الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                تلاها في صلاته ثم سمعها من أجنبي أجزأته سجدة واحدة وروى ابن سماعة عن محمد أنه لا تجزيه ; لأن السماعية ليست بصلاتية والتي أداها صلاتية فلا تنوب عما ليست بصلاتية .

                                                                                                                                وجه ظاهر الرواية أن التلاوة الأولى من أفعال صلاته والثانية لا فحصلت الثانية تكرارا للأولى من حيث الأصل والأولى باقية فجعل وصف الأولى للثانية فصارت من الصلاة فيكتفي بسجدة واحدة ، وقالوا على رواية النوادر أيضا : تكون تكرارا ; لأن الثانية ليست بمستحقة بنفسها في محلها فتلتحق بالأولى بخلاف تلك المسألة ; لأن الثانية ركن من أركان الصلاة فكانت مستحقة بنفسها في محلها فلا يمكن أن تجعل ملحقة بالأولى .

                                                                                                                                ولو سمعها أولا من أجنبي وهو في الصلاة ثم تلاها بنفسه ففيه روايتان على ما نذكر .

                                                                                                                                ولو تلاها في الصلاة ثم سجد ثم أحدث فذهب وتوضأ ثم عاد إلى مكانه وبنى على صلاته ثم قرأ ذلك الأجنبي تلك الآية فعلى هذا للمصلي أن يسجدها إذا فرغ من صلاته ; لأنه تحول عن مكانه فسمع الثانية بعدما تبدل المجلس وفرق بين هذا وبين إذا قرأ آية سجدة ثم سبقه الحدث فذهب وتوضأ ثم جاء وقرأ مرة أخرى لا يلزمه سجدة أخرى وإن قرأ الثانية بعدما تبدل المكان ، والفرق أن في هذه المسألة الأولى المكان قد تبدل حقيقة وحكما أما الحقيقة فلا يشكل .

                                                                                                                                وأما الحكم فلأن التحريمة لا تجعل الأماكن المتفرقة كمكان واحد في حق ما ليس من أفعال الصلاة ، وسماع السجدة ليس من أفعال الصلاة فلم يتحد المكان حقيقة وحكما فيلزمه بكل مرة سجدة على حدة بخلاف تلك المسألة فإن هناك القراءة من أفعال الصلاة والتحريمة تجعل الأماكن المتفرقة مكانا واحدا حكما ; لأن الصلاة الواحدة لا تجوز في الأمكنة المختلفة فجعلت الأمكنة كمكان واحد في حق أفعال الصلاة لضرورة الجواز والقراءة من أفعال الصلاة فصار المكان في حقها متحدا ، فأما السماع فليس من أفعال الصلاة فتبقى الأمكنة في حقه متفرقة لعدم ضرورة توجب الاتحاد ، والحقائق لا يسقط اعتبارها حكما إلا لضرورة .

                                                                                                                                ولو سمعها رجل من إمام ثم دخل في صلاته فإن كان الإمام لم يسجدها سجدها مع الإمام وإن كان سجدها الإمام سقطت عنه حتى لا يجب عليه قضاؤها خارج الصلاة ; لأنه لما اقتدى بالإمام صارت قراءة الإمام قراءة له وجعل من حيث التقدير كأن الإمام قرأها ثانيا فصارت تلك السجدة من أفعال الصلاة ولو قرأ ثانيا لا يجب عليه مرة أخرى ; لأن الأولى صارت من أفعال الصلاة فكذا ههنا وإذا صارت من أفعال صلاته لا تؤدى خارج الصلاة لما مر .

                                                                                                                                وذكر في زيادات الزيادات أنه يسجد لما سمع قبل الاقتداء بعد ما فرغ من صلاته ، وذكر في نوادر الصلاة لأبي سليمان أنه لو تلا ما سمع خارج الصلاة في صلاة نفسه في غير ذلك المكان وسجد لها لا يسقط عنه ما لزمه خارج الصلاة وهذا موافق لما ذكره في زيادات الزيادات فصار في المسألة روايتان .

                                                                                                                                وجه تلك الرواية أن الثانية ليست بتكرار للأولى لأن التكرار إعادة الشيء بصفته وههنا الأولى لم تكن واجبة ولا فعلا من أفعال الصلاة والثانية واجبة وهي فعل من أفعال الصلاة فاختلف الوصف فلم تكن إعادة بخلاف ما إذا كانتا في الصلاة أو كانتا جميعا خارج الصلاة حيث كان تكرارا لاتحاد الوصف ألا ترى أن من باع بألف ثم باع بمائة دينار ما كان تكرارا بل كان فسخا للأول ولو باع في الثانية بألف كان تكرارا وإذا لم يكن تكرارا جعل كأنه قرأ آيتين مختلفتين في مكان أو آية في مكانين فيتعلق بكل واحدة منهما حكم على حدة دل عليه أنه لو كان [ ص: 186 ] قرأ الأولى وسجد ، ثم شرع في الصلاة في غير ذلك المكان وأعادها يلزمه أخرى في الروايات أجمع لما بينا أنه ليس بإعادة ولو كان إعادة لما لزمه أخرى .

                                                                                                                                وجه ظاهر الرواية أن الثانية إعادة للأولى من حيث الأصل ; لأنها عين تلك الآية وليست بإعادة من حيث الوصف ; لأن وصف كونها ركنا من أركان الصلاة لم يكن في الأولى ووجد في الثانية والأولى باقية حكما لبقاء حكمها وهو وجوب السجدة فإذا كانت باقية ، والثانية من حيث الأصل تكرار للأولى فجعلت من حيث الأصل كأنها عين الأولى فبقيت الصفة الثانية للتلاوة والثانية للأولى لصيرورة الثانية عين الأولى فتصير صفتها صفة تلك فصارت هي أيضا موصوفة بكونها صلاتية فلا تؤدى خارج الصلاة لما مر بخلاف ما إذا كان سجد للأولى ; لأنها لم تبق حكما بل انقضت بنفسها وحكمها فلم يجعل وصف الثانية وصفا للأولى فبقيت الثانية إعادة من حيث الأصل ابتداء من حيث الوصف فتجب سجدة أخرى من حيث الوصف ولا تجب من حيث الأصل فلم يعتبر جانب الأصل وإن كان هو المتبوع لما أن الاحتياط في باب العبادات اعتبار جانب الوجوب فيرجح جانب الوصف فوجبت سجدة أخرى على أن اعتبار جانب الوصف موجب واعتبار جانب الأصل ليس بمانع لكنه ليس بموجب فلم يقع التعارض والله أعلم .

                                                                                                                                ولو قرأ الإمام سجدة في ركعة وسجدها ثم أحدث في الركعة الثانية فقدم رجلا جاء ساعتئذ فقرأ تلك السجدةفعليه أن يسجدها لوجود سبب الوجوب في حقه وهو ابتداء التلاوة ولم يوجد منه أداء قبل هذا وعلى القوم أن يسجدوها معه ; لأنهم التزموا متابعته .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية