الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وكما لا يجوز صرف الزكاة إلى الغني لا يجوز صرف جميع الصدقات المفروضة والواجبة إليه كالعشور والكفارات والنذور وصدقة الفطر لعموم قوله تعالى { إنما الصدقات للفقراء } وقول النبي صلى الله عليه وسلم { لا تحل الصدقة لغني } ولأن الصدقة مال تمكن فيه الخبث لكونه غسالة الناس لحصول الطهارة لهم به من الذنوب ، ولا يجوز الانتفاع بالخبيث إلا عند الحاجة والحاجة للفقير لا للغني .

                                                                                                                                وأما صدقة التطوع فيجوز صرفها إلى الغني ; لأنها تجري مجرى الهبة ، ولا يجوز الصرف إلى عبد الغني ومدبره وأم ولده ; لأن الملك في المدفوع نفع لمولاه وهو غني فكان دفعا إلى الغني ، هذا إذا كان العبد محجورا أو كان مأذونا لكنه لم يكن عليه دين مستغرق لرقبته ; لأن كسبه ملك المولى فالدفع يقع إلى المولى وهو غني فلا يجوز ذلك .

                                                                                                                                وإن كان عليه دين مستغرق لكنه غير ظاهر في حق المولى ; لأنه يتأخر إلى ما بعد العتاق فكان كسبه ملك المولى وهو غني .

                                                                                                                                وأما إذا كان ظاهرا في حق المولى كدين الاستهلاك ودين التجارة فينبغي أن يجوز على قول أبي حنيفة ; لأن المولى لا يملك كسب عبده المأذون المديون دينا مستغرقا ظاهرا في حقه وعندهما لا يجوز ; لأنه يملك كسبه عندهما .

                                                                                                                                ويجوز الدفع إلى مكاتب الغني ; لأن كسب المالك المكاتب ملكه من حيث الظاهر وإنما يملكه المولى بالعجز ولم يوجد .

                                                                                                                                وأما ولد الغني فإن كان صغيرا لم يجز الدفع إليه وإن كان فقيرا لا مال له ; لأن الولد الصغير يعد غنيا بغنى أبيه وإن كان كبيرا فقيرا يجوز ; لأنه لا يعد غنيا بمال أبيه فكان كالأجنبي ولو دفع إلى امرأة فقيرة وزوجها غني جاز في قول أبي حنيفة ومحمد وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف .

                                                                                                                                وروي عنه أنها لا تعطي إذا قضي لها بالنفقة .

                                                                                                                                وجه هذه الرواية أن نفقة المرأة تجب على زوجها فتصير غنية بغنى الزوج كالولد الصغير ، وإنما شرط القضاء لها بالنفقة ; لأن النفقة لا تصير دينا بدون القضاء .

                                                                                                                                وجه ظاهر الرواية أن المرأة الفقيرة لا تعد غنية بغنى زوجها ; لأنها لا تستحق على زوجها إلا مقدار النفقة فلا تعد بذلك القدر غنية .

                                                                                                                                وكذا يجوز الدفع إلى فقير له ابن غني وإن كان يجب عليه نفقته لما قلنا : إن تقدر النفقة لا يصير غنيا فيجوز الدفع إليه .

                                                                                                                                وأما صدقة الوقف فيجوز صرفها إلى الأغنياء إن سماهم الواقف في الوقف ذكره الكرخي في مختصره وإن لم يسمهم لا يجوز ; لأنها صدقة واجبة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية