قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( لحديث وإن شمت عاطسا بطلت صلاته معاوية بن الحكم ، ولأنه كلام وضع لمخاطبة الآدمي فهو كرد السلام ، وروى يونس بن عبد الأعلى عن - رحمه الله - : أنه قال : لا تبطل الصلاة ; لأنه دعاء بالرحمة فهو كالدعاء لأبويه بالرحمة ) الشافعي
فرع في مسائل تتعلق بالكلام في الصلاة
التالي
السابق
( الشرح ) قال أصحابنا : الأدعية في الصلاة ضربان عجمية وعربية ، فالعجمية سبق بيانها في فصل التكبير من باب صفة الصلاة ، وأما الدعوات العربية فلا تبطل الصلاة سواء المأثور وغيره .
وقد سبق بيان هذا في أواخر صفة الصلاة وذكرنا هناك أختلاف العلماء في غير المأثور ، قال أصحابنا : وإنما يباح من الدعاء ما ليس خطابا لمخلوق ، فأما ما هو خطاب مخلوق غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجب اجتنابه ، فلو بطلت صلاته لحديث قال لإنسان غفر الله لك ، أو - رضي الله عنك - أو - عافاك الله - ونحو هذا ولو سلم على إنسان أو سلم عليه إنسان فرد عليه السلام بلفظ الخطاب فقال : وعليك السلام أو قال لعاطس : رحمك الله أو - رحمك الله - بطلت صلاته ، وفي العاطس هذا القول القريب الذي حكاه معاوية المصنف أنه لا تبطل .
والصحيح المشهور : البطلان وهو الذي نص عليه - رحمه الله - في كتبه ، فلو رد السلام أو شمت العاطس بغير لفظ خطاب فقال : وعليه السلام أو يرحمه الله [ ص: 16 ] لم تبطل صلاته باتفاق الأصحاب ; لأنه دعاء محض ، ويقال شمت العاطس وسمته بالشين المعجمة والمهملة لغتان مشهورتان ، ومعناه قال له : - رحمك الله - . الشافعي
وأما يونس بن عبد الأعلى فهو أبو موسى يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حفص الصدفي - بفتح الصاد والدال - المصري ، وهو أحد أصحاب المصريين ، وأحد شيوخ الشافعي روى عنه في صحيحه كثيرا ، وكان إماما جليلا توفي سنة أربع وستين ومائتين ، وفي يونس لغات ضم النون وكسرها وبفتحها وبالهمز وتركه مسلم بن الحجاج
وقد سبق بيان هذا في أواخر صفة الصلاة وذكرنا هناك أختلاف العلماء في غير المأثور ، قال أصحابنا : وإنما يباح من الدعاء ما ليس خطابا لمخلوق ، فأما ما هو خطاب مخلوق غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجب اجتنابه ، فلو بطلت صلاته لحديث قال لإنسان غفر الله لك ، أو - رضي الله عنك - أو - عافاك الله - ونحو هذا ولو سلم على إنسان أو سلم عليه إنسان فرد عليه السلام بلفظ الخطاب فقال : وعليك السلام أو قال لعاطس : رحمك الله أو - رحمك الله - بطلت صلاته ، وفي العاطس هذا القول القريب الذي حكاه معاوية المصنف أنه لا تبطل .
والصحيح المشهور : البطلان وهو الذي نص عليه - رحمه الله - في كتبه ، فلو رد السلام أو شمت العاطس بغير لفظ خطاب فقال : وعليه السلام أو يرحمه الله [ ص: 16 ] لم تبطل صلاته باتفاق الأصحاب ; لأنه دعاء محض ، ويقال شمت العاطس وسمته بالشين المعجمة والمهملة لغتان مشهورتان ، ومعناه قال له : - رحمك الله - . الشافعي
وأما يونس بن عبد الأعلى فهو أبو موسى يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حفص الصدفي - بفتح الصاد والدال - المصري ، وهو أحد أصحاب المصريين ، وأحد شيوخ الشافعي روى عنه في صحيحه كثيرا ، وكان إماما جليلا توفي سنة أربع وستين ومائتين ، وفي يونس لغات ضم النون وكسرها وبفتحها وبالهمز وتركه مسلم بن الحجاج
( فرع ) في مسائل تتعلق بالكلام في الصلاة ( إحداها ) : قال المتولي : لو لم تبطل صلاة الإمام ; لأن سلامه الأول سهو وتمت صلاته بالسلام الثاني ، ولا تبطل صلاة المأموم أيضا ; لأن سلامه الأول لم يخرج به من الصلاة وتكليمه الإمام سهو ; لأنه يظن أنه تحلل من الصلاة ويلزمه أن يسلم ثانيا ، ويستحب له سجود السهو ; لأن تكليمه سهو في الصلاة بعد انقطاع القدوة . سلم الإمام فسلم المأموم معه ثم سلم الإمام ثانيا فقال له المأموم : قد سلمت قبل هذا ، فقال الإمام : كنت ناسيا
( الثانية ) : إذا فيه وجهان حكاهما نذر شيئا في صلاته وتلفظ بالنذر عامدا هل تبطل صلاته ؟ في تعليقه في آخر باب استقبال القبلة في مسألة بلوغ الصبي في الصلاة ( أحدهما ) وبه قال القاضي أبو الطيب الداركي وهو ظاهر كلام : لا تبطل ; لأنه مناجاة لله - تعالى - فهو من جنس الدعاء ( والثاني ) : تبطل ; لأنه أشبه بكلام الآدمي ، والأول أصح ; لأنه يشبه قوله " سجد وجهي للذي خلقه " أبي إسحاق المروزي
( فرع ) في هو ثلاثة أقسام : ( أحدها ) : يتكلم عامدا لا لمصلحة الصلاة فتبطل صلاته بالإجماع ، نقل الإجماع فيه مذاهب العلماء في كلام المصلي وغيره لحديث ابن المنذر معاوية بن الحكم السابق وحديث وحديث ابن مسعود وحديث جابر وغيرها من الأحاديث التي سنذكرها إن شاء الله - تعالى . زيد بن أرقم
[ ص: 17 ] الثاني ) : أن بأن يقوم الإمام إلى خامسة فيقول : قد صليت أربعا أو نحو ذلك فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنه تبطل الصلاة ، وقال يتكلم لمصلحة الصلاة الأوزاعي لا تبطل ، وهي رواية عن مالك لحديث وأحمد ذي اليدين ، ودليل الجمهور عموم الأحاديث الصحيحة في النهي عن الكلام ، ولقوله صلى الله عليه وسلم " { } " ولو كان الكلام مباحا لمصلحتها لكان أسهل وأبين ، وحديث من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال وليصفق النساء ذي اليدين جوابه ما سنذكره إن شاء الله - تعالى .
( الثالث ) : أن فمذهبنا أنه لا تبطل صلاته ، وبه قال جمهور العلماء ، منهم يتكلم ناسيا ولا يطول كلامه ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وأنس وعروة بن الزبير وعطاء والحسن البصري والشعبي وجميع المحدثين وقتادة ومالك والأوزاعي في رواية ، وأحمد وإسحاق وغيرهم رضي الله تعالى عنهم ، وقال وأبو ثور النخعي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة في رواية تبطل ، ووافقنا وأحمد أن سلام الناسي لا يبطلها واحتج لمن قال : تبطل بحديث أبو حنيفة رضي الله عنه قال { ابن مسعود سلمت عليه فلم يرد علي ، فقلت : يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا ، فقال : إن في الصلاة شغلا النجاشي } " رواه كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند البخاري وفي رواية ومسلم أبي داود وغيره زيادة " { } وعن وإن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإنه قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة رضي الله عنه قال " { جابر } " رواه بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة ، فانطلقت ثم رجعت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد علي ، فوقع في قلبي ما الله أعلمكم به ، ثم سلمت فلم يرد علي فوقع في قلبي أشد من المرة الأولى ، ثم سلمت عليه فقال : إنما منعني أن أرد عليك أني كنت أصلي ، وكان على راحلته متوجها إلى غير القبلة البخاري وعن ومسلم رضي الله عنه قال : { زيد بن أرقم حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } فأمرنا [ ص: 18 ] بالسكوت ونهينا عن الكلام } رواه إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت { البخاري وليس في رواية ومسلم : ونهينا عن الكلام ، وفي رواية البخاري الترمذي : كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحديث معاوية بن الحكم " { } " رواه إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس كما بيناه ، وبحديث مسلم المذكور في المهذب " الكلام ينقض الصلاة " ولكنه ضعيف كما بيناه ، وبحديث " { جابر } وهو أيضا ضعيف كما بيناه ، وبالقياس على الحديث . من قاء في الصلاة أو قلس فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم
واحتج أصحابنا بحديث رضي الله عنه قال : " { أبي هريرة ذو اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تقصر ولم أنس ، فقال : بلى قد نسيت يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أحق ما يقول ؟ قالوا : نعم فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتين } " رواه صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر فسلم فقال له البخاري من طرق كثيرة جدا ، وهكذا هو في ومسلم ، وفي مواضع من مسلم " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية البخاري صلى لنا . لمسلم :
وعن { عمران بن حصين } رواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فسلم في ثلاث ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يده طول فقال : يا رسول الله ، فذكر له صنيعه وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس ، فقال : أصدق هذا ؟ قالوا : نعم فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم مسلم
قال أصحابنا : ومن الدليل لنا أيضا حديث معاوية بن الحكم فإنه تكلم جاهلا بالحكم ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة قالوا : وقياسا على السلام سهوا .
وعمدة المذهب حديث ذي اليدين واعترض القائلون بالبطلان عليه أن هذا الحديث منسوخ بحديث ابن مسعود ، قالوا : " لأن وزيد بن أرقم ذا اليدين قتل يوم بدر " ونقلوا عن الزهري أن ذا اليدين قتل يوم بدر ، وأن قصته في الصلاة كانت قبل بدر ، ولا يمنع من هذا كون رواه ، وهو متأخر الإسلام عن أبي هريرة بدر ; لأن الصحابي قد يروي ما لا يحضره بأن يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابي ، وأجاب أصحابنا وغيرهم من العلماء عن هذا بأجوبة صحيحة حسنة مشهورة أحسنها وأتقنها ما ذكره [ ص: 19 ] الإمام الحافظ في التمهيد قال : أما دعواهم أن حديث أبو عمر بن عبد البر منسوخ بحديث أبي هريرة فغلط ; لأنه لا خلاف بين أهل الحديث والسير أن حديث ابن مسعود كان ابن مسعود بمكة حين رجع من الحبشة قبل الهجرة ، وأن حديث في قصة أبي هريرة ذي اليدين كان بالمدينة ، وإنما أسلم عام أبو هريرة خيبر سنة سبع من الهجرة بلا خلاف .
وأما حديث فليس فيه بيان أنه قبل حديث زيد بن أرقم أو بعده والنظر يشهد أنه قبله . أبي هريرة
قال : وأما قولهم : إن لم يشهد ذلك فغلط ، بل شهوده له محفوظ من روايات الثقات الحفاظ ، ثم ذكر بأسانيده الروايات الثابتة في صحيحي أبا هريرة البخاري وغيرهما أن ومسلم قال " { أبا هريرة } " وفي رواية " صلى بنا " وفي رواية صحيح صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره عن مسلم قال : { أبي هريرة بني سليم } وذكر الحديث . بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الركعتين فقال رجل من
قال : وقد روى قصة ابن عبد البر ذي اليدين مع أبي هريرة ابن عمر وعمران بن الحصين بضم الحاء المهملة ، ومعاوية بن حديج وابن مسعدة رجل من الصحابة وكلهم لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحبه إلا بالمدينة متأخرا ، ثم ذكر أحاديثهم بطرقها ، قال : وابن مسعدة هذا يقال له صاحب الجيوش اسمه عبد الله ، معروف في الصحابة له رواية .
قال : وأما قولهم : إن ذا اليدين قتل يوم بدر فغلط .
وإنما المقتول يوم بدر ذو الشمالين ، ولا ننازعهم في أن ذا الشمالين قتل يوم بدر ; لأن وغيره من أهل المغازي ذكروه فيمن قتل ابن إسحاق ببدر .
قال : ابن إسحاق ذو الشمالين هو عمير بن عمرو بن غبشان من خزاعة ، فذو اليدين غير ذي الشمالين المقتول ببدر ; لأن ذا اليدين اسمه الخرباق بن عمرو ذكره في رواية ، وهو من مسلم بني سليم كما ذكره في صحيحه مسلم
[ ص: 20 ] قال غير : وقد عاش ابن عبد البر ذو اليدين الخرباق بن عمرو بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم زمانا ، قال : ابن عبد البر فذو اليدين المذكور في حديث السهو غير المقتول ببدر هذا قول أهل الحذق والفهم من أهل الحديث والفقه .
قال : وأما قول الزهري إن المتكلم في حديث السهو ذو الشمالين فلم يتابع عليه قال : وقد اضطرب الزهري في حديث ذي اليدين اضطرابا أوجب عند أهل العلم بالنقل تركه من روايته خاصة ، ثم ذكر طرقه وبين اضطرابها في المتن والإسناد وذكر عن تغليطه مسلم بن الحجاج الزهري في هذا الحديث .
قال : لا أعلم أحدا من أهل العلم بالحديث المصنفين فيه عول على حديث ابن عبد البر الزهري في قصة ذي اليدين ، وكلهم تركه لاضطرابه وإن كان إماما عظيما في هذا الشأن فالغلط لا يسلم منه بشر ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم فقول الزهري إنه قتل يوم بدر متروك لتحقق غلطه فيه ، هذا مختصر قول ، وقد بسط - رحمه الله - شرح هذا الحديث بسطا لم يبسطه غيره مشتملا على التحقيق والإتقان والفوائد الجمة - رحمه الله - ورضي عنه - وذكر ابن عبد البر - رحمه الله - بعض هذا مختصرا ، فمما قال : إنه لا يجوز أن يكون حديث البيهقي منسوخا بحديث أبي هريرة لتقدم حديث ابن مسعود ، فإنه كان حين رجع من ابن مسعود الحبشة ورجوعه منها كان قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا ، فحديثه في التسليم كان قبل الهجرة ، ثم روى ذلك بأسانيده . البيهقي
ثم نقل اتفاق أهل المغازي على أن قدم ابن مسعود مكة من هجرة الحبشة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأنه شهد بدرا بعد ذلك .
ثم روى بإسناده عن البيهقي الحميدي شيخ أنه حمل حديث البخاري على النهي عن الكلام عامدا ، قال : لأنه قدم من ابن مسعود الحبشة قبل بدر وإسلام سنة سبع من الهجرة وإسلام أبي هريرة بعد عمران بن الحصين بدر ، وقد حضرا قصة ذي اليدين وحضرها ، وكان إسلامه قبل [ ص: 21 ] وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهرين ، وذكر حديث معاوية بن حديج أيضا ثم قال : فعلمنا أن حديث ابن عمر في العمد . ابن مسعود
ولو كان في العمد والسهو لكانت صلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه ناسخة له ; لأنها بعده .
ثم روى عن البيهقي الأوزاعي قال : كان إسلام معاوية بن الحكم في آخر الأمر فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة وقد تكلم جاهلا .
وذكر في كتاب اختلاف الأحاديث نحو ما سبق من كلام الأئمة ، قال : الشافعي ذو الشمالين المقتول ببدر غير ذي اليدين ، قال : البيهقي ذو اليدين بقي حيا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قيل : كيف تكلم ذو اليدين والقوم وهم بعد في الصلاة ؟ فجوابه من وجهين ( أحدهما ) : أنهم لم يكونوا على يقين من البقاء في صلاة ; لأنهم كانوا مجوزين لنسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين ولهذا قال : أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ ( والثاني ) : أن هذا خطاب وجواب للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك لا يبطل الصلاة ، وفي رواية لأبي داود وغيره : أن القوم لم يتكلموا ، وتحمل رواية " نعم " عليها ، والله أعلم
[ ص: 17 ] الثاني ) : أن بأن يقوم الإمام إلى خامسة فيقول : قد صليت أربعا أو نحو ذلك فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنه تبطل الصلاة ، وقال يتكلم لمصلحة الصلاة الأوزاعي لا تبطل ، وهي رواية عن مالك لحديث وأحمد ذي اليدين ، ودليل الجمهور عموم الأحاديث الصحيحة في النهي عن الكلام ، ولقوله صلى الله عليه وسلم " { } " ولو كان الكلام مباحا لمصلحتها لكان أسهل وأبين ، وحديث من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال وليصفق النساء ذي اليدين جوابه ما سنذكره إن شاء الله - تعالى .
( الثالث ) : أن فمذهبنا أنه لا تبطل صلاته ، وبه قال جمهور العلماء ، منهم يتكلم ناسيا ولا يطول كلامه ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وأنس وعروة بن الزبير وعطاء والحسن البصري والشعبي وجميع المحدثين وقتادة ومالك والأوزاعي في رواية ، وأحمد وإسحاق وغيرهم رضي الله تعالى عنهم ، وقال وأبو ثور النخعي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة في رواية تبطل ، ووافقنا وأحمد أن سلام الناسي لا يبطلها واحتج لمن قال : تبطل بحديث أبو حنيفة رضي الله عنه قال { ابن مسعود سلمت عليه فلم يرد علي ، فقلت : يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا ، فقال : إن في الصلاة شغلا النجاشي } " رواه كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند البخاري وفي رواية ومسلم أبي داود وغيره زيادة " { } وعن وإن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإنه قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة رضي الله عنه قال " { جابر } " رواه بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة ، فانطلقت ثم رجعت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد علي ، فوقع في قلبي ما الله أعلمكم به ، ثم سلمت فلم يرد علي فوقع في قلبي أشد من المرة الأولى ، ثم سلمت عليه فقال : إنما منعني أن أرد عليك أني كنت أصلي ، وكان على راحلته متوجها إلى غير القبلة البخاري وعن ومسلم رضي الله عنه قال : { زيد بن أرقم حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } فأمرنا [ ص: 18 ] بالسكوت ونهينا عن الكلام } رواه إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت { البخاري وليس في رواية ومسلم : ونهينا عن الكلام ، وفي رواية البخاري الترمذي : كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحديث معاوية بن الحكم " { } " رواه إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس كما بيناه ، وبحديث مسلم المذكور في المهذب " الكلام ينقض الصلاة " ولكنه ضعيف كما بيناه ، وبحديث " { جابر } وهو أيضا ضعيف كما بيناه ، وبالقياس على الحديث . من قاء في الصلاة أو قلس فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم
واحتج أصحابنا بحديث رضي الله عنه قال : " { أبي هريرة ذو اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تقصر ولم أنس ، فقال : بلى قد نسيت يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أحق ما يقول ؟ قالوا : نعم فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتين } " رواه صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر فسلم فقال له البخاري من طرق كثيرة جدا ، وهكذا هو في ومسلم ، وفي مواضع من مسلم " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية البخاري صلى لنا . لمسلم :
وعن { عمران بن حصين } رواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فسلم في ثلاث ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يده طول فقال : يا رسول الله ، فذكر له صنيعه وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس ، فقال : أصدق هذا ؟ قالوا : نعم فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم مسلم
قال أصحابنا : ومن الدليل لنا أيضا حديث معاوية بن الحكم فإنه تكلم جاهلا بالحكم ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة قالوا : وقياسا على السلام سهوا .
وعمدة المذهب حديث ذي اليدين واعترض القائلون بالبطلان عليه أن هذا الحديث منسوخ بحديث ابن مسعود ، قالوا : " لأن وزيد بن أرقم ذا اليدين قتل يوم بدر " ونقلوا عن الزهري أن ذا اليدين قتل يوم بدر ، وأن قصته في الصلاة كانت قبل بدر ، ولا يمنع من هذا كون رواه ، وهو متأخر الإسلام عن أبي هريرة بدر ; لأن الصحابي قد يروي ما لا يحضره بأن يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابي ، وأجاب أصحابنا وغيرهم من العلماء عن هذا بأجوبة صحيحة حسنة مشهورة أحسنها وأتقنها ما ذكره [ ص: 19 ] الإمام الحافظ في التمهيد قال : أما دعواهم أن حديث أبو عمر بن عبد البر منسوخ بحديث أبي هريرة فغلط ; لأنه لا خلاف بين أهل الحديث والسير أن حديث ابن مسعود كان ابن مسعود بمكة حين رجع من الحبشة قبل الهجرة ، وأن حديث في قصة أبي هريرة ذي اليدين كان بالمدينة ، وإنما أسلم عام أبو هريرة خيبر سنة سبع من الهجرة بلا خلاف .
وأما حديث فليس فيه بيان أنه قبل حديث زيد بن أرقم أو بعده والنظر يشهد أنه قبله . أبي هريرة
قال : وأما قولهم : إن لم يشهد ذلك فغلط ، بل شهوده له محفوظ من روايات الثقات الحفاظ ، ثم ذكر بأسانيده الروايات الثابتة في صحيحي أبا هريرة البخاري وغيرهما أن ومسلم قال " { أبا هريرة } " وفي رواية " صلى بنا " وفي رواية صحيح صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره عن مسلم قال : { أبي هريرة بني سليم } وذكر الحديث . بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الركعتين فقال رجل من
قال : وقد روى قصة ابن عبد البر ذي اليدين مع أبي هريرة ابن عمر وعمران بن الحصين بضم الحاء المهملة ، ومعاوية بن حديج وابن مسعدة رجل من الصحابة وكلهم لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحبه إلا بالمدينة متأخرا ، ثم ذكر أحاديثهم بطرقها ، قال : وابن مسعدة هذا يقال له صاحب الجيوش اسمه عبد الله ، معروف في الصحابة له رواية .
قال : وأما قولهم : إن ذا اليدين قتل يوم بدر فغلط .
وإنما المقتول يوم بدر ذو الشمالين ، ولا ننازعهم في أن ذا الشمالين قتل يوم بدر ; لأن وغيره من أهل المغازي ذكروه فيمن قتل ابن إسحاق ببدر .
قال : ابن إسحاق ذو الشمالين هو عمير بن عمرو بن غبشان من خزاعة ، فذو اليدين غير ذي الشمالين المقتول ببدر ; لأن ذا اليدين اسمه الخرباق بن عمرو ذكره في رواية ، وهو من مسلم بني سليم كما ذكره في صحيحه مسلم
[ ص: 20 ] قال غير : وقد عاش ابن عبد البر ذو اليدين الخرباق بن عمرو بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم زمانا ، قال : ابن عبد البر فذو اليدين المذكور في حديث السهو غير المقتول ببدر هذا قول أهل الحذق والفهم من أهل الحديث والفقه .
قال : وأما قول الزهري إن المتكلم في حديث السهو ذو الشمالين فلم يتابع عليه قال : وقد اضطرب الزهري في حديث ذي اليدين اضطرابا أوجب عند أهل العلم بالنقل تركه من روايته خاصة ، ثم ذكر طرقه وبين اضطرابها في المتن والإسناد وذكر عن تغليطه مسلم بن الحجاج الزهري في هذا الحديث .
قال : لا أعلم أحدا من أهل العلم بالحديث المصنفين فيه عول على حديث ابن عبد البر الزهري في قصة ذي اليدين ، وكلهم تركه لاضطرابه وإن كان إماما عظيما في هذا الشأن فالغلط لا يسلم منه بشر ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم فقول الزهري إنه قتل يوم بدر متروك لتحقق غلطه فيه ، هذا مختصر قول ، وقد بسط - رحمه الله - شرح هذا الحديث بسطا لم يبسطه غيره مشتملا على التحقيق والإتقان والفوائد الجمة - رحمه الله - ورضي عنه - وذكر ابن عبد البر - رحمه الله - بعض هذا مختصرا ، فمما قال : إنه لا يجوز أن يكون حديث البيهقي منسوخا بحديث أبي هريرة لتقدم حديث ابن مسعود ، فإنه كان حين رجع من ابن مسعود الحبشة ورجوعه منها كان قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا ، فحديثه في التسليم كان قبل الهجرة ، ثم روى ذلك بأسانيده . البيهقي
ثم نقل اتفاق أهل المغازي على أن قدم ابن مسعود مكة من هجرة الحبشة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأنه شهد بدرا بعد ذلك .
ثم روى بإسناده عن البيهقي الحميدي شيخ أنه حمل حديث البخاري على النهي عن الكلام عامدا ، قال : لأنه قدم من ابن مسعود الحبشة قبل بدر وإسلام سنة سبع من الهجرة وإسلام أبي هريرة بعد عمران بن الحصين بدر ، وقد حضرا قصة ذي اليدين وحضرها ، وكان إسلامه قبل [ ص: 21 ] وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهرين ، وذكر حديث معاوية بن حديج أيضا ثم قال : فعلمنا أن حديث ابن عمر في العمد . ابن مسعود
ولو كان في العمد والسهو لكانت صلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه ناسخة له ; لأنها بعده .
ثم روى عن البيهقي الأوزاعي قال : كان إسلام معاوية بن الحكم في آخر الأمر فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة وقد تكلم جاهلا .
وذكر في كتاب اختلاف الأحاديث نحو ما سبق من كلام الأئمة ، قال : الشافعي ذو الشمالين المقتول ببدر غير ذي اليدين ، قال : البيهقي ذو اليدين بقي حيا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قيل : كيف تكلم ذو اليدين والقوم وهم بعد في الصلاة ؟ فجوابه من وجهين ( أحدهما ) : أنهم لم يكونوا على يقين من البقاء في صلاة ; لأنهم كانوا مجوزين لنسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين ولهذا قال : أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ ( والثاني ) : أن هذا خطاب وجواب للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك لا يبطل الصلاة ، وفي رواية لأبي داود وغيره : أن القوم لم يتكلموا ، وتحمل رواية " نعم " عليها ، والله أعلم
( فرع ) في مذاهبهم فيمن مذهبنا أنه لا تبطل صلاته سواء قصد به تنبيه غيره أم لا ، وبهذا قال جمهور العلماء ، حكاه سبح الله - تعالى - أو حمده في غير ركوع وسجود عن ابن المنذر الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق قال : وقال وأبي ثور : إن قاله ابتداء فليس بكلام ، وإن قاله جوابا فهو كلام دليلنا حديث أبو حنيفة ، وهو في الصحيحين كما سبق سهل بن سعد
( فرع ) في مذاهبهم في مذهبنا أن التبسم لا يضر وكذا الضحك إن لم يبن منه حرفان . الضحك والتبسم في الصلاة
فإن بان بطلت صلاته ، ونقل الإجماع على بطلانها بالضحك ، وهو محمول على من بان منه حرفان ، قال : وقال أكثر العلماء : لا بأس بالتبسم ، ممن قاله ابن المنذر جابر بن عبد الله وعطاء ومجاهد والنخعي والحسن وقتادة والأوزاعي وأصحاب الرأي وقال والشافعي : لا أعلم التبسم إلا ضحكا . ابن سيرين
فإن بان بطلت صلاته ، ونقل الإجماع على بطلانها بالضحك ، وهو محمول على من بان منه حرفان ، قال : وقال أكثر العلماء : لا بأس بالتبسم ، ممن قاله ابن المنذر جابر بن عبد الله وعطاء ومجاهد والنخعي والحسن وقتادة والأوزاعي وأصحاب الرأي وقال والشافعي : لا أعلم التبسم إلا ضحكا . ابن سيرين
( فرع ) في مذاهبهم في ، قد ذكرنا أن مذهبنا أنه إن [ ص: 22 ] بان منه حرفان بطلت صلاته ، وإلا فلا ، وبه قال الأنين والتأوه وحكاه أحمد عن ابن المنذر . أبي ثور
قال : وقال الشعبي والنخعي والمغيرة : يعيد الصلاة ، قال والثوري العبدري : وقال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ، إن كان لخوف الله - تعالى - أو خوف النار لم تبطل صلاته ، وإلا فتبطل وعن ومحمد أنه إن قال ( آه ) لم تبطل ، وإن قال ( أوه ) بطلت . أبي يوسف
قال : وقال الشعبي والنخعي والمغيرة : يعيد الصلاة ، قال والثوري العبدري : وقال مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ، إن كان لخوف الله - تعالى - أو خوف النار لم تبطل صلاته ، وإلا فتبطل وعن ومحمد أنه إن قال ( آه ) لم تبطل ، وإن قال ( أوه ) بطلت . أبي يوسف
( فرع ) في مذاهبهم في مذهبنا أنه إن كان منه حرفان وهو عامد عالم بتحريمه بطلت صلاته . النفخ في الصلاة
وإلا فلا ، وبه قال مالك وأبو حنيفة ومحمد ، وقال وأحمد : لا تبطل إلا أن يريد به التأفيف ، وهو قول ( أف ) قال أبو يوسف : ثم رجع ابن المنذر ، وقال : لا تبطل صلاته مطلقا ، قال : وممن روينا عنه كراهة ذلك أبو يوسف ابن مسعود وابن عباس وابن سيرين والنخعي ويحيى بن أبي كثير وأحمد وإسحاق ، قال : ولم يوجبوا عليه الإعادة : قال : وروينا عن ابن عباس أنه كالكلام ولا يثبت ذلك عنهما وروي عن وأبي هريرة سعيد بن جبير
وإلا فلا ، وبه قال مالك وأبو حنيفة ومحمد ، وقال وأحمد : لا تبطل إلا أن يريد به التأفيف ، وهو قول ( أف ) قال أبو يوسف : ثم رجع ابن المنذر ، وقال : لا تبطل صلاته مطلقا ، قال : وممن روينا عنه كراهة ذلك أبو يوسف ابن مسعود وابن عباس وابن سيرين والنخعي ويحيى بن أبي كثير وأحمد وإسحاق ، قال : ولم يوجبوا عليه الإعادة : قال : وروينا عن ابن عباس أنه كالكلام ولا يثبت ذلك عنهما وروي عن وأبي هريرة سعيد بن جبير