الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) إذا كرر التلاوة في ركعتين فالقياس أن يكفيه سجدة واحدة وهو قول أبي يوسف الأخير ، وفي الاستحسان يلزمه لكل تلاوة سجدة وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد وهذه من المسائل الثلاث التي رجع فيها أبو يوسف [ ص: 183 ] عن الاستحسان إلى القياس إحداها هذه المسألة ، والثانية أن الرهن بمهر المثل لا يكون رهنا بالمتعة قياسا وهو قول أبي يوسف الأخير ، وفي الاستحسان يكون رهنا وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد ، والثانية أن العبد إذا جنى جناية فيما دون النفس فاختار المولى الفداء ثم مات المجني عليه القياس أن يخير المولى ثانيا وهو قول أبي يوسف الأخير وفي الاستحسان لا يخير وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد لا يخير وعلى هذا الخلاف إذا صلى على الأرض وقرأ آية السجدة في ركعتين ولا خلاف فيما إذا قرأها في ركعة واحدة .

                                                                                                                                وجه الاستحسان وهو قول محمد أن المكان ههنا وإن اتحد حقيقة وحكما لكن مع هذا لا يمكن أن يجعل الثانية تكرارا ; لأن لكل ركعة قراءة مستحقة فلو جعلنا الثانية تكرارا للأولى والتحقت القراءة بالركعة الأولى لخلت الثانية عن القراءة ولفسدت وحيث لم تفسد دل أنها لم تجعل مكررة بخلاف ما إذا كرر التلاوة في ركعة واحدة ; لأن هناك أمكن جعل التلاوة المتكررة متحدة حكما .

                                                                                                                                وجه القياس أن المكان متحد حقيقة وحكما فيوجب كون الثانية تكرارا للأولى كما في سائر المواضع ، وما ذكره محمد لا يستقيم ; لأن القراءة لها حكمان جواز الصلاة ، ووجوب سجدة التلاوة ونحن إنما نجعل القراءة الثانية ملتحقة بالأولى في حق وجوب السجدة لا في غيره من الأحكام .

                                                                                                                                ولو افتتح الصلاة على الدابة بالإيماء فقرأ آية السجدة في الركعة الأولى فسجد بالإيماء ثم أعادها في الركعة الثانية فعلى قول أبي يوسف الأخير لا يشكل أنه لا يلزمه أخرى .

                                                                                                                                واختلف المشايخ على قوله الأول وهو قول محمد قال بعضهم : يلزمه أخرى ، وقال بعضهم : يكفيه سجدة واحدة ثم تبدل المجلس قد يكون حقيقة وقد يكون حكما بأن تلا آية السجدة ثم أكل أو نام مضطجعا ، أو أرضعت صبيا ، أو أخذ في بيع أو شراء أو نكاح أو عمل يعرف أنه قطع لما كان قبل ذلك ثم أعادها فعليه سجدة أخرى ; لأن المجلس يتبدل بهذه الأعمال .

                                                                                                                                ألا ترى أن القوم يجلسون لدرس العلم فيكون مجلسهم مجلس الدرس ، ثم يشتغلون بالنكاح فيصير مجلسهم مجلس النكاح ، ثم بالبيع فيصير مجلسهم مجلس البيع ، ثم بالأكل فيصير مجلسهم مجلس الأكل ، ثم بالقتال فيصير مجلسهم مجلس القتال فصار تبدل المجلس بهذه الأعمال كتبدله بالذهاب والرجوع لما مر .

                                                                                                                                ولو نام قاعدا أو أكل لقمة أو شرب شربة أو تكلم بكلمة أو عمل عملا يسيرا ثم أعادها فليس عليه أخرى ; لأن بهذا القدر لا يتبدل المجلس والقياس فيهما سواء أنه لا يلزمه أخرى لاتحاد المكان حقيقة إلا أنا استحسنا إذا طال العمل اعتبارا بالمخيرة إذا عملت عملا كثيرا خرج الأمر عن يدها وكان قطعا للمجلس بخلاف ما إذا أكل لقمة أو شرب شربة .

                                                                                                                                ولو قرأ آية السجدة فأطال القراءة بعدها أو أطال الجلوس ثم أعادها ليس عليه سجدة أخرى ; لأن مجلسه لم يتبدل بقراءة القرآن وطول الجلوس ، وكذا لو اشتغل بالتسبيح أو بالتهليل ثم أعادها لا يلزمه أخرى وإن قرأها وهو جالس ثم قام فقرأها وهو قائم إلا أنه في مكانه ذلك يكفيه سجدة واحدة ; لأن المجلس لم يتبدل حقيقة وحكما .

                                                                                                                                أما الحقيقة فلأنه لم يبرح مكانه .

                                                                                                                                وأما الحكم فلأن الموجود قيام وهو عمل قليل كأكل لقمة ، أو شرب شربة وبمثله لا يتبدل المجلس ، وهذا بخلاف ما إذا خير امرأته فقامت من مجلسها حيث خرج الأمر من يدها كما لو انتقلت إلى مجلس آخر ; لأن خروج الأمر من يدها موجب الاعتراض عن قبول التمليك إذ التخيير تمليك على ما يعرف في كتاب الطلاق ومن ملك شيئا فأعرض عنه يبطل ذلك التمليك وهذا لأن القيام دليل الإعراض ; لأن اختيارها نفسها أو زوجها أمر تحتاج فيه إلى الرأي والتدبير لتنظر أي ذلك أعود لها وأنفع ، والقعود أجمع للذهن وأشد إحضارا للرأي فالقيام من هذه الحالة إلى ما يوجب تفرق الذهن وفوات الرأي دليل الإعراض أما ههنا فالحكم يختلف باتحاد المجلس وتعدده لا بالإعراض وعدمه والمجلس لم يتبدل فلم يعد متعددا متفرقا .

                                                                                                                                وكذلك لو قرأها وهو قائم فقعد ثم أعادها يكفيه سجدة واحدة لما قلنا .

                                                                                                                                ولو قرأها في مكان ثم قام وركب الدابة على مكانه ثم أعادها قبل أن يسير فعليه سجدة واحدة على الأرض ، ولو سارت الدابة ثم تلا بعدها فعليه سجدتان ، وكذلك إذا قرأها راكبا ثم نزل قبل السير فأعادها يكفيه سجدة واحدة استحسانا وفي القياس فعليه سجدتان لتبدل مكانه بالنزول أو الركوب .

                                                                                                                                وجه الاستحسان أن النزول أو الركوب عمل قليل فلا يوجب تبدل المجلس وإن كان سار ثم نزل فعليه سجدتان ; لأن سير الدابة بمنزلة مشيه فيتبدل به المجلس وكذلك لو قرأها ثم قام في مكانه ذلك وركب ثم نزل [ ص: 184 ] قبل السير فأعادها لا تجب عليه إلا سجدة واحدة لما قلنا .

                                                                                                                                ولو قرأها راكبا ثم نزل ثم ركب فأعادها وهو على مكانه فعليه سجدة واحدة لما بينا والأصل أن النزول والركوب ليسا بمكانين

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية