الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان ما يكره منها فيكره للإمام أن يصلي شيئا من السنن في المكان الذي صلى فيه المكتوبة ; لما ذكرنا فيما تقدم ، وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { أيعجز أحدكم إذا صلى أن يتقدم أو يتأخر } ولا يكره ذلك للمأموم ; لأن الكراهة في حق الإمام للاشتباه وهذا لا يوجد في حق المأموم ، لكن يستحب له أن يتنحى أيضا حتى تنكسر الصفوف ويزول الاشتباه على الداخل من كل وجه على ما مر .

                                                                                                                                ويكره أن [ ص: 286 ] يصلي شيئا منها والناس في الصلاة ، أو أخذ المؤذن في الإقامة إلا ركعتي الفجر فإنه يصليهما خارج المسجد ، وإن فاتته ركعة من الفجر ، فإن خاف أن تفوته الفجر تركهما وجملة الكلام فيه أن الداخل إذا دخل المسجد للصلاة لا يخلو إما أن كان يصلي المكتوبة ، وإما أن كان لم يصل ، وإما أن كان لم يصلها فلا يخلو إما أن دخل المسجد وقد أخذ المؤذن في الإقامة ، أو دخل المسجد وشرع في الصلاة ثم أخذ المؤذن في الإقامة فإن دخل وقد كان المؤذن أخذ في الإقامة يكره له التطوع في المسجد سواء كان ركعتي الفجر ، أو غيرهما من التطوعات ; لأنه يتهم بأنه لا يرى صلاة الجماعة ، وقد قال النبي : صلى الله عليه وسلم { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم } .

                                                                                                                                وأما خارج المسجد فكذلك في سائر التطوعات .

                                                                                                                                وأما في ركعتي الفجر فالأمر فيه على التفصيل الذي ذكرنا ; لأن إدراك فضيلة الافتتاح أولى من الاشتغال بالنفل ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : { تكبيرة الافتتاح خير من الدنيا وما فيها } وليست هذه المرتبة لسائر النوافل ، وفي الاشتغال باستدراكها فوات النوافل ، وفي الاشتغال باستدراك النوافل فوتها وهي أعظم ثوابا فكان إحراز فضيلتها أولى ، بخلاف ركعتي الفجر فإن الترغيب فيهما قد وجد حسبما وجد في تكبيرة الافتتاح قال صلى الله عليه وسلم : { ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها } فقد استويا في الدرجة واختلف تخريج مشايخنا في ذلك منهم من قال : موضوع المسألة أن الرجل إذا انتهى إلى الإمام وقد سبقه بالتكبير وشرع في قراءة السورة فيأتي بركعتي الفجر لينال هذه الفضيلة عند فوت تلك الفضيلة ; لأن إدراك تكبيرة الافتتاح غير موهوم ، فإذا عجز عن إحراز إحدى الفضيلتين يحرز الأخرى ، فإذا كان الإمام لم يأت بتكبيرة الافتتاح بعد يشتغل بإحرازها ; لأنها عند التعارض تأيدت بالانضمام إلى فضيلة الجماعة ، فكان إحرازها أولى ، غير أن موضوع المسألة على خلاف هذا فإن محمدا وضع المسألة فيما إذا أخذ المؤذن في الإقامة ومع ذلك قال : إنه يشتغل بالتطوع إذا كان يرجو إدراك ركعة واحدة ، وإن استويا في الدرجة على ما مر ، والوجه فيه أنه لو اشتغل بإحراز فضيلة تكبيرة الافتتاح لفاتته فضيلة ركعتي الفجر أصلا .

                                                                                                                                ولو اشتغل بركعتي الفجر لما فاتته فضيلة تكبيرة الافتتاح من جميع الوجوه ; لأنها باقية من كل وجه ما دامت الصلاة باقية ; لأن تكبيرة الافتتاح هي التحريمة ، وهي تبقى ما دامت الأركان باقية فكانت تكبيرة الافتتاح باقية ببقاء التحريمة من وجه ، فصار مدركا من وجه وصار مدركا أيضا فضيلة الجماعة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم { من أدرك ركعة من الفجر فقد أدركها } ; ولأنه أدرك أكثر الصلاة ; لأن الفائت ركعة لا غير ، والمستدرك ركعة وقعدة ، وللأكثر حكم الكل فكان الاشتغال بركعتي الفجر أولى بخلاف ما إذا كان يخاف فوت الركعتين جميعا ; لأنهما إذا فاتتا لم يبق شيء من الأركان الأصلية .

                                                                                                                                ولو بقي شيء قليل لا عبرة له بمقابلة ما فات ; لأنه أقل ، والفائت أكثر وللأكثر حكم الكل فعجز عن إحرازهما فيختار تكبيرة الافتتاح لما انضم إلى إحرازها فضيلة الجماعة في الفرض ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول { تفضل الصلاة بجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة وفي رواية بسبع وعشرين درجة } فكان هذا أولى والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية