الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى : ( ومنها : أن يخاف ضررا في نفسه أو ماله أو يكون به مرض يشق معه القصد ، والدليل عليه ما روي [ عن ] ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر ، قالوا : يا رسول الله وما العذر ؟ قال : خوف أو مرض } " ومنها أن يكون قيما لمريض يخاف ضياعه ، لأن حفظ الآدمي أفضل من حفظ الجماعة ، ومنها : أن يكون له قريب مريض يخاف موته ; لأنه يتألم بذلك أكثر مما يتألم بذهاب المال ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عباس رواه أبو داود وغيره وفي إسناده رجل ضعيف مدلس ، ولم يضعفه أبو داود ، قال أصحابنا : ومن الأعذار في ترك الجماعة أن يكون به مرض يشق معه القصد ، وإن كان يمكن لأن عليه ضررا في ذلك وحرجا وقد قال الله تعالى - : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } فإن كان مرض يسير لا يشق معه القصد كوجع ضرس ، وصداع يسير ، وحمى خفيفة ، فليس بعذر وضبطوه : بأن تلحقه مشقة كمشقة المشي في المطر ، ومنها : أن يكون ممرضا لمريض يخاف ضياعه ، فإن كان له غيره يتعهده لكنه يتعلق قلبه به فوجهان ، حكاهما جماعة منهم صاحب البيان ( أصحهما ) : أنه عذر ; لأن مشقة تركه أعظم من مشقة المطر ، ولأنه يذهب خشوعه .

                                      ( والثاني ) : ليس بعذر ; لأنه لا يخاف عليه ، سواء كان هذا المريض قريبا أو صديقا ، وكذلك إن كان غريبا لا معرفة له به وخاف ضياعه ، ومنها : أن يكون له قريب أو صديق يخاف موته ، ودليله ما ذكره المصنف ، ومنها : أن يخاف على نفسه أو ماله أو على من يلزمه الذب عنه من سلطان أو غيره ممن يظلمه أو يخاف من غريم له يحبسه أو يلازمه ، وهو معسر .

                                      فيعذر بذلك ، ولا عبرة بالخوف ممن يطالبه بحق هو ظالم في منعه ، بل عليه توفية الحق والحضور ، قال أصحابنا : ويدخل في الخوف على المال ما إذا كان خبزه في التنور ، وقدره على النار وليس هناك من يتعهدهما ، وكذا لو كان له عبد فأبق ، أو دابة فشردت أو زوجة نشزت أو نحو ذلك ، ويرجو تحصيله بالتأخر له .

                                      [ ص: 101 ] قال الشافعي والأصحاب : ومن الأعذار : أن يكون عليه قصاص ، ولو ظفر به المستحق لقتله ويرجو أنه لو غيب وجهه أياما لذهب جزع المستحق ، وعفا عنه مجانا أو على مال فله التخلف بذلك ، وفي معناه حد القذف ، قال الشافعي والشيخ أبو حامد والبندنيجي وسائر الأصحاب : فإن لم يرج العفو لو تغيب لم يجز التغيب ، ولم يكن عذرا .

                                      واتفقوا على أنه لا يعذر من عليه حد شرب أو سرقة أو حد زنا بلغ الإمام وكذا كل ما لا يسقط بالتوبة ، واستشكل إمام الحرمين جواز التغيب لمن عليه قصاص ، وأجاب عنه بأن العفو مندوب إليه ، وهذا التغيب طريق إلى العفو ، ومنها : أن يكون عاريا لا لباس له فيعذر في التخلف ، سواء وجد ساتر العورة أم لا ; لأن عليه مشقة في تبذله بالمشي بغير ثوب يليق به ، ومنها : أن يريد سفرا وترتحل الرفقة ، ومنها أن يكون نشد ضالة يرجوها إن ترك الجماعة ، أو وجد من غصب ماله ، وأراد استرداده ، ومنها أن يكون أكل ثوما أو بصلا وكراثا ونحوها ، ولم يمكنه إزالة الرائحة بغسل ومعالجة .

                                      فإن أمكنته أو كان مطبوخا لا ريح له فلا عذر .

                                      ومنها : غلبة النوم والنعاس إن انتظر الجماعة فهو عذر ، قال صاحب الحاوي : والزلزلة عذر




                                      الخدمات العلمية