الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 475 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فإن اختلفت أوقات الزرع ، ففي ضم بعضها إلى بعض أربعة أقوال : ( أحدها ) : أن الاعتبار بوقت الزراعة ، فكل زرعين زرعا في فصل واحد من صيف أو شتاء أو ربيع أو خريف ضم بعضه إلى بعض ; لأن الزراعة هي الأصل والحصاد فرع ، فكان اعتبار الأصل أولى ( والثاني ) : أن الاعتبار بوقت الحصاد ، فإذا اتفق حصادهما في فصل ضم أحدهما إلى الآخر ; لأنه حالة الوجوب فكان اعتباره أولى ، ( والثالث ) : يعتبر أن تكون زراعتهما في فصل واحد ، وحصادهما في فصل [ واحد ] ; لأن في زكاة المواشي والأثمان يعتبر الطرفان ، فكذلك ههنا ، ( والرابع ) : يعتبر أن يكون من زراعة عام واحد ، كما قلنا في الثمار ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : هذه الأقوال مشهورة ، وقد اختصر المصنف المسألة جدا وهي مبسوطة في كتب الأصحاب ، وقد جمعها الرافعي رحمه الله تعالى ولخص متفرق كلام الأصحاب فيها ، فقال : لا يضم زرع عام إلى زرع عام آخر في إكمال النصاب بلا خلاف ، واختلاف أوقات الزراعة لضرورة التدريج ، كمن يبتدئ الزراعة ، ويستمر فيها شهرا أو شهرين لا يقدح ، بل كله زرع واحد ، ويضم بعضه إلى بعض بلا خلاف ، ثم الشيء قد يزرع في السنة مرارا كالذرة تزرع في الخريف والربيع والصيف ، ففي ضم بعضها إلى بعض عشرة أقوال أكثرها منصوصة ، أصحها عند الأكثرين : إن وقع الحصادان في سنة واحدة ضم وإلا فلا .

                                      وممن صححه البندنيجي ، ( والثاني ) : إن وقع الزرعان والحصادان في سنة ضم وإلا فلا ، واجتماعهما في سنة أن يكون بين زرع الأول وحصد الثاني أقل من اثني عشر شهرا عربية كذا قاله إمام الحرمين والبغوي ، ( والرابع ) : إن وقع الزرعان والحصادان في سنة أو زرع الثاني وحصد الأول في سنة ضم وإلا فلا ، وهذا ضعيف عند الأصحاب .

                                      ( والخامس ) : الاعتبار بجميع السنة أحد الطرفين ، إما الزرعين أو الحصادين .

                                      ( والسادس ) : إن وقع الحصادان في فصل واحد ضم وإلا فلا . [ ص: 476 ] والسابع ) : إن وقع الزرعان في فصل واحد ضم وإلا فلا .

                                      ( والثامن ) : إن وقع الزرعان والحصادان في فصل واحد ضم وإلا فلا ، والمراد بالفصل : أربعة أشهر .

                                      ( التاسع ) : أن المزروع بعد حصد الأول لا يضم كحملي شجرة .

                                      ( والعاشر ) خرجه أبو إسحاق : أن ما بعد زرع سنة يضم ولا أثر لاختلاف الزرع والحصاد ، قال : ولا أعني بالسنة اثني عشر شهرا ، فإن الزرع لا يبقى هذه المدة ، وإنما أعنى بها ستة أشهر إلى ثمانية . هذا كله إذا كان زرع الثاني بعد حصد الأول ، فلو كان زرع الثاني بعد اشتداد حب الأول ففيه طريقان : ( أصحهما ) : أنه على هذا الخلاف ( والثاني ) : القطع بالضم لاجتماعهما في الحصول في الأرض . ولو وقع الزرعان معا أو على التواصل المعتاد ، ثم أدرك أحدهما ، والآخر بعل لم ينعقد حبه فطريقان : ( أصحهما ) : القطع بالضم ( والثاني ) : أنه على الخلاف لاختلافهما في وقت الوجوب ، بخلاف ما لو تأخر بدو صلاح بعض الثمار ، فإنه يضم إلى ما بدأ فيه الصلاح بلا خلاف ; لأن الثمرة الحاصلة هي متعلق الزكاة بعينها والمنتظر فيها صفة الثمرة ، وهنا متعلق الزكاة الحب ولم يخلق بعد ، وإنما الموجود حشيش محض . قال الشافعي رضي الله عنه : الذرة تزرع مرة ، فتخرج فتحصد ، ثم تستخلف في بعض المواضع ، فتحصد أخرى فهو زرع واحد ، وإن تأخرت حصدته الثانية .

                                      واختلف الأصحاب في مراده على ثلاثة أوجه : ( أحدها ) : مراده إذا سنبل واشتدت فانتثر بعض حباتها بنفسها ، أو بنقر العصافير أو بهبوب الرياح فنبتت الحبات المنتثرة في تلك السنة مرة أخرى وأدركت ، ( والثاني ) : مراده إذا نبتت والتفت وعلا بعض طاقاتها فغطى البعض وبقي المغطى أخضر تحت العالي ، فإذا حصد العالي أصابت الشمس الأخضر فأدرك ، ( والثالث ) مراده الذرة الهندية ، فإنها تحصد سنابلها ، ويبقى سوقها ، فتخرج سنابل أخر . [ ص: 477 ] ثم اختلفوا في الصور الثلاث بحسب اختلافهم في المراد بالنص ، واتفق الجمهور على أن هذا النص قطع منه بالضم ، وليس تفريعا على بعض الأقوال العشرة السابقة ، فذكروا في الصورة الأولى طريقين : ( أحدهما ) : القطع بالضم ، ( والثاني ) : أنه على الأقوال في الزرعين المختلفين في الوقت ، ومقتضى كلام الغزالي والبغوي ترجيح هذا وفي الصورة الثانية أيضا طريقان : ( أصحهما ) : القطع بالضم ، ( والثاني ) : على الخلاف . وفي الثالثة طرق ( أصحها ) : القطع بالضم ، والثاني : القطع بعدم الضم ، والثالث : على الخلاف . هذا آخر نقل الرافعي وقد أحسن وأجاد في تلخيصها . قال الدارمي وغيره : إذا قال المالك : هذان زرعا سنتين فقال الساعي : بل سنة ، فالقول قول المالك فإن اتهمه الساعي حلفه استحبابا قولا واحدا ، وهو كما قالوه ; لأن الأصل عدم الوجوب ، والذي يدعيه ليس مخالفا للظاهر ، فكانت اليمين مستحبة ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية