الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله تعالى : ( ويحفظوا فروجهم ) فالمراد به عما لا يحل ، وعن أبي العالية أنه قال : كل ما في القرآن من قوله : ( ويحفظوا فروجهم ) ، ويحفظن فروجهن ، من الزنا إلا التي في النور : ( من أبصارهن ويحفظن فروجهن ) أن لا ينظر إليها أحد ، وهذا ضعيف لأنه تخصيص من غير دلالة .

                                                                                                                                                                                                                                            والذي يقتضيه الظاهر أن يكون المعنى حفظها عن سائر ما حرم الله عليه من الزنا والمس والنظر ، وعلى أنه إن كان المراد حظر النظر فالمس والوطء أيضا مرادان بالآية ، إذ هما أغلظ من النظر ، فلو نص الله تعالى على النظر لكان في مفهوم الخطاب ما يوجب حظر الوطء والمس ، كما أن قوله تعالى : ( فلا تقل لهما أف ) [ الإسراء : 23 ] اقتضى حظر ما فوق ذلك من السب والضرب .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( ذلك أزكى لهم ) [ النور : 30 ] أي تمسكهم بذلك أزكى لهم وأطهر ، لأنه من باب ما يزكون به ويستحقون الثناء والمدح ، ويمكن أن يقال إنه تعالى خص في الخطاب المؤمنين لما أراده من تزكيتهم بذلك ، ولا يليق ذلك بالكافر .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ) فالقول فيه على ما تقدم ، فإن قيل فلم قدم غض الأبصار على حفظ الفروج ، قلنا لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور والبلوى فيه أشد وأكثر ، ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) فمن الأحكام التي تختص بها النساء في الأغلب ، وإنما قلنا في الأغلب لأنه محرم على الرجل أن يبدي زينته حليا ولباسا إلى غير ذلك للنساء الأجنبيات ، لما فيه من الفتنة وهاهنا مسائل : [ ص: 179 ] المسألة الأولى : اختلفوا في المراد بزينتهن ، واعلم أن الزينة اسم يقع على محاسن الخلق التي خلقها الله تعالى وعلى سائر ما يتزين به الإنسان من فضل لباس أو حلي وغير ذلك ، وأنكر بعضهم وقوع اسم الزينة على الخلقة ، لأنه لا يكاد يقال في الخلقة إنها من زينتها . وإنما يقال ذلك فيما تكتسبه من كحل وخضاب وغيره ، والأقرب أن الخلقة داخلة في الزينة ، ويدل عليها وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن الكثير من النساء ينفردن بخلقتهن عن سائر ما يعد زينة ، فإذا حملناه على الخلقة وفينا العموم حقه ، ولا يمنع دخول ما عدا الخلقة فيه أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن قوله : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) يدل على أن المراد بالزينة ما يعم الخلقة وغيرها فكأنه تعالى منعهن من إظهار محاسن خلقتهن بأن أوجب سترها بالخمار ، وأما الذين قالوا الزينة عبارة عما سوى الخلقة فقد حصروه في أمور ثلاثة :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : الأصباغ كالكحل والخضاب بالوسمة في حاجبيها والغمرة في خديها والحناء في كفيها وقدميها .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : الحلى كالخاتم والسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : الثياب قال الله تعالى : ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) [ الأعراف : 31 ] وأراد الثياب .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية