الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ( وقوله في رقية المريض : ربنا الله الذي في السماء ، تقدس اسمك ، أمرك في السماء والأرض ، كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض ، اغفر لنا حوبنا وخطايانا ، أنت رب الطيبين ، أنزل رحمة من رحمتك ، وشفاء من شفائك على هذا الوجع ؛ فيبرأ > [ ص: 208 ] حديث حسن ، رواه أبو داود وغيره .

      وقوله : ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء ، حديث صحيح . وقوله : ( والعرش فوق الماء ، والله فوق العرش ، وهو يعلم ما أنتم عليه ) [ ص: 209 ] حديث حسن ، رواه أبو داود وغيره ، وقوله للجارية : أين الله ؟ ، قالت : في السماء ، قال : من أنا ؟ قالت : أنت رسول الله . قال : أعتقها فإنها مؤمنة . رواه مسلم ) .

      التالي السابق


      ش قوله : ( ربنا الله الذي في السماء . . ) إلخ ؛ الحديث الأول والثاني صريح في علوه تعالى وفوقيته ؛ فهو كقوله تعالى : أأمنتم من في السماء .

      وقد سبق أن قلنا : إن هذه النصوص ليس المراد منها أن السماء ظرف حاو له سبحانه ؛ بل ( في ) إما أن تكون بمعنى ( على ) ؛ كما قاله كثير من أهل العلم واللغة ، و ( في ) تكون بمعنى ( على ) في مواضع كثيرة ؛ مثل قوله تعالى :ولأصلبنكم في جذوع النخل ، وإما أن يكون المراد من السماء جهة العلو ، وعلى الوجهين فهي نص في علوه تعالى على خلقه .

      وفي حديث الرقية المذكور توسل إلى الله عز وجل بالثناء عليه بربوبيته وإلاهيته وتقديس اسمه وعلوه على خلقه وعموم أمره الشرعي وأمره القدري ، ثم توسل إليه برحمته التي شملت أهل سماواته جميعا أن يجعل [ ص: 210 ] لأهل الأرض نصيبا منها ، ثم توسل إليه بسؤال مغفرة الحوب وهو الذنب العظيم ، ثم الخطايا التي هي دونه ، ثم توسل إليه بربوبيته الخاصة للطيبين من عباده ، وهم الأنبياء وأتباعهم ، التي كان من آثارها أن غمرهم بنعم الدين والدنيا الظاهرة والباطنة .

      فهذه الوسائل المتنوعة إلى الله لا يكاد يرد دعاء من توسل بها ، ولهذا دعا الله بعدها بالشفاء الذي هو شفاء الله الذي لا يدع مرضا إلا أزاله ، ولا تعلق فيه لغير الله .

      فهل يفقه هذا عباد القبور من المتوسلين بالذوات والأشخاص والحق والجاه والحرمة



      ونحو ذلك ؟ !

      وأما قوله : ( والعرش فوق الماء . . ) إلخ ؛ ففيه الجمع بين الإيمان بعلوه تعالى على عرشه ، وبإحاطة علمه بالموجودات كلها .

      فسبحان من هو علي في دنوه ، قريب في علوه .

      وأما الحديث الرابع ؛ فقد تضمن شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم بالإيمان للجارية التي اعترفت بعلوه تعالى على خلقه ، فدل ذلك على أن وصف العلو من أعظم أوصاف الباري جل شأنه ، حيث خصه بالسؤال عنه دون بقية الأوصاف ، ودل أيضا على أن الإيمان بعلوه المطلق من كل وجه هو من أعظم أصول الإيمان ، فمن أنكره ؛ فقد حرم الإيمان الصحيح .

      [ ص: 211 ] والعجب من هؤلاء الحمقى من المعطلة النفاة زعمهم أنهم أعلم بالله من رسوله ، فينفون عنه الأين بعدما وقع هذا اللفظ بعينه من الرسول مرة سائلا غيره كما في هذا الحديث ، ومرة مجيبا لمن سأله بقوله : أين كان ربنا ؟




      الخدمات العلمية