(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=102فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=103ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=104تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=105ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون )
[ ص: 106 ]
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=102فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=103ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=104تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=105ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون )
اعلم أنه سبحانه لما قال: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) ذكر أحوال ذلك اليوم فقال: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101فإذا نفخ في الصور ) وفيه ثلاثة أقوال، أحدها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=30293الصور آلة إذا نفخ فيها يظهر صوت عظيم، جعله الله تعالى علامة لخراب الدنيا ولإعادة الأموات، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرن ينفخ فيه. وثانيها: أن المراد من الصور مجموع الصور، والمعنى : فإذا نفخ في الصور أرواحها. وهو قول
الحسن ، فكان يقرأ بفتح الواو, والفتح والكسر عن
أبي رزين ، وهو حجة لمن فسر الصور بجمع صورة. وثالثها: أن النفخ في الصور استعارة , والمراد منه البعث والحشر، والأول أولى للخبر. وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68ثم نفخ فيه أخرى ) [الزمر: 68] دلالة على أنه ليس المراد نفخ الروح والإحياء; لأن ذلك لا يتكرر.
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) فمن المعلوم أنه سبحانه إذا أعادهم فالأنساب ثابتة; لأن المعاد هو الولد والوالد، فلا يجوز أن يكون المراد نفي النسب في الحقيقة بل المراد نفي حكمه، وذلك من وجوه.
أحدها: أن من حق النسب أن يقع به التعاطف والتراحم كما يقال في الدنيا: أسألك بالله والرحم أن تفعل كذا. فنفى سبحانه ذلك من حيث إن كل أحد من أهل النار يكون مشغولا بنفسه، وذلك يمنعه من الالتفات إلى النسب، وهكذا الحال في الدنيا; لأن الرجل متى وقع في الأمر العظيم من الآلام ينسى ولده ووالده.
وثانيها: أن من حق النسب أن يحصل به التفاخر في الدنيا، وأن يسأل بعضهم عن كيفية نسب البعض، وفي الآخرة لا يتفرغون لذلك.
وثالثها: أن يجعل ذلك استعارة عن الخوف الشديد فكل امرئ مشغول بنفسه عن بنيه وأخيه وفصيلته التي تؤويه ، فكيف بسائر الأمور؟! قال
ابن مسعود رضي الله عنه : يؤخذ العبد والأمة يوم القيامة على رءوس الأشهاد، وينادي مناد : ألا إن هذا فلان ، فمن له عليه حق فليأت إلى حقه, فتفرح المرأة حينئذ أن يثبت لها حق على أمها أو أختها أو أبيها أو أخيها أو ابنها أو زوجها (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) .
وعن
قتادة : لا شيء أبغض إلى الإنسان يوم القيامة من أن يرى من يعرفه مخافة أن يثبت له عليه شيء ، ثم تلا (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=34يوم يفر المرء من أخيه nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=35وأمه وأبيه ) [عبس: 34] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي قال: قالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها:
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013310يا رسول الله، أما نتعارف يوم القيامة، أسمع الله تعالى يقول: ( nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) فقال عليه الصلاة والسلام: " nindex.php?page=treesubj&link=30296_30339ثلاث مواطن تذهل فيها كل نفس : حين يرمى إلى كل إنسان كتابه، وعند الموازين، وعلى جسر جهنم " وطعن بعض الملحدة فقال: قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101ولا يتساءلون ) وقوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=10ولا يسأل حميم حميما ) [المعارج: 10] يناقض قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=27وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) [الصافات: 27] وقوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=45يتعارفون بينهم ) [يونس: 45]. الجواب عنه من وجوه.
أحدها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=30298يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة ففيه أزمنة وأحوال مختلفة فيتعارفون ويتساءلون في بعضها، ويتحيرون في بعضها لشدة الفزع.
وثانيها: أنه إذا نفخ في الصور نفخة واحدة شغلوا بأنفسهم عن التساؤل، فإذا نفخ فيه أخرى أقبل بعضهم على بعض وقالوا: (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52ياويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن ) [يس: 52].
وثالثها: المراد : لا يتساءلون بحقوق النسب.
ورابعها: أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=66لا يتساءلون ) صفة للكفار وذلك لشدة خوفهم.
[ ص: 107 ]
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=50فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) [الصافات: 50] فهو
nindex.php?page=treesubj&link=30395صفة أهل الجنة إذا دخلوها، واعلم أنه سبحانه قد بين أن بعد النفخ في الصور تكون المحاسبة، وشرح أحوال السعداء والأشقياء، وقيل: لما بين سبحانه أنه ليس في الآخرة إلا ثقل الموازين وخفتها، وجب أن يكون كل مكلف لا بد وأن يكون من أهل الجنة وأهل الفلاح أو من أهل النار ، فيبطل بذلك القول بأن فيهم من لا يستحق الثواب والعقاب أو من يتساوى له الثواب والعقاب. ثم إنه سبحانه شرح حال السعداء بقوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=102فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ) وفي الموازين أقوال.
أحدها: أنه استعارة من العدل.
وثانيها: أن
nindex.php?page=treesubj&link=30358الموازين هي الأعمال الحسنة فمن أتى بما له قدر وخطر فهو الفائز الظافر، ومن أتى بما لا وزن له كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ) [النور: 39] فهو خالد في جهنم.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: الموازين جمع موزون وهي الموزونات من الأعمال، أي: الصالحات التي لها وزن وقدر عند الله تعالى ، من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=105فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) [الكهف: 105] أي قدرا.
وثالثها: أنه ميزان له لسان وكفتان يوزن فيه الحسنات في أحسن صورة، والسيئات في أقبح صورة، فمن ثقلت حسناته سيق إلى الجنة ومن ثقلت سيئاته فإلى النار، وتمام الكلام في هذا الباب قد تقدم في سورة الأنبياء عليهم السلام. وأما الأشقياء فقد وصفهم الله تعالى بأمور أربعة:
أحدها: أنهم خسروا أنفسهم، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: غبنوها بأن صارت منازلهم للمؤمنين، وقيل: امتنع انتفاعهم بأنفسهم لكونهم في العذاب.
وثانيها: قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=103في جهنم خالدون ) ودلالته على
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30443خلود الكفار في النار بينة. قال صاحب "الكشاف": "في جهنم خالدون" بدل من " خسروا أنفسهم " أو خبر بعد خبر لأولئك أو خبر مبتدأ محذوف.
وثالثها قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=104تلفح وجوههم النار ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: أي تضرب وتأكل لحومهم وجلودهم، قال
الزجاج : اللفح والنفخ واحد إلا أن اللفح أشد تأثيرا.
ورابعها قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=104وهم فيها كالحون ) والكلوح أن تتقلص الشفتان ويتباعدا عن الأسنان، كما ترى الرءوس المشوية، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013311تشويه النار فتتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته "، وقرئ "كلحون"، ثم إنه سبحانه لما شرح عذابهم، حكى ما يقال لهم عند ذلك تقريعا وتوبيخا، وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=105ألم تكن آياتي تتلى عليكم ) ثم إنكم كنتم تكذبون بها مع وضوحها، فلا جرم صرتم مستحقين لما أنتم فيه من العذاب الأليم. قالت
المعتزلة : الآية تدل على أنهم إنما وقعوا في ذلك العذاب لسوء أفعالهم، ولو كان فعل العباد بخلق الله تعالى لما صح ذلك. والجواب: أن القادر على الطاعة والمعصية إن صدرت المعصية عنه لا لمرجح البتة كان صدورها عنه اتفاقيا لا اختياريا، فوجب أن لا يستحق العقاب، وإن كان لمرجح، فذاك المرجح ليس من فعله وإلا لزم التسلسل، فحينئذ يكون صدور تلك الطاعة عنه اضطراريا لا اختياريا، فوجب أن لا يستحق الثواب.
(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=102فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=103وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=104تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=105أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ )
[ ص: 106 ]
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=102فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=103وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=104تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=105أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ )
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا قَالَ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=100وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ذَكَرَ أَحْوَالَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَالَ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ ) وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30293الصُّورَ آلَةٌ إِذَا نُفِخَ فِيهَا يَظْهَرُ صَوْتٌ عَظِيمٌ، جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَامَةً لِخَرَابِ الدُّنْيَا وَلِإِعَادَةِ الْأَمْوَاتِ، رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الصُّورِ مَجْمُوعُ الصُّوَرِ، وَالْمَعْنَى : فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّوَرِ أَرْوَاحُهَا. وَهُوَ قَوْلُ
الْحَسَنِ ، فَكَانَ يَقْرَأُ بِفَتْحِ الْوَاوِ, وَالْفَتْحُ وَالْكَسْرُ عَنْ
أَبِي رَزِينٍ ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ فَسَّرَ الصُّورَ بِجَمْعِ صُورَةٍ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ النَّفْخَ فِي الصُّورِ اسْتِعَارَةٌ , وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْبَعْثُ وَالْحَشْرُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِلْخَبَرِ. وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى ) [الزُّمَرِ: 68] دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْخَ الرُّوحِ وَالْإِحْيَاءِ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَكَرَّرُ.
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ) فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا أَعَادَهُمْ فَالْأَنْسَابُ ثَابِتَةٌ; لِأَنَّ الْمُعَادَ هُوَ الْوَلَدُ وَالْوَالِدُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفْيَ النَّسَبِ فِي الْحَقِيقَةِ بَلِ الْمُرَادُ نَفْيُ حُكْمِهِ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ مِنْ حَقِّ النَّسَبِ أَنْ يَقَعَ بِهِ التَّعَاطُفُ وَالتَّرَاحُمُ كَمَا يُقَالُ فِي الدُّنْيَا: أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا. فَنَفَى سُبْحَانَهُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَكُونُ مَشْغُولًا بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنَ الِالْتِفَاتِ إِلَى النَّسَبِ، وَهَكَذَا الْحَالُ فِي الدُّنْيَا; لِأَنَّ الرَّجُلَ مَتَى وَقَعَ فِي الْأَمْرِ الْعَظِيمِ مِنَ الْآلَامِ يَنْسَى وَلَدَهُ وَوَالِدَهُ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ مِنْ حَقِّ النَّسَبِ أَنْ يَحْصُلَ بِهِ التَّفَاخُرُ فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يَسْأَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ كَيْفِيَّةِ نَسَبِ الْبَعْضِ، وَفِي الْآخِرَةِ لَا يَتَفَرَّغُونَ لِذَلِكَ.
وَثَالِثُهَا: أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ اسْتِعَارَةً عَنِ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ فَكُلُّ امْرِئٍ مَشْغُولٌ بِنَفْسِهِ عَنْ بَنِيهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ، فَكَيْفَ بِسَائِرِ الْأُمُورِ؟! قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يُؤْخَذُ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، وَيُنَادِي مُنَادٍ : أَلَا إِنَّ هَذَا فُلَانٌ ، فَمَنْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلْيَأْتِ إِلَى حَقِّهِ, فَتَفْرَحُ الْمَرْأَةُ حِينَئِذٍ أَنْ يَثْبُتَ لَهَا حَقٌّ عَلَى أُمِّهَا أَوْ أُخْتِهَا أَوْ أَبِيهَا أَوْ أَخِيهَا أَوِ ابْنِهَا أَوْ زَوْجِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ) .
وَعَنْ
قَتَادَةَ : لَا شَيْءَ أَبْغَضُ إِلَى الْإِنْسَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَنْ يَرَى مَنْ يَعْرِفُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ تَلَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=34يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=35وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ) [عَبَسَ: 34] وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013310يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا نَتَعَارَفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَسْمَعُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ( nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ) فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " nindex.php?page=treesubj&link=30296_30339ثَلَاثُ مَوَاطِنَ تَذْهَلُ فِيهَا كُلُّ نَفْسٍ : حِينَ يُرْمَى إِلَى كُلِّ إِنْسَانٍ كِتَابُهُ، وَعِنْدَ الْمَوَازِينِ، وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ " وَطَعَنَ بَعْضُ الْمُلْحِدَةِ فَقَالَ: قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=101وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ) وَقَوْلُهُ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=10وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ) [الْمَعَارِجِ: 10] يُنَاقِضُ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=27وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ) [الصَّافَّاتِ: 27] وَقَوْلَهُ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=45يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ) [يُونُسَ: 45]. الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30298يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِقْدَارَهُ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ فَفِيهِ أَزْمِنَةٌ وَأَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ فَيَتَعَارَفُونَ وَيَتَسَاءَلُونَ فِي بَعْضِهَا، وَيَتَحَيَّرُونَ فِي بَعْضِهَا لِشِدَّةِ الْفَزَعِ.
وَثَانِيهَا: أَنَّهُ إِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ شُغِلُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنِ التَّسَاؤُلِ، فَإِذَا نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَالُوا: (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=52يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ ) [يس: 52].
وَثَالِثُهَا: الْمُرَادُ : لَا يَتَسَاءَلُونَ بِحُقُوقِ النَّسَبِ.
وَرَابِعُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=66لَا يَتَسَاءَلُونَ ) صِفَةٌ لِلْكُفَّارِ وَذَلِكَ لِشِدَّةِ خَوْفِهِمْ.
[ ص: 107 ]
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=50فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ) [الصَّافَّاتِ: 50] فَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=30395صِفَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ بَعْدَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ تَكُونُ الْمُحَاسَبَةُ، وَشَرْحُ أَحْوَالِ السُّعَدَاءِ وَالْأَشْقِيَاءِ، وَقِيلَ: لَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا ثِقَلُ الْمَوَازِينِ وَخِفَّتُهَا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُكَلَّفٍ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ الْفَلَاحِ أَوْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَيَبْطُلُ بِذَلِكَ الْقَوْلُ بِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ أَوْ مَنْ يَتَسَاوَى لَهُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ. ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ شَرَحَ حَالَ السُّعَدَاءِ بِقَوْلِهِ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=102فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) وَفِي الْمَوَازِينِ أَقْوَالٌ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ مِنَ الْعَدْلِ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30358الْمَوَازِينَ هِيَ الْأَعْمَالُ الْحَسَنَةُ فَمَنْ أَتَى بِمَا لَهُ قَدْرٌ وَخَطَرٌ فَهُوَ الْفَائِزُ الظَّافِرُ، وَمَنْ أَتَى بِمَا لَا وَزْنَ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ) [النُّورِ: 39] فَهُوَ خَالِدٌ فِي جَهَنَّمَ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْمَوَازِينُ جَمْعُ مَوْزُونٍ وَهِيَ الْمَوْزُونَاتُ مِنَ الْأَعْمَالِ، أَيِ: الصَّالِحَاتِ الَّتِي لَهَا وَزْنٌ وَقَدْرٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=105فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ) [الْكَهْفِ: 105] أَيْ قَدْرًا.
وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ مِيزَانٌ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ يُوزَنُ فِيهِ الْحَسَنَاتُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَالسَّيِّئَاتُ فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ، فَمَنْ ثَقُلَتْ حَسَنَاتُهُ سِيقَ إِلَى الْجَنَّةِ وَمَنْ ثَقُلَتْ سَيِّئَاتُهُ فَإِلَى النَّارِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَأَمَّا الْأَشْقِيَاءُ فَقَدْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأُمُورٍ أَرْبَعَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: غُبِنُوهَا بِأَنْ صَارَتْ مَنَازِلُهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ: امْتَنَعَ انْتِفَاعُهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ لِكَوْنِهِمْ فِي الْعَذَابِ.
وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=103فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ) وَدَلَالَتُهُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30539_30443خُلُودِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ بَيِّنَةٌ. قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ": "فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ" بَدَلٌ مِنْ " خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ " أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ لِأُولَئِكَ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.
وَثَالِثُهَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=104تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَيْ تَضْرِبُ وَتَأْكُلُ لُحُومَهُمْ وَجُلُودَهُمْ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : اللَّفْحُ وَالنَّفْخُ وَاحِدٌ إِلَّا أَنَّ اللَّفْحَ أَشَدُّ تَأْثِيرًا.
وَرَابِعُهَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=104وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ) وَالْكُلُوحُ أَنْ تَتَقَلَّصَ الشَّفَتَانِ وَيَتَبَاعَدَا عَنِ الْأَسْنَانِ، كَمَا تَرَى الرُّءُوسَ الْمَشْوِيَّةَ، وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013311تَشْوِيهِ النَّارُ فَتَتَقَلَّصُ شَفَتُهُ الْعُلْيَا حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ، وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ السُّفْلَى حَتَّى تَبْلُغَ سُرَّتَهُ "، وَقُرِئَ "كَلِحُونَ"، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا شَرَحَ عَذَابَهَمْ، حَكَى مَا يُقَالُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=105أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ ) ثُمَّ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِهَا مَعَ وُضُوحِهَا، فَلَا جَرَمَ صِرْتُمْ مُسْتَحِقِّينَ لِمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ. قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا وَقَعُوا فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ لِسُوءِ أَفْعَالِهِمْ، وَلَوْ كَانَ فِعْلُ الْعِبَادِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَمَا صَحَّ ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ إِنْ صَدَرَتِ الْمَعْصِيَةُ عَنْهُ لَا لِمُرَجِّحٍ الْبَتَّةَ كَانَ صُدُورُهَا عَنْهُ اتِّفَاقِيًّا لَا اخْتِيَارِيًّا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ الْعِقَابَ، وَإِنْ كَانَ لِمُرَجِّحٍ، فَذَاكَ الْمُرَجِّحُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ صُدُورُ تِلْكَ الطَّاعَةِ عَنْهُ اضْطِرَارِيًّا لَا اخْتِيَارِيًّا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ الثَّوَابَ.