الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( فأما إذا أدرك جزءا من أول الوقت ، ثم طرأ العذر بأن كان عاقلا في الوقت فجن ، أو طاهرا فحاضت ، نظرت فإن لم يدرك ما يسع فرض الوقت سقط الوجوب ولم يلزمه القضاء وقال أبو يحيى البلخي حكمه حكم آخر [ ص: 71 ] الوقت فيلزمه في أحد القولين بركعة وفي الثاني بتكبيرة . والمذهب الأول لأنه لم يتمكن من فعل الفرض فسقط وجوبه [ كما لو هلك النصاب بعد الحول وقبل التمكن من الأداء ] ويخالف آخر الوقت ، فإنه يمكنه أن يبني ما بقي على ما أدرك بعد [ خروج ] الوقت فيلزمه ، وإن أدرك من الوقت ما يسع للفرض ثم طرأ الجنون أو الحيض استقر الوجوب ولزمه القضاء إذا زال العذر وحكي عن أبي العباس أنه قال : لا يستقر حتى يدرك آخر الوقت ، والمذهب الأول ; لأنه وجب عليه وتمكن من أدائه فأشبه إذا وجبت الزكاة وتمكن من أدائها فلم يخرج حتى هلك المال ، وأما الصلاة التي بعدها [ فإنها لا ] تلزمه وقال أبو يحيى البلخي تلزمه العصر بإدراك وقت الظهر وتلزمه العشاء بإدراك وقت المغرب كعكسه [ لأن وقت الأولى وقت الثانية في حال الجمع فإذا لزمته الأولى وقت الثانية لزمته الثانية وقت الأولى في حال الجمع فإذا لزمته الأولى بإدراك وقت الثانية لزمته الثانية بإدراك وقت الأولى ] والمذهب الأول ; لأن وقت الأولى وقت الثانية على سبيل التبع ، ولهذا لا يجوز فعل الثانية في الجمع حتى يقدم الأولى بخلاف وقت الثانية فإنه وقت للأولى لا على وجه التبع ولهذا يجوز فعلها قبل الأولى ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) إذا طرأ العذر الذي يمكن طرآنه وهو الجنون والإغماء والحيض والنفاس ، فإن كان الماضي من الوقت دون قدر الفرض فطريقان ، المذهب الصحيح وبه قطع الجمهور لا يجب شيء ولا يجب القضاء . وقال أبو يحيى البلخي وغيره من أصحابنا : حكم أول الوقت حكم آخره فيجب القضاء بإدراك ركعة في قول وتكبيرة في قول ، وغلطه الأصحاب بما ذكره المصنف وإن كان قد مضى من الوقت قبل وجود العذر وما يسع تلك الصلاة وجب قضاء تلك الصلاة على الصحيح المنصوص ، وبه قطع الأكثرون ، وخرج ابن سريج قولا أنه لا يجب القضاء إلا إذا أدرك جميع الوقت ، خرجه من المسافر إذا سافر في أثناء الوقت ، نص على أن له القصر ، ولو كانت تجب بأول الوقت لم يقصر الوجوب ، وقد سبق الجواب عن مسألة القصر قريبا في مسألة وجوب الصلاة بأول الوقت ، فعلى المذهب المعتبر أخف ما يمكن من الصلاة حتى لو دخلت في الصلاة في أول الوقت وطولتها فحاضت فيها - وقد مضى من الوقت ما يسعها لو خففتها لزمها القضاء لأنها فوتتها مع التمكن . ولو كان الرجل مسافرا فطرأ جنون أو إغماء أو كانت مسافرة فطرأ [ ص: 72 ] الحيض بعد ما مضى من وقت الصلاة المقصورة ما يسع ركعتين وجب قضاؤها ، لأنه لو قصرها لأمكنه أداؤها ، هكذا صرح به الأصحاب ، منهم الشيخ أبو محمد الجويني في التبصرة ، وهل يشترط مع إمكان فعلها وإمكان الطهارة ؟ فيه طريقان ( أحدهما ) لا ، لإمكان تقديمها قبل الوقت إلا إذا لم يجز تقديم طهارة صاحب الواقعة كالمتيمم والمستحاضة ( والثاني ) في اشتراطه لمن يمكنه تقديمها الخلاف الذي في آخر الوقت ، لأنه وإن أمكن التقديم لا يجب ، وإذا أوجبنا الظهر أو المغرب بإدراك أول وقتها لم تجب العصر والعشاء على المذهب ، وأوجبهما البلخي إذا أدرك من أول الظهر ثماني ركعات ، ومن أول المغرب سبع ركعات ، هكذا نقله عنه الأصحاب ، وأخل المصنف ببيان اشتراط ثماني ركعات ، واتفق الأصحاب على تغليط أبي يحيى البلخي في هذا لأن وقت الظهر لا يصلح للعصر إلا إذا صليت الظهر جمعا والله أعلم .

                                      واعلم أن الحكم بوجوب الصلاة إذا أدرك من وقتها ما يسعها لا يختص بأوله بل لو كان المدرك من وسطه لزمت الصلاة . مثاله : أفاق المجنون في أثناء الوقت وعاد جنونه في الوقت ، أو بلغ صبي ثم جن ، أو أفاقت مجنونة ثم حاضت ، أو طهرت ثم جنت في الوقت . وقد تلزم الظهر بإدراك أول وقت العصر ، كما تلزم بآخره . مثاله : أفاق مغمى عليه بعد أن مضى من وقت العصر ما يسع الظهر والعصر فإن كان مقيما فالمعتبر قدر ثماني ركعات ، وإن كان مسافرا يقصر ، كفى قدر أربع ركعات ، ويقاس المغرب مع العشاء في جميع ما ذكرناه بالظهر مع العصر والله أعلم . ( فرع ) قول المصنف سقط الوجوب مجاز ، والمراد امتنع الوجوب ، وأبو يحيى البلخي من كبار أصحابنا ، أصحاب الوجوه ، سافر إلى أقاصي الدنيا في طلب الفقه حتى بلغ فيه الغاية ، وكان حسن البيان في النظر ، عذب اللسان في الجدل ، وهو من أصحاب ابن سريج رحمهما الله تعالى ورضي عنهما




                                      الخدمات العلمية