الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وصلواته على محمد خير خلقه وعلى آله وصحبه ) .

                                      التالي السابق


                                      " الشرح " أصل الصلاة في اللغة الدعاء ، هذا قول جمهور العلماء من أهل اللغة وغيرهم ، وقال الزجاج أصلها اللزوم ، قال الأزهري وآخرون : الصلاة من الله تعالى الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن الآدمي تضرع ودعاء ، وأما تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدا فقال أهل اللغة : رجل محمد ومحمود إذا كثرت خصاله المحمودة . قال أبو الحسين أحمد بن فارس في كتابه ( المجمل ) : وبذلك سمي رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدا يعني ألهم الله تعالى أهله تسميته به ، لما علم من خصاله [ ص: 119 ] المحمودة ، وأنشد أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري في صحاحه وغيره :

                                      إليك أبيت اللعن كان كلالها إلى الماجد القرم الجواد المحمد

                                      ( القرم بفتح القاف : السيد وقوله : خير خلقه ) كذا قاله الإمام الشافعي والعلماء : أنه صلى الله عليه وسلم خير الخلق كلهم من الملائكة والآدميين .

                                      فإن قيل : كيف قلتم بالتفضيل وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله : صلى الله عليه وسلم { لا تفضلوا بين الأنبياء } وفي الحديث الآخر : { لا تفضلوني على يونس } ؟ فالجواب من أوجه .

                                      ( أحدها ) : أن النهي عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص بعضهم ، فإن ذلك كفر بلا خلاف ( الثاني ) : أنه صلى الله عليه وسلم { نهى قبل أن يعلم أنه خير الخلق فلما علم قال : أنا سيد ولد آدم } .

                                      ( الثالث ) : نهى تأدبا وتواضعا .

                                      ( الرابع ) : نهى لئلا يؤدي إلى الخصومة كما ثبت في الصحيح في سبب ذلك .

                                      ( الخامس ) : نهى عن التفضيل في نفس النبوة لا في ذوات الأنبياء . ولا تتفاوت النبوة وإنما التفاوت بالخصائص ، وقد قال الله تعالى : { فضلنا بعضهم على بعض ، منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات } . وأما قوله : ( وعلى آله ) فهو صحيح موجود في الكلام الفصيح ، واستعمله العلماء من جميع الطوائف . وذكر أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي في أول كتابه ( الاقتضاب في شرح أدب الكتاب ) أن : أبا جعفر النحاس وأبا بكر الزبيدي قالا : لا يجوز إضافة آل إلى مضمر ، فلا يقال : صلى الله على محمد وآله ، وإنما يقال : وأهله أو وآل محمد قال : وهذا مذهب الكسائي وهو أول من قاله ، وليس قوله وقولهما بصحيح ; لأنه لا قياس يعضده ولا سماع يؤيده .

                                      قال : وقد ذكر أبو علي البغدادي أنه يقال : وآله في قلة .

                                      وذكر المبرد في الكامل حكاية فيها إضافة آل إلى مضمر ، ثم أنشد أبياتا كثيرة للعرب في إضافة آل إلى مضمر منها قول عبد المطلب : [ ص: 120 ]

                                      اللهم إن المرء يحمي رحله فامنع رحالك
                                      وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك

                                      يعني قريشا ، وكانت العرب تسميهم آل الله لكونهم أهل البيت .

                                      ، واختلف العلماء من أهل اللغة والفقهاء في آل النبي صلى الله عليه وسلم على أقوال ( أحدها ) وهو نص الشافعي وجمهور أصحابنا : أنهم بنو هاشم وبنو المطلب ( والثاني ) : عترته المنسوبون إليه .

                                      ( والثالث ) : أهل دينه كلهم وأتباعه إلى يوم القيامة .

                                      قال الأزهري : هذا القول أقربها إلى الصواب واختاره أيضا غيره ، وأما صحابته صلى الله عليه وسلم ففيهم مذهبان .

                                      ( أحدهما ) وهو الصحيح وقول المحدثين : إن الصحابي كل مسلم رآه صلى الله عليه وسلم وبهذا قطع البخاري في صحيحه ، وسواء جالسه أم لا ( والثاني ) واختاره جماعة من أهل الأصول : هو من طالت صحبته ومجالسته على طريق التبع ، وأما قول الفقهاء : قال أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة وأصحابنا : فمجاز مستفيض للموافقة بينهم وشدة ارتباط بعضهم ببعض كالصاحب حقيقة ، ويجمع صاحب على صحب كراكب وركب ، وصحاب كجائع وجياع ، وصحبة بالضم كفاره وفرهة وصحبان كشاب وشبان . والأصحاب جمع صحب كفرخ وأفراخ والصحابة والأصحاب ، وجمع الأصحاب أصاحيب وقولهم في النداء " صاح " معناه صاحبي هكذا سمع من العرب مرخما ، وصحبته بكسر الحاء أصحبه - بفتحها - صحبة بضم الصاد وصحابة بالفتح . وإنما ثنى المصنف - رحمه الله - بعد حمد الله تعالى بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : { ورفعنا لك ذكرك } قال الشافعي في الرسالة ومواضع أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : معناه لا أذكر إلا ذكرت معي : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، وروينا هذا التفسير في كتاب الأربعين للرهاوي ، عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم




                                      الخدمات العلمية