهدي ما وجب عليه ولا بد حاشا المنذور بعينه فإنه ينحره ويتركه ولا يبدله ; لأنه إنما عليه في كل ما ذكرنا هدي واجب في ماله وذمته فعليه أن يأتي به أبدا وما لم يؤده عما عليه فهو مال من ماله يفعل فيه ما شاء عطب أو لم يعطب .

                                                                                                                                                                                          وأما المنذور بعينه فهو خارج عن ماله لا حق له فيه وليس عليه أن يبدله إلا أن يتعدى عليه فيهلكه فيضمنه بالوجه الذي نذره له ; لأنه اعتدى على حق غيره فعليه مثله .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 312 ] وأما من منع من تحكم المرء في هديه ما لم يبلغه محله فمبطل بلا دليل ، وإنما خرج من ذلك التطوع يعطب قبل محله بالنص الذي أوردنا .

                                                                                                                                                                                          والتطوع ثلاثة أهداء لا رابع لها - : من ساق هديا في قران أو في عمرة وهو لا يريد أن يحج من عامه ، أو أهدى وهو لا يريد حجا ولا عمرة .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية