الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما المرأة فإنها تكفن في خمسة أثواب : إزار وخمار وثلاثة أثواب . وهل يكون أحد الثلاثة درعا ؟ فيه قولان : ( أحدهما ) : أن أحدها درع لما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم ناول أم عطية رضي الله عنها في كفن ابنته أم كلثوم إزارا ودرعا وخمارا وثوبين ملآء } " والثاني " أنه لا يكون فيها درع ; لأن القميص إنما تحتاج إليه المرأة لتستتر به في تصرفها والميت لا يتصرف ، فإن قلنا : لا درع فيها أزرت وخمرت بخمار وتدرج في ثلاثة أثواب . وإذا قلنا فيها درع أزرت بإزار ، وتلبس الدرع وتخمر بخمار وتدرج في ثوبين . قال الشافعي رحمه الله : ويشد على صدرها ثوب ليضم ثيابها فلا تنتشر ، وهل يحل عنها الثوب عند الدفن ؟ فيه وجهان . قال أبو العباس : يدفن معها وعليه يدل كلام الشافعي فإنه ذكر أنه يشد ولم يذكر أنه يحل . وقال أبو إسحاق : ينحى عنها في القبر ، وهو الأصح ; لأنه ليس من جملة الكفن ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) الحديث المذكور رواه أبو داود بإسناده عن ليلى بنت قانف بالنون المكسورة وبعدها فاء ، الثقفية الصحابية رضي الله عنها قالت { : كنت فيمن غسل بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر ، قالت : ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند [ ص: 162 ] الباب معه كفنها يناولنا ثوبا ثوبا } إسناده حسن إلا رجلا لا أتحقق . وقد رواه أبو داود فلم يضعفه ، وقوله " ثوبين ملآء " بضم الميم وبالمد وتخفيف اللام " والحقا " بكسر الحاء وتخفيف القاف ، يقال له الحقو والحقو ، بكسر الحاء وفتحها ، والحقا والإزار والمئزر . وأما قوله " الملحفة والثوب ، إن أدرجت فيه فهما المراد بقوله ثوبين ملآء " أي : غير ملفقين ، بل كل واحد منهما قطعة واحدة ، واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يستحب تكفين المرأة في خمسة أثواب . وأن الرجل يكفن في ثلاثة ولا يستحب الزيادة ، ويجوز إلى خمسة بلا كراهة ، ويكره مجاوزة الخمسة في الرجل والمرأة ، والخنثى كالمرأة . ذكره جماعة من أصحابنا . قال إمام الحرمين : قال الشيخ أبو علي رحمه الله : وليس استحباب الخمسة في حقها متأكدا كتأكد الثلاثة في حق الرجل : قال الإمام : ، وهذا متفق عليه . هذا حكم كفنها المستحب .

                                      وأما الواجب ففيه الوجهان السابقان في أول الباب ( أحدهما ) : ثوب ساتر لجميع البدن ( وأصحهما ) : ساتر العورة وهي جميع بدن الحرة إلا وجهها وكفيها ، وبهذا قطع الماوردي في كفن المرأة . قال أصحابنا : وإذا كفن الرجل والمرأة في ثلاثة فهي لفائف وإن كفن الرجل في خمسة فثلاث لفائف وقميص وعمامة ويجعلان تحت اللفائف ، وقد سبق بيان هذا .

                                      وإن كفنت في خمسة فقولان ( أحدهما ) : إزار وخمار وثلاث لفائف ( والثاني ) : إزار وخمار ودرع وهو القميص ولفافتان ، وهذان القولان مشهوران وقد ذكرهما المزني في المختصر : فقال أحب أن يكون أحد الخمسة درعا لما رأيت فيه من فعل العلماء ، وقد قاله الشافعي مرة ثم خط عليه ، هذا كلام المزني رحمه الله ، فأشار إلى القولين وسماها جماعة من الخراسانيين قديما وجديدا فجعلوا القديم استحباب الدرع والجديد عدمه . قالوا : والقديم هنا هو الأصح ، وهي من المسائل التي يفتى فيها على القديم وقال الشيخ أبو حامد في تعليقه والمحاملي في التجريد : المعروف للشافعي في عامة كتبه أن فيها درعا وهو القميص قالا : وذكر المزني أن الشافعي [ ص: 163 ] رحمه الله كان يذهب إلى القديم ثم خط عليه ، قال المحاملي : ولا تعرف هذه الرواية إلا من المزني فالمسألة على قولين : ( أصحهما ) : أن فيها درعا ، هذا كلام المحاملي ، واتفق الأصحاب على أنه يستحب فيها الدرع ، وقطع به جماعة . وأما من قال : إن هذا مما يفتى به على القديم فغير مقبول ; لأن هذا القديم يوافقه معظم الجديد ، كما ذكره الشيخ أبو حامد والمحاملي وغيرهما ، ومن قال : لا درع . يحتاج إلى جواب عن الحديث ، ولعله يحمله على بيان الجواز ويكون اعتماده على القياس على الرجل ، فإنه لا يستحب فيه القميص بلا خلاف إذا كان ثلاثة . والخمسة في المرأة كالثلاثة في الرجل .

                                      وإذا كفن الرجل والمرأة في ثلاث لفائف فوجهان ( أحدهما ) : يستحب كونها متفاوتة ، فالسفلى تأخذ سرته وركبته وما بينهما ، والثانية من عنقه إلى كعبه ، والثالثة تستر جميع البدن ( والثاني ) : وهو الصحيح وقطع به إمام الحرمين والغزالي وجماعة تكون متساوية في الطول والعرض ، يستوعب كل واحدة منها جميع البدن قالوا : ولا فرق في التكفين في ثلاثة أثواب بين الرجل والمرأة وإنما يفترقان في الخمسة كما سبق . وإذا كفنت المرأة في خمسة قال الشافعي يشد على صدرها ثوب ليضم أكفانها فلا تنتشر ، واتفق الأصحاب عليه واختلفوا في المراد به فقال أبو إسحاق المروزي : هو ثوب سادس ويحل عنها إذا وضعت في القبر قال : والمراد بالثوب خرقة تربط لتجمع الأكفان . وقال أبو العباس بن سريج : هو أحد الأثواب الخمسة وترك عليها في القبر كباقي الخمسة ، واتفق الأصحاب على أن قول أبي إسحاق هو الصحيح . هكذا ذكروا صورة الوجهين : ، وخلاف أبي العباس وأبي إسحاق ، وممن ذكره هكذا شيخ الأصحاب أبو حامد والبندنيجي والماوردي وأبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ وإمام الحرمين والباقون .

                                      وعبارة المصنف ليست صريحة في هذا فتتأول عليه . قال أصحابنا رحمهم الله : وأما ترتيب الخمسة فإن قلنا بقول أبي إسحاق وقلنا بالقميص وهو الدرع شد عليها المئزر ثم القميص ثم الخمار ثم تلف في لفافتين ثم يشد الثوب السادس وينحى في القبر . وإن قلنا : لا قميص . أزرت [ ص: 164 ] ثم خمرت ثم تلف في اللفائف الثلاث ثم يشد الثوب السادس . وأما على ابن سريج فإن قلنا بالقميص شد المئزر ثم الدرع ثم الخمار ثم يشد عليها الشداد ثم تلف في لفافة سابغة وهي الثوب الخامس فيكون الشداد مستورا وإن قلنا : لا قميص شد المئزر ثم الخمار ثم تلف في لفافة سابغة ثم يشد الشداد ثم تلف في الخامس وهو أسبغها ، وهذا الترتيب هكذا على التفصيل الذي ذكرناه مستحب باتفاق الأصحاب ، فلو خولف أجزأ وفاتت الفضيلة والحديث الذي ذكرناه ظاهر في استحبابه ، ولو قال المصنف : أزرت ثم قمصت ثم خمرت ثم لفت في لفافتين بحرف " ثم " لكان أحسن كما جاء في الحديث وذكره الأصحاب قال أصحابنا : وإذا قلنا بقول أبي العباس ترك الثوب الذي هو الشداد في القبر ولكنه يحل ; لأنه لا يترك في القبر شيء معقود ، وقد نص الشافعي في الأم في باب الدفن على حل عقد الثياب والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية