الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ويجزئ في بول الصبي الذي لم يطعم الطعام - النضح ، وهو أن يبله بالماء ، وإن لم ينزل عنه ، ولا يجزي في بول الصبية إلا الغسل ; لما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بول الرضيع : { يغسل من بول الجارية ، وينضح من الغلام } ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : في بول الصبي والصبية اللذين لم يأكلا غير اللبن من الطعام للتغذي ثلاثة أوجه الصحيح أنه يجب غسل بول الجارية ويجزئ النضح في [ ص: 608 ] بول الصبي ( والثاني ) : يكفي النضح فيهما حكاه الخراسانيون ( والثالث ) : يجب الغسل فيهما حكاه المتولي وهذان الوجهان ضعيفان والمذهب الأول ، وبه قطع المصنف والجمهور .

                                      قال البغوي : وبول الخنثى كبول الأنثى من أي فرجيه خرج ، ويشترط في النضح إصابة الماء جميع موضع البول ، وأن يغمره ولا يشترط أن ينزل عنه ، والغسل أن يغمره وينزل عنه .

                                      هذه عبارة الشيخ أبي حامد والجمهور ، وشرحها إمام الحرمين فقال : النضح أن يغمره ويكاثره بالماء مكاثرة لا يبلغ جريانه وتردده وتقطره بخلاف الغسل فإنه يشترط فيه جريان بعض الماء وتقاطره ، وإن لم يشترط عصره ، قال الرافعي وغيره : لا يراد .

                                      الماء ثلاث درجات : ( الأولى ) : النضح المجرد .

                                      ( الثانية ) : مع الغلبة والمكاثرة ، ( والثالثة ) : أن يضم إلى ذلك السيلان ، فلا تجب الثالثة قطعا ، وتجب الثانية على أصح الوجهين .

                                      والثاني يكفي الأول .

                                      وأما حديث علي رضي الله عنه فحديث حسن ، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم أبو عبد الله في المستدرك .

                                      قال الترمذي : حديث حسن ، ذكره في كتاب الصلاة .

                                      وقال الحاكم حديث صحيح .

                                      قال : وله شاهدان صحيحان فرواه بلفظه أو بمعناه من رواية لبابة بنت الحارث زوجة العباس .

                                      ومن رواية أبي السمح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواهما أيضا أبو داود وغيره قال البخاري : حديث أبي السمح هذا حديث حسن وثبت في صحيحي البخاري ومسلم " عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها { أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها صغير لم يأكل الطعام ، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال عليه ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه عليه ولم يغسله } وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ، فأتي بصبي فبال عليه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله } وذكر أصحابنا في الفرق بين بول الصبي والصبية من حيث المعنى فرقين ، أحدهما : أن بولها أثخن وألصق بالمحل .

                                      والثاني : أن الاعتناء بالصبي أكثر فإنه يحمله الرجال والنساء في العادة ، والصبية لا يحملها إلا النساء غالبا ، فالابتلاء بالصبي أكثر وأعم والله أعلم .

                                      [ ص: 609 ] هذا كلام الأصحاب في المسألة ، وأما الشافعي فقال في مختصر المزني : يجزئ في بول الغلام الرش ، واستدل بالسنة ثم قال : ولا يبين لي فرق بينه وبين الصبية .

                                      ونقل صاحب جمع الجوامع في نصوص الشافعي أن الشافعي نص على جواز الرش على بول الصبي ما لم يأكل ، واحتج بالحديث ثم قال : ولا يبين لي في بول الصبي والجارية - فرق من السنة الثابتة ، ولو غسل بول الجارية كان أحب إلي احتياطا ، وإن رش عليه ما لم تأكل الطعام أجزأ إن شاء الله - تعالى .

                                      ولم يذكر عن الشافعي غير هذا ، وقال البيهقي : كأن أحاديث الفرق بين بول الصبي والصبية لم تثبت عند الشافعي ، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح إنكارا على الغزالي رحمهما الله في قوله : " ومنهم من قاس الصبية على الصبي ، وهو غلط لمخالفته النص " قال : قوله هذا غير مرضي من وجهين : ( أحدهما ) : كونه جعله وجها لبعض الأصحاب مع أنه القول المنصوص للشافعي كما ذكرناه .

                                      ( والثاني ) : جعله إياه غلطا ، وهو يرتفع عن ذلك ارتفاعا ظاهرا فإنه المنصوص ، ثم ذكر النص الذي قدمناه ، ثم قال : الفرق بينهما حينئذ كأنه قول مخرج لا منصوص ، ومع هذا لا يذكر كثير من ، المصنفين غيره قال : ولا يقوى ما يذكر من الفرق من جهة المعنى قال : وذكر القاضي حسين نص الشافعي أنه لا يبين لي فرق بينهما ثم قال : وأصحابنا يجعلون في بول الصبية قولين : ( أقيسهما ) : أنه كبول الصبي ( والثاني ) : يجب غسله .

                                      قال أبو عمرو : ومع ما ذكرناه من رجحان التسوية من حيث نص الشافعي فالصحيح الفرق لورود الحديث من وجوه تعاضدت بحيث قامت الحجة به .

                                      ( فرع ) : في مذاهب العلماء في ذلك مذهبنا المشهور أنه يجب غسل بول الجارية .

                                      ويكفي نضح بول الغلام ، وبه قال علي بن أبي طالب وأم سلمة والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وداود ، وقال مالك وأبو حنيفة والثوري : يشترط غسل بول الغلام والجارية ، وقال النخعي : يكفي نضحهما جميعا ، وهو رواية عن الأوزاعي .




                                      الخدمات العلمية