الثامن :
nindex.php?page=treesubj&link=21403الفعل المجرد عما سبق ، فإن ورد بيانا ، كقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20870صلوا كما رأيتموني أصلي } ، و {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18285خذوا عني مناسككم } ، أو لآية كالقطع من الكوع المبين لآية السرقة ، فهو دليل في حقنا ، ولا خلاف أنه واجب ، وحيث ورد بيانا لمجمل ، فحكمه حكم ذلك المجمل إن كان واجبا فواجب ، وإن كان مندوبا فمندوب ،
nindex.php?page=treesubj&link=21403كأفعال الحج والعمرة ، وصلاة الفرض والكسوف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور : وهذا على القول بجواز
nindex.php?page=treesubj&link=21342_21403تأخير البيان إلى وقت الحاجة ، ومن أباه منع بيان المجمل بالفعل المتأخر عنه ، وإن لم يكن كذلك بل ورد مبتدأ ، فإن علمت صفته في حقه من وجوب أو ندب وإباحة ، فما حكم الأمة فيه ؟
[ ص: 30 ] اختلفوا فيه على مذاهب ، أصحها : أن أمته مثله ، إلا أن يدل على تخصيصه به . وثانيها : كما لم تعلم صفته ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبي بكر ، وثالثها : مثله في العبادات دون غيرها ، وبه قال
أبو علي بن خلاد من
المعتزلة . ورابعها : الوقف ، قاله
الرازي : وحكى
ابن السمعاني عن
أبي بكر الدقاق أنه لا يكون شرعا لنا إلا بدليل يدل عليه ، ثم قال
ابن السمعاني : هكذا أورده الأصحاب . وعندي أن ما فعله على جهة التقرب سواء عرف أنه فعله على جهة التقرب أو لم يعرف ، فإنه شرع لنا ، إلا أن يقوم دليل على تخصيصه به .
وقال
الشيخ شهاب الدين أبو شامة : هذه المسألة لم يفصح عنها المحققون ، وأنا أقول : إذا علمنا أن فعله على طريق الوجوب ، فإن علمناه واجبا عليه وعلينا فلا حاجة إلى الاستدلال بفعله على أنه واجب علينا ، بل مرجعنا إلى الدليل الدال على عدم خصوصيته ، وإن علمناه مختصا به ، فقد مر الكلام في خصائصه ، وإن شككنا فلا دليل على الوجوب إلا أدلة القائلين بالوجوب فيما لم تعلم صفته ، فلا حاجة إلى فرض هذه المسألة ، وهي أنه معلوم الصفة أولا ، وإن علمنا أنه أوقعه ندبا فهو على اختيارنا الندب في
[ ص: 31 ] مجهول الصفة ، أو مباحا ، فهو الذي لم يظهر فيه قصد القربة . ا هـ ملخصا . وإن لم نعلم صفته في حقه ، فتنقسم إلى قسمين : الأول : أن يظهر فيه قصد القربة . قال
إمام الحرمين في البرهان : فذهبت طوائف من
المعتزلة إلى حمله على الوجوب ، وبه قال
ابن سريج nindex.php?page=showalam&ids=12535وابن أبي هريرة من أصحابنا ، وذهب آخرون إلى أنه لا يدل على الوجوب ، ولكن يقتضي الاستحباب . قال : وفي كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ما يدل عليه ، وحكاه غيره عن
القفال ،
nindex.php?page=showalam&ids=11975وأبي حامد المروزي ، وذهب
الواقفية إلى الوقف ، ونسبه
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق لأكثر أصحابنا ، ويحكى عن
الدقاق ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب ، وحكاه في " اللمع " عن
الصيرفي ، وأكثر
المتكلمين ، ولم يحك
الإمام قول الإباحة هاهنا ; لأن قصد القربة لا يجامع استواء الطرفين ، لكن
ابن السمعاني حكاه حملا على أقل الأحوال ، وكذا
الآمدي صرح بجريان الخلاف الآتي في الحالتين جميعا . ويمكن توجيهه بأن القصد بفعل المباح جواز الإقدام عليه ، ويثاب عليه السلام على هذا القصد ، فهو قربة في حقه بهذا الاعتبار .
الثاني : أن لا يظهر فيه قصد القربة ، بل كان مجردا مطلقا ، وهذا موضع الخلاف الآتي ، والذي يقتضيه التحقيق فيما إذا لم يعرف حكم ذلك الفعل بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإما أن يكون من العبادات فهو متردد بين الوجوب والندب ، وما كان من غيرها ، وهو دنيوي كالتنزه فهو متردد بين الإباحة والندب ، وإلا كان ظاهرا في الندب ، ويحتمل الوجوب . وأما حكم ذلك الفعل بالنسبة إلينا ففيه مذاهب : أحدها : أنه واجب
[ ص: 32 ] في حقنا وحقه ما لم يمنع مانع ، ونسبوه
لابن سريج . قال
إمام الحرمين : وهو زلل في النقل عنه ، وهو أجل قدرا من ذلك . وحكاه
ابن الصباغ وغيره عن
الإصطخري ،
وابن خيران ،
nindex.php?page=showalam&ids=12535وابن أبي هريرة ،
والطبري ، وأكثر متأخري أصحابنا ، كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور ، وقال
سليم : إنه ظاهر مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ونصره
ابن السمعاني في " القواطع " ، وقال : إنه الأشبه بمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . لكنه لم يتكلم إلا فيما ظهر فيه قصد القربة ، واختاره
أبو الحسين بن القطان ونصر أدلته .
قال : وأخذوه من قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي [ في الرد ] على أهل
العراق في سنن النبي صلى الله عليه وسلم وأوامره : أجمعنا أن الأمر يختص به الظاهر ، فهو إذا انفرد بنفسه أولى أن يكون واجبا ، واختاره
الإمام فخر الدين في " المعالم " . ومن هذا الباب جلوسه بين الخطبتين يوم الجمعة ، وليس فيه إلا فعله عليه السلام . ورأى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فساد الصلاة بتركه ، والقول بوجوب التأسي في حقنا هو الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبو بكر وابن خويز منداد ، واختاره ، وقال
عبد الوهاب : إنه اللائق بأصولهم . قال
القرافي : وهو الذي نقله أئمة المالكية في كتبهم الأصولية والفروعية ، وفروع المذهب مبنية عليه . ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبو بكر عن أكثر أهل
العراق ، منهم
الكرخي وغيره . ثم قال
القاضي : واختلف القائلون بالوجوب على طريقين ، فذهب بعضهم إلى أنا ندرك الوجوب بالعقل ، وذهب بعضهم إلى أنا ندركه بالسمع ، وهو الذي أورده
ابن السمعاني . وقال
إلكيا الطبري : الصحيح
[ ص: 33 ] أنه لا أقيس من حيث العقل ; لأنه لا دلالة فيه ، والمخالف يسلم ذلك ، ولكنه يقول : دليل السمع دل عليه ، فيرجع النزاع إلى دليل السمع ، إذن لا متعلق لهم ، والألفاظ دلت على التأسي به ، وتهديد تارك التأسي به والاتباع له . والثاني : أنه مندوب ، وهو قول أكثر الحنفية
والمعتزلة ، ونقله القاضي
وابن الصباغ ،
وسليم عن
الصيرفي nindex.php?page=showalam&ids=15022والقفال الكبير . فأما النقل عن
القفال فصحيح ، فقد رأيته في كتابه ، وعبارته لا تدل على الوجوب في حق الأمة إلا بدليل ، ولنا أسوة به ، وهو غير مخصوص به حتى يوقف على الخصوص ، وأما
الصيرفي فسيأتي عنه الوقف ، ونسبه
nindex.php?page=showalam&ids=11939القاضي أبو بكر لأصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقال
ابن القشيري : في كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ما يدل عليه .
وقال
الماوردي والروياني : إنه قول الأكثرين ، وأطنب
أبو شامة في نصرته . والثالث : أنه مباح ، ولا يفيد إلا ارتفاع الحرج عن الأمة لا غير ، وهو الراجح عند الحنابلة . ونقله
الدبوسي في " التقويم " عن
nindex.php?page=showalam&ids=14330أبي بكر الرازي ، وقال : إنه الصحيح ، واختاره الإمام في " البرهان " ، وأطنب في الرد على الأولين ، ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي : وليس معروفا عند أصحابه . قال
ابن القطان : ونسبوه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لأنه قال في كتاب المناسك ، في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=treesubj&link=3550_21403ركعتي الطواف : ولا أدري أفرض أو تطوع ؟ ولا أدري الفريضة تجزئ عنها أم لا ؟ إلا أن الظاهر إن صلاهما أن علينا صلاتهما ، وإنما منعنا من إيجابهما أن الله تعالى ذكر الطواف ، ولم يذكر الصلاة ، فدل على أن فعله عليه السلام غير واجب .
[ ص: 34 ] قال : وذكر أيضا في الأمر قول
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62567فعلت أنا ورسول الله ، اغتسلنا } وقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43ولا جنبا إلا عابري سبيل } إنما أريد به الجماع ، وإن لم يكن معه إنزال ; لأنه يوجب المهر . ولم يعد إلى حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، بل استدل بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43ولا جنبا إلا عابري سبيل } وباتفاقهم على إيجاب المهر ، وإن لم يكن إنزال ، فكذلك الغسل ، فلو كان فعله عنده واجبا لكان أولى ما يحتج به صلى الله عليه وسلم . قال : والقائلون بالوجوب أولوا هذا إلى قولهم . ا هـ .
الرابع : أنه على الوقف حتى يقوم دليل على الوقف ، وبه قال جمهور أصحابنا ، منهم
الصيرفي كما رأيت التصريح به في كتابه " الدلائل " ، ونقله
ابن السمعاني عن أكثر
الأشعرية . قال : واختاره من أصحابنا
الدقاق وأبو القاسم بن كج ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك : إنه الصحيح ، وكذا صححه
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في " شرح الكفاية " ، ونقله عن كثير من أصحابنا ، منهم
ابن كج والدقاق والسريجي قال : وقالوا : لا ندري إنه للوجوب أو للندب أوللإباحة ; لاحتمال هذه الأمور كلها ، واحتمال أنه من خصائصه . واختاره
الغزالي والإمام فخر الدين وأتباعه . ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور عن
الأشعري nindex.php?page=showalam&ids=14667والصيرفي . وقال
ابن القطان : هذا القول بعيد جدا عن المذهب ، إلا أنه أقيس من الذي قبله ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب من الحنابلة ، وذكره عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
قال بعضهم : وللوقف في أفعاله معنيان : أحدهما الوقف في تعدية
[ ص: 35 ] حكمه إلى الأمة ، وثبوت التأسي ، وإن عرفت جهة فعله ، والثاني : الوقف في تعيين جهة فعله من وجوب أو استحباب ، وإن كان التأسي ثابتا ، وهو بهذا يئول إلى قول الندب . والخامس : أنه يدل على الحظر . قال
الغزالي ، وتبعه
الآمدي والهندي : وهو قول من جوز على الأنبياء المعاصي ، وهو سوء فهم . فإن هذا القائل يقول : إن غيره يحرم عليه اتباعه فيها . لا إن وقع منه يكون حراما ، كما صرح به
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب وابن القشيري ، فقالا : ذهب قوم إلى أنه يحرم اتباعه ، وهذا بناء على أصلهم في الأحكام قبل ورود الشرائع ، فإنهم زعموا أنها على الحظر ، ولم يجعلوا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم علما في تثبيت حكم ، فبقي الحكم على ما كان عليه في قضية العقل قبل ورود الشرائع . تنبيهات . الأول : الظاهر أن هذا الخلاف يجري في حكم الفعل بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند القائلين بأن حكمنا حكمه في الأفعال المعروفة الأحكام ، ثم رأيت
ابن النفيس قال في كتابه " الإيضاح " : الذي يظهر لي أنه بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم أن ما يكون من العبادات فهو متردد بين الوجوب والندب ، وما كان من غيرها وهو دنيوي كالتنزه ، فهو متردد بين الإباحة والندب ، وإلا كان ظاهرا في الندب ، ويحتمل الوجوب ، وأما كونه بالنسبة إلينا ففيه أربعة أقوال ، وحكى الخلاف السابق .
الثَّامِنِ :
nindex.php?page=treesubj&link=21403الْفِعْلُ الْمُجَرَّدُ عَمَّا سَبَقَ ، فَإِنْ وَرَدَ بَيَانًا ، كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20870صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } ، وَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18285خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ } ، أَوْ لِآيَةٍ كَالْقَطْعِ مِنْ الْكُوعِ الْمُبَيِّنِ لِآيَةِ السَّرِقَةِ ، فَهُوَ دَلِيلٌ فِي حَقِّنَا ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ وَاجِبٌ ، وَحَيْثُ وَرَدَ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ الْمُجْمَلِ إنْ كَانَ وَاجِبًا فَوَاجِبٌ ، وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا فَمَنْدُوبٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=21403كَأَفْعَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَالْكُسُوفِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16392الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ : وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=21342_21403تَأْخِيرِ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ ، وَمَنْ أَبَاهُ مَنَعَ بَيَانَ الْمُجْمَلِ بِالْفِعْلِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ وَرَدَ مُبْتَدَأً ، فَإِنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ فِي حَقِّهِ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ وَإِبَاحَةٍ ، فَمَا حُكْمُ الْأُمَّةِ فِيهِ ؟
[ ص: 30 ] اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى مَذَاهِبَ ، أَصَحُّهَا : أَنَّ أُمَّتَهُ مِثْلُهُ ، إلَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِهِ . وَثَانِيهَا : كَمَا لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ ، وَثَالِثُهَا : مِثْلُهُ فِي الْعِبَادَاتِ دُونَ غَيْرِهَا ، وَبِهِ قَالَ
أَبُو عَلِيِّ بْنِ خَلَّادٍ مِنْ
الْمُعْتَزِلَةِ . وَرَابِعُهَا : الْوَقْفُ ، قَالَهُ
الرَّازِيَّ : وَحَكَى
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ الدَّقَّاقِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَرْعًا لَنَا إلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ : هَكَذَا أَوْرَدَهُ الْأَصْحَابُ . وَعِنْدِي أَنَّ مَا فَعَلَهُ عَلَى جِهَةِ التَّقَرُّبِ سَوَاءٌ عُرِفَ أَنَّهُ فَعَلَهُ عَلَى جِهَةِ التَّقَرُّبِ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ ، فَإِنَّهُ شَرْعٌ لَنَا ، إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِهِ .
وَقَالَ
الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ يُفْصِحْ عَنْهَا الْمُحَقِّقُونَ ، وَأَنَا أَقُولُ : إذَا عَلِمْنَا أَنَّ فِعْلَهُ عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ ، فَإِنْ عَلِمْنَاهُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَعَلَيْنَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِفِعْلِهِ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْنَا ، بَلْ مَرْجِعُنَا إلَى الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ خُصُوصِيَّتِهِ ، وَإِنْ عَلِمْنَاهُ مُخْتَصًّا بِهِ ، فَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِي خَصَائِصِهِ ، وَإِنْ شَكَكْنَا فَلَا دَلِيلَ عَلَى الْوُجُوبِ إلَّا أَدِلَّةُ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ فِيمَا لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى فَرْضِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَهِيَ أَنَّهُ مَعْلُومُ الصِّفَةِ أَوَّلًا ، وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَوْقَعَهُ نَدْبًا فَهُوَ عَلَى اخْتِيَارِنَا النَّدْبَ فِي
[ ص: 31 ] مَجْهُولِ الصِّفَةِ ، أَوْ مُبَاحًا ، فَهُوَ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ . ا هـ مُلَخَّصًا . وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ صِفَتَهُ فِي حَقِّهِ ، فَتَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ : الْأَوَّلُ : أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ . قَالَ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ : فَذَهَبَتْ طَوَائِفُ مِنْ
الْمُعْتَزِلَةِ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الْوُجُوبِ ، وَبِهِ قَالَ
ابْنُ سُرَيْجٍ nindex.php?page=showalam&ids=12535وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ ، وَلَكِنْ يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَابَ . قَالَ : وَفِي كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ
الْقَفَّالِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11975وَأَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ ، وَذَهَبَ
الْوَاقِفِيَّةُ إلَى الْوَقْفِ ، وَنَسَبَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لِأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا ، وَيُحْكَى عَنْ
الدَّقَّاقِ ، وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11872الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ، وَحَكَاهُ فِي " اللُّمَعِ " عَنْ
الصَّيْرَفِيِّ ، وَأَكْثَرُ
الْمُتَكَلِّمِينَ ، وَلَمْ يَحْكِ
الْإِمَامُ قَوْلَ الْإِبَاحَةِ هَاهُنَا ; لِأَنَّ قَصْدَ الْقُرْبَةِ لَا يُجَامِعُ اسْتِوَاءَ الطَّرَفَيْنِ ، لَكِنَّ
ابْنَ السَّمْعَانِيِّ حَكَاهُ حَمْلًا عَلَى أَقَلِّ الْأَحْوَالِ ، وَكَذَا
الْآمِدِيُّ صَرَّحَ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ الْآتِي فِي الْحَالَتَيْنِ جَمِيعًا . وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّ الْقَصْدَ بِفِعْلِ الْمُبَاحِ جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ ، وَيُثَابُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ ، فَهُوَ قُرْبَةٌ فِي حَقِّهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ .
الثَّانِي : أَنْ لَا يَظْهَرَ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ ، بَلْ كَانَ مُجَرَّدًا مُطْلَقًا ، وَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ الْآتِي ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّحْقِيقُ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ حُكْمُ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ ، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِهَا ، وَهُوَ دُنْيَوِيٌّ كَالتَّنَزُّهِ فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ ، وَإِلَّا كَانَ ظَاهِرًا فِي النَّدْبِ ، وَيَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ . وَأَمَّا حُكْمُ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا فَفِيهِ مَذَاهِبُ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ وَاجِبٌ
[ ص: 32 ] فِي حَقِّنَا وَحَقِّهِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ ، وَنَسَبُوهُ
لِابْنِ سُرَيْجٍ . قَالَ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : وَهُوَ زَلَلٌ فِي النَّقْلِ عَنْهُ ، وَهُوَ أَجَلُّ قَدْرًا مِنْ ذَلِكَ . وَحَكَاهُ
ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ عَنْ
الْإِصْطَخْرِيِّ ،
وَابْنِ خَيْرَانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12535وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ،
وَالطَّبَرِيِّ ، وَأَكْثَرِ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا ، كَمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16392الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ ، وَقَالَ
سُلَيْمٌ : إنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَنَصَرَهُ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ " ، وَقَالَ : إنَّهُ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . لَكِنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ إلَّا فِيمَا ظَهَرَ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ ، وَاخْتَارَهُ
أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ وَنَصَرَ أَدِلَّتَهُ .
قَالَ : وَأَخَذُوهُ مِنْ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ [ فِي الرَّدِّ ] عَلَى أَهْلِ
الْعِرَاقِ فِي سُنَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوَامِرِهِ : أَجْمَعْنَا أَنَّ الْأَمْرَ يَخْتَصُّ بِهِ الظَّاهِرُ ، فَهُوَ إذَا انْفَرَدَ بِنَفْسِهِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا ، وَاخْتَارَهُ
الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي " الْمَعَالِمِ " . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ جُلُوسُهُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا فِعْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَرَأَى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهِ ، وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ التَّأَسِّي فِي حَقِّنَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ . قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ ، وَاخْتَارَهُ ، وَقَالَ
عَبْدُ الْوَهَّابِ : إنَّهُ اللَّائِقُ بِأُصُولِهِمْ . قَالَ
الْقَرَافِيُّ : وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ أَئِمَّةُ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُتُبِهِمْ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفُرُوعِيَّةِ ، وَفُرُوعُ الْمَذْهَبِ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ . وَنَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ
الْعِرَاقِ ، مِنْهُمْ
الْكَرْخِيّ وَغَيْرُهُ . ثُمَّ قَالَ
الْقَاضِي : وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ عَلَى طَرِيقَيْنِ ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّا نُدْرِكُ الْوُجُوبَ بِالْعَقْلِ ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّا نُدْرِكُهُ بِالسَّمْعِ ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ . وَقَالَ
إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ : الصَّحِيحُ
[ ص: 33 ] أَنَّهُ لَا أَقِيسُ مِنْ حَيْثُ الْعَقْلُ ; لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ ، وَالْمُخَالِفُ يُسَلِّمُ ذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ : دَلِيلُ السَّمْعِ دَلَّ عَلَيْهِ ، فَيَرْجِعُ النِّزَاعُ إلَى دَلِيلِ السَّمْعِ ، إذَنْ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ ، وَالْأَلْفَاظُ دَلَّتْ عَلَى التَّأَسِّي بِهِ ، وَتَهْدِيدُ تَارِكِ التَّأَسِّي بِهِ وَالِاتِّبَاعِ لَهُ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ مَنْدُوبٌ ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ
وَالْمُعْتَزِلَةِ ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي
وَابْنُ الصَّبَّاغِ ،
وَسُلَيْمٌ عَنْ
الصَّيْرَفِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=15022وَالْقَفَّالِ الْكَبِيرِ . فَأَمَّا النَّقْلُ عَنْ
الْقَفَّالِ فَصَحِيحٌ ، فَقَدْ رَأَيْته فِي كِتَابِهِ ، وَعِبَارَتُهُ لَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ إلَّا بِدَلِيلٍ ، وَلَنَا أُسْوَةٌ بِهِ ، وَهُوَ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِهِ حَتَّى يُوقَفَ عَلَى الْخُصُوصِ ، وَأَمَّا
الصَّيْرَفِيُّ فَسَيَأْتِي عَنْهُ الْوَقْفُ ، وَنَسَبَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11939الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ لِأَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . وَقَالَ
ابْنُ الْقُشَيْرِيّ : فِي كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ : إنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ ، وَأَطْنَبَ
أَبُو شَامَةَ فِي نُصْرَتِهِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ مُبَاحٌ ، وَلَا يُفِيدُ إلَّا ارْتِفَاعَ الْحَرَجِ عَنْ الْأُمَّةِ لَا غَيْرُ ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ . وَنَقَلَهُ
الدَّبُوسِيُّ فِي " التَّقْوِيمِ " عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14330أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيَّ ، وَقَالَ : إنَّهُ الصَّحِيحُ ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِي " الْبُرْهَانِ " ، وَأَطْنَبَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْأَوَّلِينَ ، وَنُقِلَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14979الْقُرْطُبِيُّ : وَلَيْسَ مَعْرُوفًا عِنْدَ أَصْحَابِهِ . قَالَ
ابْنُ الْقَطَّانِ : وَنَسَبُوهُ إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ; لِأَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ ، فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=treesubj&link=3550_21403رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ : وَلَا أَدْرِي أَفَرْضٌ أَوْ تَطَوُّعٌ ؟ وَلَا أَدْرِي الْفَرِيضَةُ تُجْزِئُ عَنْهَا أَمْ لَا ؟ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ إنْ صَلَّاهُمَا أَنَّ عَلَيْنَا صَلَاتَهُمَا ، وَإِنَّمَا مَنَعَنَا مِنْ إيجَابِهِمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّوَافَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّلَاةَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ غَيْرُ وَاجِبٍ .
[ ص: 34 ] قَالَ : وَذَكَرَ أَيْضًا فِي الْأَمْرِ قَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62567فَعَلْت أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ ، اغْتَسَلْنَا } وقَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ } إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْجِمَاعُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ ; لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمَهْرَ . وَلَمْ يَعُدْ إلَى حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ ، بَلْ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ } وَبِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى إيجَابِ الْمَهْرِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ ، فَكَذَلِكَ الْغُسْلُ ، فَلَوْ كَانَ فِعْلُهُ عِنْدَهُ وَاجِبًا لَكَانَ أَوْلَى مَا يَحْتَجُّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : وَالْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ أَوَّلُوا هَذَا إلَى قَوْلِهِمْ . ا هـ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ عَلَى الْوَقْفِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الْوَقْفِ ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا ، مِنْهُمْ
الصَّيْرَفِيُّ كَمَا رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِهِ فِي كِتَابِهِ " الدَّلَائِلِ " ، وَنَقَلَهُ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ أَكْثَرِ
الْأَشْعَرِيَّةِ . قَالَ : وَاخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا
الدَّقَّاقُ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابْنُ فُورَكٍ : إنَّهُ الصَّحِيحُ ، وَكَذَا صَحَّحَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11872الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي " شَرْحِ الْكِفَايَةِ " ، وَنَقَلَهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، مِنْهُمْ
ابْنُ كَجٍّ وَالدَّقَّاقُ وَالسُّرَيْجِيُّ قَالَ : وَقَالُوا : لَا نَدْرِي إنَّهُ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلنَّدَبِ أَوَلِلْإِبَاحَةِ ; لِاحْتِمَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا ، وَاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ . وَاخْتَارَهُ
الْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَأَتْبَاعُهُ . وَنَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16392الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ
الْأَشْعَرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14667وَالصَّيْرَفِيِّ . وَقَالَ
ابْنُ الْقَطَّانِ : هَذَا الْقَوْلُ بَعِيدٌ جِدًّا عَنْ الْمَذْهَبِ ، إلَّا أَنَّهُ أَقْيَسُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَصَحَّحَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ ، وَذَكَرَهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَلِلْوَقْفِ فِي أَفْعَالِهِ مَعْنَيَانِ : أَحَدُهُمَا الْوَقْفُ فِي تَعْدِيَةِ
[ ص: 35 ] حُكْمِهِ إلَى الْأُمَّةِ ، وَثُبُوتِ التَّأَسِّي ، وَإِنْ عُرِفَتْ جِهَةُ فِعْلِهِ ، وَالثَّانِي : الْوَقْفُ فِي تَعْيِينِ جِهَةِ فِعْلِهِ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ ، وَإِنْ كَانَ التَّأَسِّي ثَابِتًا ، وَهُوَ بِهَذَا يَئُولُ إلَى قَوْلِ النَّدْبِ . وَالْخَامِسُ : أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحَظْرِ . قَالَ
الْغَزَالِيُّ ، وَتَبِعَهُ
الْآمِدِيُّ وَالْهِنْدِيُّ : وَهُوَ قَوْلُ مَنْ جَوَّزَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الْمَعَاصِي ، وَهُوَ سُوءُ فَهْمٍ . فَإِنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَقُولُ : إنَّ غَيْرَهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ فِيهَا . لَا إنْ وَقَعَ مِنْهُ يَكُونُ حَرَامًا ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=11872الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ ، فَقَالَا : ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ اتِّبَاعُهُ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي الْأَحْكَامِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرَائِعِ ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهَا عَلَى الْحَظْرِ ، وَلَمْ يَجْعَلُوا فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَمًا فِي تَثْبِيتِ حُكْمٍ ، فَبَقِيَ الْحُكْمُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي قَضِيَّةِ الْعَقْلِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرَائِعِ . تَنْبِيهَاتٌ . الْأَوَّلُ : الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ يَجْرِي فِي حُكْمِ الْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ حُكْمَنَا حُكْمُهُ فِي الْأَفْعَالِ الْمَعْرُوفَةِ الْأَحْكَامِ ، ثُمَّ رَأَيْت
ابْنَ النَّفِيسِ قَالَ فِي كِتَابِهِ " الْإِيضَاحِ " : الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ ، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِهَا وَهُوَ دُنْيَوِيٌّ كَالتَّنَزُّهِ ، فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ ، وَإِلَّا كَانَ ظَاهِرًا فِي النَّدْبِ ، وَيَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ ، وَأَمَّا كَوْنُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ ، وَحَكَى الْخِلَافَ السَّابِقَ .