الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله : ذكر أحمد بن حنبل هذا الكلام عن بعض التابعين ، عن عيسى ابن مريم عليه السلام فوهم بعض الرواة أنه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فوضع هذا الإسناد عليه لسهولته وقربه ، وهذا الحديث لا يحتمل بهذا الإسناد عن أحمد بن حنبل .

              أخبرنا علي بن يعقوب الدمشقي - في كتابه - وحدثني عثمان بن محمد العثماني ، ثنا جعفر بن أحمد بن عاصم ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، ثنا علي بن أبي الحر قال : خرج الأوزاعي حاجا قال : فلما كنت بالمدينة أتيت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بليل ، فإذا شاب يتهجد بين القبر والمنبر ، فلما طلع الفجر استلقى على ظهره وقال : عند الصباح يحمد القوم السرى ، فقلت : يا ابن أخي لك ولأصحابك لا للجمالين " .

              قال : وحدثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا عيسى بن عبيد الجبيلي قال : سمعت أبا كريمة الكلبي - وكان من عباد أهل الشام - يقول : " ابن آدم ، ليس لما بقي في الدنيا من عمرك ثمن ، وسمعته يقول : عند الصباح يحمد القوم السرى وعند الممات يحمد القوم التقى " .

              قال : وحدثنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت أبا سليمان يقول : " إنا إن شاء الله وأصحابي قاصدون إليه ، وأهل البدع راجعون عنه ، وأهل المعاصي قد أخذوا يمينا وشمالا فوقعوا في الأحوال والشكوك " .

              قال : وحدثنا أحمد بن أبي الحواري ، ثنا أحمد بن النضر ، عن ابن شابور قال : " قال عيسى ابن مريم عليه السلام : طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود غيب لم يره " .

              حدثنا عثمان بن محمد العثماني ، ثنا أبو الحسن البغدادي قال : ذكر لي عن أحمد بن أبي الحواري ، أنه قال : دخلت على أبي سليمان وهو يبكي فقلت : ما يبكيك ؟ قال : كنت البارحة أصلي فحملتني عيناي فنمت ، فإذا أنا بحوراء ، قد خرجت علي [ ص: 16 ] من محرابي بيدها رقعة فقالت : يا أبا سليمان تحسن تقرأ ؟ فقلت : نعم ، فقالت اقرأ هذه الرقعة ، ففككتها فإذا فيها :


              ألهتك لذة نومة عن خير عيش مع الغنجات في غرف الجنان     تعيش مخلدا لا موت فيها
              وتنعم في الجنان مع الحسان     تيقظ من منامك إن خيرا
              من النوم التهجد بالقران



              حدثنا أبي ، ثنا إسحاق بن إبراهيم المسوحي ، ثنا عبد الله بن الحجاج ، ثنا عبد الله بن أشنويه الأزدي بفارس ، ثنا العباس بن حمزة ، ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : دخلت على أبي سليمان وهو يبكي فقلت له : مم تبكي ؟ فقال لي : ويحك يا أحمد ، كيف لا أبكي وقد بلغني أنه إذا جن الليل وهدأت العيون ، وخلا كل خليل بخليله ، واستنارت قلوب العارفين وتلذذت بذكر ربهم ، وارتفعت هممهم إلى ذي العرش ، وافترش أهل المحبة أقدامهم بين يدي مليكهم في مناجاته ورددوا كلامه بأصوات محزونة ، جرت دموعهم على خدودهم ، وتقطرت في محاريبهم خوفا واشتياقا ، فأشرف عليهم الجليل جل جلاله فنظر إليهم فأمدهم محبة وسرورا ، فقال لهم : أحبابي والعارفين بي ، اشتغلوا بي وألقوا عن قلوبكم ذكر غيري ، أبشروا فإن لكم عندي الكرامة والقربة يوم تلقوني ، فينادي الله جبريل : يا جبريل ، بعيني من تلذذ بكلامي واستراح إلي وأناخ بفنائي ، وإني لمطلع عليهم في خلواتهم أسمع أنينهم وبكاءهم وأرى تقلبهم واجتهادهم ، فناد فيهم يا جبريل : ما هذا البكاء الذي أسمع ؟ وما هذا التضرع الذي أرى منكم ؟ هل سمعتم أو أخبركم عني أحد أن حبيبا يعذب أحباءه ؟ أوما علمتم أني كريم ، فكيف لا أرضى ؟ أيشبه كرمي أن أرد قوما قصدوني ، أم كيف أذل قوما تعززوا بي ؟ أم كيف أحجب غدا أقواما آثروني على جميع خلقي وعلى أنفسهم وتنعموا بذكري ؟ أم كيف يشبه رحمتي ؟ أو كيف يمكن أن أبيت قوما تملقوا لي وقوفا على أقدامهم وعند البيات أخزوهم ؟ أم كيف يجمل بي أن أعذب قوما إذا جنهم الليل تملقوني ، وكيفما كانوا انقطعوا إلي واستراحوا إلى ذكري ، وخافوا عذابي وطلبوا القربة عندي ، [ ص: 17 ] فبي حلفت لأرفعن الوحشة عن قلوبهم ، ولأكونن أنيسهم إلى أن يلقوني ، فإذا قدموا علي يوم القيامة فإن أول هديتي إليهم أن أكشف لهم عن وجهي حتى ينظروا إلي وأنظر إليهم ، ثم لهم عندي ما لا يعلمه غيري ، يا أحمد ، إن فاتني ما ذكرت لك فيحق لي أن أبكي دما بعد الدموع ، قال أحمد : فأخذت معه بالبكاء ، ثم خرجت من عنده وتركته بالباب ، فكنت أرى أثر ذلك عليه حتى الممات ، وجعل يبكي ويصيح ، فكنت بعد ذلك إذا سألته عن شيء من الحديث يقول : ما كفاك الذي سمعت ؟ - يعني هذا - فأقول : لعل منفعتي فيما لم أسمعه بعد ، فيقول : أجل . ثم قال لي أحمد : خذها إليك فقد سقت لك الحديث بتمامه ، وإني ربما اختصرته ، وبكى أحمد لما حدثني هذا الحديث وصرخ يقول : واحرماناه واشؤم خطيئتاه مضى القوم وبقينا بعد حين قد أمضيناه ، فالناس ظفروا بما طلبوا ، ولا ندري ما ينزل بنا فواخطراه . وجعل يبكي ويصيح ، فأخذت معه في البكاء ، وكنت أرى أثر ذلك عليه إلى الممات " .

              حدثنا عثمان بن محمد العثماني ، ثنا محمد بن محمد بن عمران بن ميسرة ، ثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : قال لي أبو سليمان : " جوع قليل ، وعري قليل ، وذل قليل ، وفقر قليل ، وصبر قليل ، فقد انقضت عنك أيام الدنيا " .

              حدثنا عثمان بن محمد ، ثنا عبد الواحد بن أحمد التنيسي ، ثنا أبو عثمان سعيد بن الحكم بن أوس الدمشقي ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، ثنا أبو علي الرحبي قال : " فقد الحسن بن يحيى شابا كان ينقطع إليه قال : فخرج الحسن حتى أتى منزله فدق عليه الباب ، فخرج إليه الشاب فقال له : يا ابن أخي ، ما لي لم أرك منذ أيام ؟ فقال له : يا أخي إن هذه الدار ليست دار لقاء إنما هي دار عمل ، واللقاء ثم ، ثم أغلق الباب في وجهه قال : فما رآه الحسن بعد ذلك اليوم حتى أخرجت جنازته " .

              حدثنا عثمان بن محمد قال : قرأ علي بن أحمد بن محمد بن عيسى ، ثنا يوسف بن الحسن قال : قال أحمد - يعني ابن أبي الحواري - يوما : " لله لعبده في أوان [ ص: 18 ] معاصيه وإعراضه عن ربه أشد نظرا إليه وحبا من العبد في أوان تتابع نعمه وكمال كرامته وعظيم ستره وإحسانه ، ثم قال : وهل يليق إلا ذلك ؟ وقال :


              قنعت بعلم الله ذخري وواجدي     بمكتوم أسرار تضمنها صدري
              فلو جاز ستر الستر بيني وبينه     إلى القلب والأحشاء لم يعلما سري



              حدثنا محمد بن علي بن حبيش ، ثنا ابن منيع ، ثنا العباس بن حمزة ، ثنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت أبا سليمان يقول : " لأن أترك من عشائي لقمة أحب إلي من أن آكلها وأقوم من أول الليل إلى آخره " .

              حدثنا محمد ، ثنا ابن منيع ، ثنا العباس ، ثنا أحمد قال : سمعت أبا سليمان يقول : " إن من خلق الله لخلقا ما يشغلهم الجنان وما فيها من النعيم عنه فكيف يشتغلون عنه بالدنيا ؟ " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية