الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى ( nindex.php?page=treesubj&link=1986_18398_1987_1988_1989_1990_1991_27689فإذا مات تولى أرفقهم به إغماض عينيه ، لما روت nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة رضي الله عنها قالت : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=18728دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة [ فأغمض بصره ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر } " ولأنها إذا لم تغمض بقيت مفتوحة ، فيقبح منظره ، ويشد لحييه بعصابة عريضة ] تجمع جميع لحييه ، ثم يشد العصابة على رأسه لأنه إذا لم يفعل ذلك استرخى لحياه وانفتح فمه ، فقبح منظره ، وربما دخل إلى فيه شيء من الهوام ، وتلين [ ص: 108 ] مفاصله لأنه أسهل في الغسل ، ولأنها تبقى جافية فلا يمكن تكفينه ، وتخلع ثيابه ، لأن الثياب تحمي الجسم فيسرع إليه التغير والفساد ، ويجعل على سرير أو لوح حتى لا تصيبه نداوة الأرض فتغيره ، ويجعل على بطنه حديدة ، لما روي أن مولى أنس مات فقال رضي الله عنه " ضعوا على بطنه حديدة " لأنه ينتفخ ، فإن لم يمكن حديدة جعل عليه طين رطب ، ويسجى بثوب ، لما روت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=20244سجي بثوب حبرة } " ويسارع إلى قضاء دينه والتوصل إلى إبرائه منه ، لما روى nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=25828نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى } " ويبادر إلى تجهيزه ، لما روى nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=5894ثلاث لا تؤخروهن : الصلاة والجنازة ، والأيم إذا وجدت كفئا } " فإن مات فجأة ترك حتى يتيقن موته ) .
( الشرح ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وحديث مولى أنس رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رواه الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه بإسناد صحيح أو حسن ، قال الترمذي : هو حديث حسن ، وحديث علي رواه الترمذي في آخر كتاب الجنائز nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في كتاب النكاح وأشار إلى تضعيفه يقال : أغمض عينيه وغمضها - بتشديد الميم - وفي الروح لغتان ، التذكير والتأنيث ( وقوله ) يسجى أي يغطى ( وقوله ) بثوب حبرة ، هو بإضافة حديث إلى حبرة ، وهي - بكسر الحاء وفتح الباء - نوع من البرد ( قوله صلى الله عليه وسلم ) " نفس المؤمن " قال الأزهري في تفسير هذا الحديث : نفس الإنسان لها ثلاثة معان :
( الثالث ) الروح الذي إذا فارق البدن لم يكن بعده حياة .
قال وهو المراد بالنفس في هذا الحديث ، قال : كأن نفس المؤمن تعذب بما عليه من الدين حتى يؤدى ، هكذا قاله الأزهري ، والمختار أن معناه أن نفسه مطالبة بما عليه ومحبوسة عن مقامها الكريم حتى يقضى لا أنه يعذب ، لا سيما إن كان خلفه وفاء وأوصى به ، وقوله " الأيم " هي التي لا زوج لها ، بكرا كانت أم ثيبا . وقوله " فجأة " أي بغتة من غير مرض ولا نزع ونحوه ، وفيها لغتان أفصحهما وأشهرهما بضم الفاء وفتح الجيم وبالمد ، الثانية فجأة بفتح الفاء وإسكان الجيم . [ ص: 109 ] أما الأحكام ) فقال الأصحاب : nindex.php?page=treesubj&link=1986_1987_18398_1988_1989يستحب إذا مات أن يغمض عيناه وتشد لحياه بعصابة عريضة تجمعهما ، ثم يربط فوق رأسه ويلين مفاصله ، فيمد ساعده إلى عضده ثم يرده ويرد ساقه إلى فخذه ، وفخذه إلى بطنه ، ويردهما ويلين أصابعه ويخلع ثيابه التي مات فيها بحيث لا يرى بدنه ، ثم nindex.php?page=treesubj&link=1992_1990_1991_27689_1984_18662يستر جميع بدنه بثوب خفيف ولا يجمع عليه أطباق الثياب ، ويجعل طرف هذا الثوب تحت رأسه ، وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف ويوضع على شيء مرتفع كسرير ولوح ونحوهما ويوضع على بطنه شيء ثقيل كسيف أو مرآة أو غيرهما من الحديد ، فإن عدم فطين رطب ، ولا يجعل عليه مصحف ، ويستقبل به القبلة كالمحتضر ، ويتولى هذه الأمور أرفق محارمه بأسهل ما يقدر عليه . قال صاحب الحاوي وغيره : ويتولاها الرجل من الرجل ، والمرأة من المرأة ، فإن تولاه أجنبي أو محرم من النساء ، أو تولاها أجنبية أو محرم من الرجال جاز nindex.php?page=treesubj&link=1993_3189ويسارع إلى قضاء دينه والتوصل إلى إبرائه منه . هكذا نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب .
وقال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد : وإن كان للميت دراهم أو دنانير قضي الدين منها ، وإن كان عقارا أو غيره مما يباع سأل غرماءه أن يحتالوا عليه ليصير الدين في ذمة وليه وتبرأ ذمة الميت ، هذا لفظ الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد ونحوه في المجموع والتجريد للمحاملي ، والعدة للطبري ، وغيرها من كتب أصحابنا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم في آخر باب القول عند الدفن إن كان الدين يستأخر سأل غرماءه أن يحللوه ويحتالوا به عليه وإرضاؤهم منه بأي وجه كان ، هذا نصه وهو نحو ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد ومتابعوه ، وفيه إشكال لأن ظاهره أنه بمجرد تراضيهم على مصيره في ذمة الولي يبرأ الميت . ومعلوم أن الحوالة لا تصح إلا برضاء المحيل والمحتال ، وإن كان ضمانا فكيف يبرأ المضمون عنه ثم يطالب الضامن . ، وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة لما ضمن الدين عن الميت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=3612الآن بردت جلدته } " حين وفاه لا حين ضمنه ، ويحتمل أن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب رأوا هذه الحوالة جائزة مبرئة للميت في الحال للحاجة والمصلحة والله أعلم .
[ ص: 110 ] قال الأصحاب : nindex.php?page=treesubj&link=1995_1994ويبادر أيضا بتنفيذ وصيته وبتجهيزه . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم أحب المبادرة في جميع أمور الجنازة ، فإن مات فجأة لم يبادر بتجهيزه لئلا تكون به سكتة ولم يمت ، بل يترك حتى يتحقق موته ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب nindex.php?page=treesubj&link=27632للموت علامات ، وهي أن تسترخي قدماه وينفصل زنداه ، ويميل أنفه وتمتد جلدة وجهه ، زاد الأصحاب وأن ينخسف صدغاه ، وزاد جماعة منهم ، وتتقلص خصياه مع تدلي الجلدة ، فإذا ظهر هذا علم موته ، فيبادر حينئذ إلى تجهيزه . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فأما إذا مات مصعوقا أو غريقا أو حريقا ، أو خاف من حرب أو سبع أو تردى من جبل ، أو في بئر فمات ، فإنه لا يبادر به حتى يتحقق موته . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فيترك اليوم واليومين والثلاثة ، حتى يخشى فساده لئلا يكون مغمى عليه أو انطبق حلقه أو غلب المرار عليه ، قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد " هذا الذي قاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي صحيح ، فإذا مات من هذه الأسباب أو أمثالها فلا يجوز أن يبادر به ، ويجب تركه والتأني به اليوم واليومين والثلاثة ، لئلا يكون مغمى عليه ، أو غيره مما قاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ولا يجوز دفنه حتى يتحقق موته " . هذا آخر كلام nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد في تعليقه ، وقال غيره : تحقق الموت يكون بتغير الرائحة وغيره ، والله أعلم .
( فرع ) لم أر لأصحابنا كلاما nindex.php?page=treesubj&link=1986_18398فيما يقال حال إغماض الميت ، ويستحسن ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناد صحيح في السنن الكبير عن nindex.php?page=showalam&ids=15558بكر بن عبد الله المزني التابعي الجليل رحمه الله قال " إذا أغمضت الميت فقل باسم الله وعلى ملة رسول الله ، وإذا حملته فقل باسم الله ، ثم تسبح ما دمت تحمله .
( فرع ) يستحب nindex.php?page=treesubj&link=18399_18398_1986للناس أن يقولوا عند الميت خيرا وأن يدعوا له ، لحديث nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة رضي الله عنها قالت " { nindex.php?page=hadith&LINKID=18728دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على nindex.php?page=showalam&ids=233أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر ، فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون . ثم قال : اللهم اغفر nindex.php?page=showalam&ids=233لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين ، وافسح له في قبره ونور له فيه } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . [ ص: 111 ] قولها " شق بصره " هو بفتح الشين ، وبصره برفع الراء ، هكذا الرواية فيه باتفاق الحفاظ وأهل الضبط . قال صاحب الأفعال : يقال : شق بصر الميت وشق الميت بصره إذا شخص ( فرع ) فيما يقال عند الميت وما يقوله من مات له قريب أو صاحب عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=9879إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون قالت فلما مات nindex.php?page=showalam&ids=233أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن nindex.php?page=showalam&ids=233أبا سلمة قد مات . قال : قولي اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة فقلت ، فأعقبني الله من هو لي خير منه محمدا صلى الله عليه وسلم } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . هكذا : " المريض أو الميت " على الشك ، وهو في سنن أبي داود وغيره ( الميت ) من غير شك . وعنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34694ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته واخلف له خيرا منها . قالت : فلما توفي nindex.php?page=showalam&ids=233أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله تعالى لي خيرا منه ، رسول الله صلى الله عليه وسلم } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . وعن nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=10570إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم ، فيقول قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم ، فيقول : فماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع ، فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد } " رواه الترمذي وقال : حديث حسن . وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة { nindex.php?page=hadith&LINKID=6014أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى : ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
( فرع ) nindex.php?page=treesubj&link=25357يجوز لأهل الميت وأصدقائه تقبيل وجهه ، ثبتت فيه الأحاديث ، وصرح به الدارمي في الاستذكار والسرخسي في الأمالي .
[ ص: 112 ] فرع ) قد ذكرنا فيما سبق أنه يستحب للمريض الصبر . قال أصحابنا : nindex.php?page=treesubj&link=27686ويكره له كثرة الشكوى ، فلو سأله طبيب أو قريب له أو صديق أو نحوهم عن حاله فأخبره بالشدة التي هو فيها ، لا على صورة الجزع فلا بأس . قال المتولي : nindex.php?page=treesubj&link=27687ويكره له التأوه والأنين ، وكذا قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب وصاحب الشامل وغيرهما من أصحابنا أنه يكره له الأنين ، لأن nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوسا رحمه الله كرهه . وهذا الذي قالوه من الكراهة ضعيف أو باطل فإن المكروه هو الذي ثبت فيه نهي مقصود ولم يثبت في هذا نهي ، بل في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن القاسم قال " { nindex.php?page=hadith&LINKID=26272قالت عائشة : وارأساه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أنا وارأساه } " فالصواب أنه لا كراهة فيه ، ولكن الاشتغال بالتسبيح ونحوه أولى ، فلعلهم أرادوا بالمكروه هذا .