الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإذا حضر جاز أن يتنفل إلى أن يخرج الإمام ، لما روي عن أبي برزة وأنس والحسن وجابر بن زيد أنهم كانوا يصلون يوم العيد قبل خروج الإمام ، ولأنه ليس بوقت منهي عن الصلاة فيه ، ولا هناك ما هو أهم من الصلاة ، فلم يمنع من الصلاة كما بعد العيد والسنة للإمام أن لا يخرج إلا في الوقت الذي يوافي فيه الصلاة ، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال " { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة } " والسنة أن يمضي إليهما في طريق ، ويرجع في أخرى ، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " { كان يخرج يوم الفطر والأضحى فيخرج من طريق ويرجع من آخر } " )

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أبي سعيد رواه البخاري ومسلم ، وأما حديث ابن عمر فرواه أبو داود بإسناد ضعيف ، ورواه البخاري في صحيحه من رواية جابر قال " { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم العيد خالف الطريق } " ورواه الحاكم من رواية أبي هريرة مرفوعا قال : وهو صحيح على شرط البخاري ومسلم وذكره البخاري في صحيحه تعليقا ، قال البخاري : حديث جابر أصح ، وأما ما ذكره أولا عن أبي برزة وأنس والحسن وجابر بن زيد فرواه البيهقي ، ولكنه وقع في نسخ المهذب عن أبي برزة - بفتح الباء الموحدة وبعدها راء ساكنة ثم زاي مفتوحة - وهو تصحيف وصوابه عن أبي بردة - بضم الباء وبدال بعد الراء - هو أبو بردة التابعي بن أبي موسى الأشعري ، واسم أبي بردة : عامر وقيل : الحارث وهذا الذي ذكرته من تصحيفه لا نشك فيه فالصواب أبو بردة بالدال هكذا ذكره البيهقي في كتابيه ، وغيره من الأئمة وتقديم المصنف له على أنس يدل على أنه ظنه أبا برزة الصحابي وهو غلط بلا شك ( أما الأحكام ) ففيه مسائل ( إحداها ) يجوز لغير الإمام التنفل يوم العيد قبل صلاة العيد وبعدها في بيته وطريقه ، وفي المصلى قبل حضور [ ص: 17 ] الإمام ، لا بقصد التنفل لصلاة العيد ، ولا كراهة في شيء من ذلك ، لما ذكره المصنف قال الشافعي والأصحاب : وليس لصلاة العيد سنة قبلها ولا بعدها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها



                                      ( المسألة الثانية ) يستحب للإمام أن لا يخرج إلى موضع الصلاة إلا في الوقت الذي يصلي بهم قال أصحابنا : ويكره للإمام أن يصلي قبل صلاة العيد أو بعدها في المصلى ; لأنه لو صلى أوهم أنها سنة وليست سنة قال أصحابنا : ولا يصلي تحية المسجد ، بل يشرع أول وصوله في صلاة العيد ، وتحصل التحية في ضمنها ، ودليله حديث أبي سعيد



                                      ( المسألة الثالثة ) يستحب لكل من صلى العيد أن يمضي إليها في طريق ويرجع في طريق آخر للحديث ، ويستحب أن يمضي في الطريق الأطول ( واختلفوا ) في سبب ذهابه صلى الله عليه وسلم في طريق ورجوعه في طريق آخر ( فقيل ) كان يذهب في أطول الطريقين ويرجع في الآخر ، لأن الذهاب أفضل من الرجوع ( وقيل ) كان يتصدق في الطريقين ( وقيل ) كان يتصدق في طريق ، ولا يبقى معه شيء فيرجع في آخر لئلا يسأله سائل فيرده ( وقيل ) ليشرف أهل الطريقين ( وقيل ) ليشهد له الطريقان ( وقيل ) ليعلم أهل الطريقين ويفتيهم ( وقيل ) ليغيظ المنافقين بإظهار الشعار ( وقيل ) لئلا يرصده المنافقون فيؤذوه ( وقيل ) للتفاؤل بتغيير الحال إلى المغفرة والرضا ونحو ذلك ( وقيل ) كان يخرج في الطريق الأول خلق كثير فيكثر الزحام فيرجع في آخر ليخف قال أصحابنا : ثم إن لم نعلم المعنى الذي خالف النبي صلى الله عليه وسلم بسببه الطريق استحب لنا مخالفة الطريق بلا خلاف وإن علمناه ووجد ذلك المعنى في إنسان استحب له مخالفة الطريق ، وإن لم يوجد فيه فوجهان مشهوران ( الصحيح ) باتفاق الأصحاب يستحب أيضا ، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة ، وبه قطع المصنف والأكثرون لمطلق الأمر بالاقتداء ( والثاني ) قاله أبو إسحاق : لا يستحب لفوات سببه ، وأجاب الأولون عن هذا بأنه قد يزول سبب العبادة ويبقى أصلها ، كالرمل والسعي [ ص: 18 ] ونظائرهما وأصح الأقوال في حكمته هو الأول ، وهو الذهاب في أطول الطريقين والرجوع في الأقصر ، صححه جمهور أصحابنا ، وصحح الشيخ أبو حامد القول الأخير ، وأما قول إمام الحرمين وغيره : ليس بقربة ( فغلطوهم ) فيه ، بل يثاب في رجوعه للحديث الصحيح الذي قدمناه في الفصل السابق قال الشافعي في الأم : ويستحب للإمام في رجوعه أن يقف في طريقه فيستقبل القبلة ويدعو وروى فيه حديثا



                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في صلاة النفل قبل صلاة العيد وبعدها أجمعوا على أنه ليس لها سنة قبلها ولا بعدها ، واختلفوا في كراهة النفل قبلها وبعدها ، فمذهب الشافعي أنه لا يكره صلاة النفل قبل صلاة العيد ولا بعدها ، لا في البيت ولا في المصلى لغير الإمام ، وبه قال أنس بن مالك وأبو هريرة ورافع بن خديج وسهل بن سعد وأبو بردة والحسن البصري وأخوه سعد بن أبي الحسن وجابر بن زيد وعروة بن الزبير وابن المنذر وقال آخرون : تكره الصلاة قبلها وبعدها ، حكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وحذيفة وابن عمر وجابر بن عبد الله [ وعبد الله ] بن أبي أوفى ومسروق والشعبي والضحاك بن مزاحم وسالم بن عبد الله والزهري وابن جريج ومعمر وأحمد وقال آخرون : يصلي بعدها لا قبلها ، حكاه ابن المنذر عن أبي مسعود البدري الصحابي وعلقمة والأسود ومجاهد والنخعي وابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي ، وحكاه البخاري في صحيحه عن ابن عباس وقال آخرون : يكره في المصلى قبلها وبعدها ولا يكره في غيره ودليلنا ما احتج به الشافعي وابن المنذر والمصنف وسائر الأصحاب أن الأصل إباحة الصلاة حتى يثبت النهي




                                      الخدمات العلمية