(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=66فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=68كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=66فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=68كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود ) .
اعلم أن مثل هذه الآية قد مضى في قصة
عاد ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=66ومن خزي يومئذ ) فيه مسائل :
[ ص: 18 ] المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28982الواو في قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=66ومن خزي ) واو العطف وفيه وجهان :
الأول : أن يكون التقدير : نجينا
صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا من العذاب النازل بقومه ، ومن الخزي الذي لزمهم وبقي العار فيه مأثورا عنهم ومنسوبا إليهم ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=34080معنى الخزي : العيب الذي تظهر فضيحته ويستحيا من مثله ، فحذف ما حذف اعتمادا على دلالة ما بقي عليه .
الثاني : أن يكون التقدير : نجينا
صالحا برحمة منا ونجيناهم من خزي يومئذ .
المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=28938_28921_28922قرأ الكسائي ، ونافع في رواية ورش ، nindex.php?page=showalam&ids=16810وقالون ، وإحدى الروايات عن nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش " يومئذ " بفتح الميم ، وفي المعارج " عذاب يومئذ " [المعارج : 11 ] والباقون بكسر الميم فيهما ، فمن قرأ بالفتح فعلى أن "يوم" مضاف إلى "إذ" ، وأن "إذ" مبني ، والمضاف إلى المبني يجوز جعله مبنيا ، ألا ترى أن المضاف يكتسب من المضاف إليه التعريف والتنكير ، فكذا ههنا ، وأما الكسر في "إذ" فالسبب أنه يضاف إلى الجملة من المبتدأ والخبر ، تقول : جئتك إذ الشمس طالعة ، فلما قطع عن المضاف إليه نون ؛ ليدل التنوين على ذلك ، ثم كسرت الذال لسكونها وسكون التنوين ، وأما القراءة بالكسر فعلى إضافة الخزي إلى اليوم ، ولم يلزم من إضافته إلى المبني أن يكون مبنيا ؛ لأن هذه الإضافة غير لازمة .
المسألة الثالثة : الخزي : الذل العظيم حتى يبلغ حد الفضيحة ؛ ولذلك قال تعالى في المحاربين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=30539_30550_31847ذلك لهم خزي في الدنيا ) [المائدة : 33 ] ، وإنما سمى الله تعالى ذلك العذاب خزيا ؛ لأنه فضيحة باقية يعتبر بها أمثالهم ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=66إن ربك هو القوي العزيز ) ، وإنما حسن ذلك ؛ لأنه تعالى بين أنه أوصل ذلك العذاب إلى الكافر ، وصان أهل الإيمان عنه ، وهذا التمييز لا يصح إلا من القادر الذي يقدر على قهر طبائع الأشياء ، فيجعل الشيء الواحد بالنسبة إلى إنسان بلاء وعذابا ، وبالنسبة إلى إنسان آخر راحة وريحانا ، ثم إنه تعالى بين ذلك الأمر فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67وأخذ الذين ظلموا ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : إنما
nindex.php?page=treesubj&link=34077قال : ( nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67وأخذ ) ولم يقل : أخذت ؛ لأن الصيحة محمولة على الصياح ، وأيضا فصل بين الفعل والاسم المؤنث بفاصل ، فكان الفاصل كالعوض من تاء التأنيث ، وقد سبق لها نظائر .
المسألة الثانية : ذكروا في
nindex.php?page=treesubj&link=31847الصيحة وجهين ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - : المراد الصاعقة ، الثاني : الصيحة صيحة عظيمة هائلة ، سمعوها فماتوا أجمع منها ، فأصبحوا وهم موتى جاثمين في دورهم ومساكنهم ، وجثومهم سقوطهم على وجوههم ، يقال : إنه تعالى أمر
جبريل - عليه السلام - أن يصيح بهم تلك الصيحة التي ماتوا بها ، ويجوز أن يكون الله تعالى خلقها ، والصياح لا يكون إلا الصوت الحادث في حلق وفم ، وكذلك الصراخ ، فإن كان من فعل الله تعالى فقد خلقه في حلق حيوان ، وإن كان فعل
جبريل - عليه السلام - فقد حصل في فمه وحلقه ، والدليل عليه أن صوت الرعد أعظم من كل صيحة ، ولا يسمى بذلك ، ولا بأنه صراخ .
فإن قيل : فما
nindex.php?page=treesubj&link=31847السبب في كون الصيحة موجبة للموت ؟
قلنا : فيه وجوه : أحدها :
أن الصيحة العظيمة إنما تحدث عند سبب قوي يوجب تموج الهواء ، وذلك التموج الشديد ربما يتعدى إلى صماخ الإنسان ، فيمزق غشاء الدماغ فيورث الموت .
والثاني : أنها شيء مهيب ، فتحدث الهيبة العظيمة عند حدوثها ، والأعراض النفسانية إذا قويت أوجبت الموت .
الثالث : أن الصيحة
[ ص: 19 ] العظيمة إذا حدثت من السحاب فلا بد وأن يصحبه برق شديد محرق ، وذلك هو الصاعقة التي ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67فأصبحوا في ديارهم جاثمين )
nindex.php?page=treesubj&link=34080والجثوم هو السكون ، يقال للطير إذا باتت في أوكارها : إنها جثمت ، ثم إن العرب أطلقوا هذا اللفظ على ما لا يتحرك من الموت ، فوصف الله تعالى هؤلاء المهلكين بأنهم سكنوا عند الهلاك ، حتى كأنهم ما كانوا أحياء ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=68كأن لم يغنوا فيها ) أي كأنهم لم يوجدوا ، والمغنى : المقام الذي يقيم الحي به ، يقال : غني الرجل بمكان كذا إذا أقام به .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=68nindex.php?page=treesubj&link=31847ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود ) قرأ
حمزة وحفص عن
عاصم " ألا إن ثمود " غير منون في كل القرآن ، وقرأ الباقون (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=68ثمود ) بالتنوين ، و"لثمود" كلاهما بالصرف ، والصرف للذهاب إلى الحي ، أو إلى الأب الأكبر ، ومنعه للتعريف والتأنيث بمعنى القبيلة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=66فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=68كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=66فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=68كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ) .
اعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْآيَةِ قَدْ مَضَى فِي قِصَّةِ
عَادٍ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=66وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ) فِيهِ مَسَائِلُ :
[ ص: 18 ] الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28982الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=66وَمِنْ خِزْيِ ) وَاوُ الْعَطْفِ وَفِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : نَجَّيْنَا
صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا مِنَ الْعَذَابِ النَّازِلِ بِقَوْمِهِ ، وَمِنَ الْخِزْيِ الَّذِي لَزِمَهُمْ وَبَقِيَ الْعَارُ فِيهِ مَأْثُورًا عَنْهُمْ وَمَنْسُوبًا إِلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34080مَعْنَى الْخِزْيِ : الْعَيْبُ الَّذِي تَظْهَرُ فَضِيحَتُهُ وَيُسْتَحْيَا مِنْ مِثْلِهِ ، فَحُذِفَ مَا حُذِفَ اعْتِمَادًا عَلَى دَلَالَةِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ : نَجَّيْنَا
صَالِحًا بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28938_28921_28922قَرَأَ الْكِسَائِيُّ ، وَنَافِعٌ فِي رِوَايَةِ وَرْشٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=16810وَقَالُونَ ، وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنِ nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشِ " يَوْمَئِذٍ " بِفَتْحِ الْمِيمِ ، وَفِي الْمَعَارِجِ " عَذَابِ يَوْمَئِذٍ " [الْمَعَارِجِ : 11 ] وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِ الْمِيمِ فِيهِمَا ، فَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ فَعَلَى أَنَّ "يَوْمَ" مُضَافٌ إِلَى "إِذْ" ، وَأَنَّ "إِذْ" مَبْنِيٌّ ، وَالْمُضَافُ إِلَى الْمَبْنِيِّ يَجُوزُ جَعْلُهُ مَبْنِيًّا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَافَ يَكْتَسِبُ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ التَّعْرِيفَ وَالتَّنْكِيرَ ، فَكَذَا هَهُنَا ، وَأَمَّا الْكَسْرُ فِي "إِذْ" فَالسَّبَبُ أَنَّهُ يُضَافُ إِلَى الْجُمْلَةِ مِنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ ، تَقُولُ : جِئْتُكَ إِذِ الشَّمْسُ طَالِعَةٌ ، فَلَمَّا قُطِعَ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ نُوِّنَ ؛ لِيَدُلَّ التَّنْوِينُ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ كُسِرَتِ الذَّالُ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ التَّنْوِينِ ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْكَسْرِ فَعَلَى إِضَافَةِ الْخِزْيِ إِلَى الْيَوْمِ ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ إِضَافَتِهِ إِلَى الْمَبْنِيِّ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْخِزْيُ : الذُّلُّ الْعَظِيمُ حَتَّى يَبْلُغَ حَدَّ الْفَضِيحَةِ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي الْمُحَارِبِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=30539_30550_31847ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ) [الْمَائِدَةِ : 33 ] ، وَإِنَّمَا سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى ذَلِكَ الْعَذَابَ خِزْيًا ؛ لِأَنَّهُ فَضِيحَةٌ بَاقِيَةٌ يَعْتَبِرُ بِهَا أَمْثَالُهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=66إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) ، وَإِنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ أَوْصَلَ ذَلِكَ الْعَذَابَ إِلَى الْكَافِرِ ، وَصَانَ أَهْلَ الْإِيمَانِ عَنْهُ ، وَهَذَا التَّمْيِيزُ لَا يَصِحُّ إِلَّا مِنَ الْقَادِرِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى قَهْرِ طَبَائِعِ الْأَشْيَاءِ ، فَيَجْعَلُ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِنْسَانٍ بَلَاءً وَعَذَابًا ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى إِنْسَانٍ آخَرَ رَاحَةً وَرَيْحَانًا ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ ذَلِكَ الْأَمْرَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : إِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=34077قَالَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67وَأَخَذَ ) وَلَمْ يَقُلْ : أَخَذْتُ ؛ لِأَنَّ الصَّيْحَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّيَاحِ ، وَأَيْضًا فُصِلَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالِاسْمِ الْمُؤَنَّثِ بِفَاصِلٍ ، فَكَانَ الْفَاصِلُ كَالْعِوَضِ مِنْ تَاءِ التَّأْنِيثِ ، وَقَدْ سَبَقَ لَهَا نَظَائِرُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ذَكَرُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31847الصَّيْحَةِ وَجْهَيْنِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : الْمُرَادُ الصَّاعِقَةُ ، الثَّانِي : الصَّيْحَةُ صَيْحَةٌ عَظِيمَةٌ هَائِلَةٌ ، سَمِعُوهَا فَمَاتُوا أَجْمَعُ مِنْهَا ، فَأَصْبَحُوا وَهُمْ مَوْتَى جَاثِمِينَ فِي دُورِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ ، وَجُثُومُهُمْ سُقُوطُهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، يُقَالُ : إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ
جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَصِيحَ بِهِمْ تِلْكَ الصَّيْحَةَ الَّتِي مَاتُوا بِهَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَهَا ، وَالصِّيَاحُ لَا يَكُونُ إِلَّا الصَّوْتَ الْحَادِثَ فِي حَلْقٍ وَفَمٍ ، وَكَذَلِكَ الصُّرَاخُ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ خَلَقَهُ فِي حَلْقِ حَيَوَانٍ ، وَإِنْ كَانَ فِعْلَ
جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَدْ حَصَلَ فِي فَمِهِ وَحَلْقِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ صَوْتَ الرَّعْدِ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ صَيْحَةٍ ، وَلَا يُسَمَّى بِذَلِكَ ، وَلَا بِأَنَّهُ صُرَاخٌ .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا
nindex.php?page=treesubj&link=31847السَّبَبُ فِي كَوْنِ الصَّيْحَةِ مُوجِبَةً لِلْمَوْتِ ؟
قُلْنَا : فِيهِ وُجُوهٌ : أَحَدُهَا :
أَنَّ الصَّيْحَةَ الْعَظِيمَةَ إِنَّمَا تَحْدُثُ عِنْدَ سَبَبٍ قَوِيٍّ يُوجِبُ تَمَوُّجَ الْهَوَاءِ ، وَذَلِكَ التَّمَوُّجُ الشَّدِيدُ رُبَّمَا يَتَعَدَّى إِلَى صِمَاخِ الْإِنْسَانِ ، فَيُمَزِّقُ غِشَاءَ الدِّمَاغِ فَيُورِثُ الْمَوْتَ .
وَالثَّانِي : أَنَّهَا شَيْءٌ مَهِيبٌ ، فَتَحْدُثُ الْهَيْبَةُ الْعَظِيمَةُ عِنْدَ حُدُوثِهَا ، وَالْأَعْرَاضُ النَّفْسَانِيَّةُ إِذَا قَوِيَتْ أَوْجَبَتِ الْمَوْتَ .
الثَّالِثُ : أَنَّ الصَّيْحَةَ
[ ص: 19 ] الْعَظِيمَةَ إِذَا حَدَثَتْ مِنَ السَّحَابِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَصْحَبَهُ بَرْقٌ شَدِيدٌ مُحْرِقٌ ، وَذَلِكَ هُوَ الصَّاعِقَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ )
nindex.php?page=treesubj&link=34080وَالْجُثُومُ هُوَ السُّكُونُ ، يُقَالُ لِلطَّيْرِ إِذَا بَاتَتْ فِي أَوْكَارِهَا : إِنَّهَا جَثَمَتْ ، ثُمَّ إِنَّ الْعَرَبَ أَطْلَقُوا هَذَا اللَّفْظَ عَلَى مَا لَا يَتَحَرَّكُ مِنَ الْمَوْتِ ، فَوَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى هَؤُلَاءِ الْمُهْلَكِينَ بِأَنَّهُمْ سَكَنُوا عِنْدَ الْهَلَاكِ ، حَتَّى كَأَنَّهُمْ مَا كَانُوا أَحْيَاءً ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=68كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ) أَيْ كَأَنَّهُمْ لَمْ يُوجَدُوا ، وَالْمَغْنَى : الْمُقَامُ الَّذِي يُقِيمُ الْحَيُّ بِهِ ، يُقَالُ : غَنِيَ الرَّجُلُ بِمَكَانِ كَذَا إِذَا أَقَامَ بِهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=68nindex.php?page=treesubj&link=31847أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ) قَرَأَ
حَمْزَةُ وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ " أَلَا إِنَّ ثَمُودَ " غَيْرَ مُنَوَّنٍ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=68ثَمُودَ ) بِالتَّنْوِينِ ، وَ"لِثَمُودٍ" كِلَاهُمَا بِالصَّرْفِ ، وَالصَّرْفُ لِلذَّهَابِ إِلَى الْحَيِّ ، أَوْ إِلَى الْأَبِ الْأَكْبَرِ ، وَمَنْعُهُ لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّأْنِيثِ بِمَعْنَى الْقَبِيلَةِ .