الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وإن كان أحدهما في الصحة والآخر في المرض فإن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض فإن كان التعليق بأمر سماوي بأن قال لها إذا جاء رأس شهر كذا فأنت طالق ، فجاء وهو مريض ثم مات وهي في العدة لا ترث عند أصحابنا الثلاثة ، وعند زفر ترث .

                                                                                                                                وجه قوله أن المعلق بالشرط كالمنجز عند الشرط فيصير قائلا عند الشرط أنت طالق ثلاثا وهو مريض .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن الزوج لم يصنع في مرض موته شيئا لا السبب ولا الشرط ليرد عليه فعله فلم يصر فارا ، وقوله المعلق بالشرط يجعل منجزا عند الشرط ممنوع بل يقع الطلاق بالكلام السابق من غير أن يقدر باقيا إلى وقت وجود الشرط على ما عرف في مسائل الخلاف .

                                                                                                                                وكذا إن كان بفعل أجنبي سواء كان منه بد كقدوم زيد أو لا بد منه كالصلاة المفروضة والصوم المفروض ونحوهما لما قلنا إنه لم يوجد من الزوج صنع في المرض لا بمباشرة السبب ولا بمباشرة الشرط ، وإن كان بفعل نفسه ترث سواء كان فعلا له منه بد كما إذا قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق أو لا بد منه كما إذا قال إن صليت أنا الظهر فأنت طالق ; لأنه باشر شرط بطلان حقها فصار متعديا عليها مضرا بها لمباشرة الشرط فيرد عليه رفعا للضرر عنها ; لأن العذر لا يعتبر في موضع التعدي والضرر ، كمن أتلف مال غيره نائما أو خاطئا أو أصابته مخمصة فأكل طعام غيره حتى يجب عليه الضمان ولم يجعل معذورا في مباشرة الفعل الذي لا بد له منه لما قلنا .

                                                                                                                                كذا هذا .

                                                                                                                                وإن كان بفعل المرأة فإن كان فعلا لها منه بد كدخول الدار وكلام زيد ونحو ذلك لا ترث ; لأنها رضيت ببطلان حقها حيث باشرت شرط البطلان من غير ضرورة ، وإن كان فعلا لا بد لها منه كالأكل والشرب والصلاة المفروضة والصوم المفروض وحجة الإسلام وكلام أبويها واقتضاء الديون من غريمها فإنها ترث في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمد لا ترث .

                                                                                                                                وكذا إذا علق بدخول دار لا غنى لها عن دخولها فهو على هذا الخلاف .

                                                                                                                                كذا روي عن أبي يوسف .

                                                                                                                                وجه قول محمد أنه لم يوجد من الزوج مباشرة بطلان حقها ولا شرط البطلان فلا يصير فارا كما لو علق بأمر سماوي أو بفعل أجنبي أو بفعلها الذي لها منه بد .

                                                                                                                                وجه قولهما أن المرأة فيما فعلت من الشرط عاملة للزوج من وجه ; لأن منفعة عملها عائدة عليه ; لأنه منعها عما لو امتنعت عنه لحق الزوج مأثم فإذا لم تمتنع وفعلت لم يلحقه مأثم فكانت منفعة فعلها عائدة عليه فجعل ذلك فعلا له من وجه فوجب إبطال فعله صيانة لحقها ومن الوجه الذي بقي مقصورا عليها ليس بدليل للرضا ; لأنها فعلته مضطرة لدفع العقوبة عن نفسها في الآخرة لا برضاها .

                                                                                                                                وقالوا فيمن فوض طلاق امرأته إلى الأجنبي في الصحة فطلقها في المرض أن التفويض إن كان على وجه لا يملك [ ص: 223 ] عزله عنه بأن ملكه الطلاق لا ترث ; لأنه لما لم يقدر على فسخه بعد مرضه صار الإيقاع في المرض كالإيقاع في الصحة .

                                                                                                                                وإن كان التفويض على وجه يمكنه العزل عنه فطلق في المرض ورثت ; لأنه لما أمكنه عزله بعد مرضه فلم يفعل وصار كأنه أنشأ التوكيل في المرض ; لأن الأصل في كل تصرف غير لازم أن يكون لبقائه حكم الابتداء والله عز وجل الموفق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية