الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة وذلك سنة ، والمستحب : أن يقرأ في الصبح بطوال المفصل ، لما روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بالواقعة " فإن كان [ في ] يوم الجمعة استحب أن يقرأ فيها { الم تنزيل } السجدة ، و ( { هل أتى على الإنسان } ) ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ذلك ويقرأ في الأوليين من الظهر بنحو ما يقرأ في الصبح ، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : { حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر ، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر بقدر ثلاثين آية قدر الم تنزيل السجدة ، وحزرنا قيامه في الأخيرتين على النصف من ذلك ، وحزرنا قيامه في الأوليين من العصر على قدر الأخيرتين من الظهر ، وحزرنا قيامه في الأخيرتين من العصر على النصف من ذلك ) } .

                                      ( ويقرأ في الأوليين من العصر بأوساط المفصل لما رويناه من حديث أبي سعيد ، رضي الله عنه ويقرأ في الأوليين من العشاء الآخرة بنحو ما يقرأ في [ ص: 344 ] العصر لما روي عنه عليه السلام أنه قرأ في العشاء الآخرة سورة الجمعة والمنافقين ، ويقرأ في الأوليين من المغرب بقصار المفصل ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل } ، فإن خالف وقرأ غير ما ذكرناه جاز لما روى رجل من جهينة أنه { سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح إذا زلزلت الأرض } ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) الذي أختاره أن أقدم جملة من الأحاديث الواردة في السورة بعد الفاتحة ، فيحصل منها بيان ما ذكره المصنف وغيره ، وما يحتاج في الاستدلال به في ذلك إن شاء الله تعالى ، فأما الظهر والعصر فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : { كانت الصلاة تقام فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله ، ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى } ، رواه مسلم ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أيضا : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية ، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية ، أو قال : نصف ذلك ، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية ، وفي الأخريين قدر نصف ذلك } .

                                      رواه مسلم وعن أبي سعيد أيضا قال : { حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر ، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر بقدر ثلاثين آية قدر { الم تنزيل } السجدة ، وحزرنا قيامه في الركعتين الأخيرتين على النصف من ذلك ، وحزرنا قيامه في الأوليين من العصر على قدر الأخيرتين من الظهر ، وحزرنا قيامه في الأخيرتين من العصر على النصف من ذلك } رواه مسلم .

                                      وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر ب الليل إذا يغشى ، وفي العصر بنحو ذلك ، وفي الصبح أطول من ذلك ، } رواه مسلم ، وعنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر { سبح اسم ربك الأعلى } ، وفي الصبح أطول من ذلك } رواه مسلم . وعنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر [ ص: 345 ] والعصر بالسماء ذات البروج ، { والسماء والطارق } ونحوهما من السور . }

                                      رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن والنسائي ، وعن البراء رضي الله عنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الظهر فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات } رواه النسائي وابن ماجه بإسناد حسن ، وأما المغرب فعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : { سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور في المغرب } رواه البخاري ومسلم . وفي رواية البخاري : " يقرأ في المغرب بالطور " وعن ابن عباس : رضي الله عنهما : { أن أم الفضل - وهي أمه - رضي الله عنهما سمعته وهو يقرأ : { والمرسلات عرفا } ، فقالت : يا بني والله لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة أنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب } رواه البخاري ومسلم .

                                      وعن مروان بن الحكم قال : { قال لي زيد بن ثابت رضي الله عنه : ما لك تقرأ في المغرب بقصار ؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بطولى الطوليين } رواه البخاري . هكذا قال ابن أبي مليكة طولى الطوليين الأعراف والمائدة ، ورواه النسائي بإسناده الصحيح : { أن زيد بن ثابت قال لمروان : أتقرأ في المغرب بقل هو الله أحد وإنا أعطيناك الكوثر ؟ قال : نعم قال - يعني زيدا - فمحلوفة لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطوليين المص } وعن عائشة : رضي الله عنها { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف فرقها في ركعتين } رواه النسائي بإسناد حسن .

                                      وعن سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان . قال سليمان : كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر ويخفف الأخيرتين ويخفف العصر ، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل ، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل ، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل " ، رواه النسائي [ ص: 346 ] بإسناد صحيح .

                                      وعن عبد الله الصنابحي : " أنه صلى وراء أبي بكر الصديق رضي الله عنه المغرب يقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل ، ثم قام في الركعة الثالثة فدنوت حتى أن كاد تمس ثيابي بثيابه ، فسمعته قرأ بأم القرآن وهذه الآية : { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح .

                                      وأما العشاء فعن البراء رضي الله عنه قال : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء بالتين والزيتون ، وما سمعت أحدا أحسن منه صوتا وقراءة } ، رواه البخاري ومسلم وعن أبي رافع قال : { صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ { إذا السماء انشقت } فسجد ، فقلت له ، فقال : سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم } رواه البخاري ومسلم . وعن جابر : رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين طول في العشاء : يا معاذ إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ، واقرأ بسم ربك ، والليل إذا يغشى } رواه البخاري ومسلم . هذا لفظ إحدى روايات مسلم ، وعن بريدة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العشاء الآخرة بالشمس وضحاها ونحوها من السور } ، رواه الترمذي وقال : حديث حسن .

                                      وأما الصبح فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح فينصرف الرجل فيعرف جليسه ، وكان يقرأ في الركعتين [ ص: 347 ] أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة } رواه البخاري ومسلم ، وهذا لفظ رواية البخاري ، وسائر رواياته وروايات مسلم ، " يقرأ في الفجر ما بين الستين إلى المائة " ، وعن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال : { صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة ، فاستفتح سورة المؤمنون حتى جاء ذكر موسى وهارون ، أو حتى جاء ذكر عيسى أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة فركع } ، رواه مسلم

                                      وعن قطبة بن مالك : رضي الله عنه { أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فقرأ في أول ركعة { والنخل باسقات لها طلع نضيد ، } أو ربما قال في ق } رواه مسلم ، وعن جابر بن سمرة : رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر ب { ق والقرآن المجيد } ، وكان صلاته بعد تخفيفا } رواه مسلم ، وعن ابن حريث رضي الله عنه " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر : { والليل إذا عسعس } رواه مسلم .

                                      وعن معاذ بن عبد الله الجهني : أن رجلا من جهينة أخبره أنه { سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح { إذا زلزلت الأرض } في الركعتين كلتيهما ، فلا أدري أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرأ ذلك عمدا ؟ ، } رواه أبو داود بإسناد صحيح .

                                      وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة الم تنزيل السجدة ، ، و { هل أتى على الإنسان } } رواه البخاري ومسلم ، ورواه مسلم أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما .

                                      وأما الجمع بين سورتين في ركعة ففيه حديث أبي وائل قال : { جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : قرأت المفصل الليلة في ركعة فقال ابن مسعود : رضي الله عنه هذا كهذ الشعر ، لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن ، فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في كل ركعة } .

                                      رواه البخاري ومسلم ، فهذه جملة من الأحاديث الصحيحة في المسألة ، وفي الصحيح أحاديث كثيرة بنحو ما ذكرناه : وأما الأحاديث الحسنة والضعيفة فيه فلا تنحصر ، والله أعلم [ ص: 348 ]

                                      قال العلماء : واختلاف قدر القراءة في الأحاديث كان بحسب الأحوال ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من حال المأمومين في وقت أنهم يؤثرون التطويل فيطول ، وفي وقت لا يؤثرونه لعذر ونحوه فيخفف ، وفي وقت : يريد إطالتها فيسمع بكاء الصبي كما ثبت في الصحيحين ، والله أعلم .

                                      وأما ضبط ألفاظ الكتاب وبيانها فالمفصل سمي بذلك لكثرة الفصول فيه بين سوره ، وقيل : لقلة المنسوخ فيه ، وآخره { قل أعوذ برب الناس ، } وفي أوله مذاهب قيل : ( سورة القتال ) وقيل : من ( الحجرات ) وقيل : من ( ق ) وقال : الخطابي : وروي هذا في حديث مرفوع ، وهذه المذاهب مشهورة ، وحكى القاضي عياض قولا أنه من ( الجاثية ) وهو غريب ، والسورة تهمز ولا تهمز لغتان [ وغير ] الهمز أشهر وأصح . وبه جاء القرآن العزيز .

                                      قوله : ( وقرأ فيها بالواقعة ) هذا الحديث أشار إليه الترمذي فقال : روي : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح بالواقعة } ، وفيما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة كفاية عنه . قوله : يقرأ فيها الم تنزيل السجدة ، أما تنزيل فمرفوعة اللام على حكاية التلاوة ، وأما السجدة فيجوز رفعها على أنها خبر مبتدأ ، ويجوز نصبها على البدل من موضع الم أو بإضمار : أعني . وسورة السجدة ثلاثون آية مكية . وقوله : " يقرأ في الأوليين والأخريين " هو بالياء المثناة من تحت المكررة في : ( حزرنا قيامه في الظهر قدر ثلاثين آية ) يعني : في كل ركعة ، كما سبق بيانه في الرواية الأخرى ، قوله : ( العشاء الآخرة صحيح ) وقد أنكره الأصمعي وقال : لا يقال الآخرة ، وليس كما قال ، بل ثبت في مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أيما امرأة أصابت بخورا ، فلا تشهد معنا العشاء الآخرة . }

                                      وثبت ذلك عن جماعات من الصحابة ، وقد أوضحته في تهذيب الأسماء ، [ ص: 349 ] أما الأحكام ) فقال الشافعي والأصحاب : يستحب أن يقرأ الإمام والمنفرد بعد الفاتحة شيئا من القرآن في الصبح وفي الأوليين من سائر الصلوات ،ويحصل أصل الاستحباب بقراءة شيء من القرآن ، ولكن سورة كاملة أفضل ، حتى أن سورة قصيرة أفضل من قدرها من طويلة ; لأنه إذا قرأ بعض سورة فقد يقف في غير موضع الوقف ، وهو انقطاع الكلام المرتبط ، وقد يخفى ذلك . قالوا : ويستحب أن يقرأ في الصبح بطوال المفصل ، ( كالحجرات ) ( والواقعة ) وفي الظهر بقريب من ذلك ، وفي العصر والعشاء بأوساطه ، وفي المغرب بقصاره ، فإن خالف وقرأ بأطول أو أقصر من ذلك جاز . ودليله الأحاديث السابقة .



                                      واتفقوا على أنه يسن في صبح يوم الجمعة ( الم تنزيل ) في الركعة الأولى ، ( وهل أتى ) في الثانية للحديث الصحيح السابق ، ويقرأ السورتين بكمالهما ، وهذا الذي ذكرناه من استحباب طوال المفصل وأوساطه هو فيما إذا آثر المأمومون التطويل وكانوا محصورين لا يزيدون وإلا فليخفف .

                                      وقد ذكرنا أن اختلاف الأحاديث في قدر القراءة كان بحسب ، الأحوال ،



                                      ويجوز أن يجمع بين سورتين فأكثر في ركعة للحديث السابق .



                                      قال أصحابنا : والسنة أن يقرأ على ترتيب المصحف متواليا ، فإذا قرأ في الركعة الأولى سورة قرأ في الثانية التي بعدها متصلة بها .

                                      قال المتولي حتى لو قرأ في الأولى { قل أعوذ برب الناس } يقرأ في الثانية من أول البقرة ، ولو قرأ سورة ثم قرأ في الثانية التي قبلها ، فقد خالف الأولى ولا شيء عليه ، والله أعلم .



                                      ( فرع ) فيما يتعلق بالسورة للنوافل يستحب في ركعتي سنة الصبح التخفيف ، ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين في صحيح مسلم : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأولى منهما { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا } الآية . وفي الثانية : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة } الآية } وفي رواية لمسلم { يقرأ فيهما : { قل يا أيها الكافرون } ، و { قل هو الله أحد } } ونص الشافعي في البويطي على استحباب القراءة بهما فيهما .

                                      [ ص: 350 ] وعن ابن عمر قال : { رمقت النبي صلى الله عليه وسلم عشرين مرة يقرأ في الركعتين بعد المغرب والركعتين قبل الفجر : { قل يا أيها الكافرون } ، و { قل هو الله أحد } } رواه النسائي بإسناد جيد إلا أن فيه رجلا اختلفوا في توثيقه وجرحه ، وقد روى له مسلم والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية