الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن ملك مائتي شاة فعجل عنها وعما يتوالد من سخالها أربع شياه ، فتوالدت وصارت أربعمائة أجزأه زكاة المائتين وفي زكاة السخال وجهان : ( أحدهما ) لا يجوز ; لأنه تقديم زكاة على النصاب .

                                      ( والثاني ) يجوز ; لأن السخال جعلت كالموجودة في الحول في وجوب زكاتها فجعلت كالموجودة في تعجيل زكاتها ، وإن ملك أربعين شاة فعجل عنها شاة ، ثم توالدت أربعين سخلة وماتت الأمهات وبقيت السخال فهل يجزئه ما أخرج عن الأمهات من زكاة السخال ؟ فيه وجهان : ( أحدهما ) لا يجزئه ; لأنه عجل الزكاة عن غير السخال ، فلا يجزئه عن زكاة السخال .

                                      ( والثاني ) يجزئه ; لأنه لما كان حول الأمهات حول السخال كانت زكاة الأمهات زكاة السخال ، وإن اشترى بمائتي درهم عرضا للتجارة فأخرج منها زكاة أربعمائة درهم ثم حال الحول - والعرض يساوي أربعمائة - [ ص: 116 ] أجزأه ; لأن الاعتبار في زكاة التجارة بآخر الحول ، والدليل عليه أنه لو ملك سلعة تساوي مائة فحال الحول - وهي تساوي مائتين - وجبت فيها الزكاة ، وإن ملك مائة وعشرين شاة ، فعجل عنها شاة ثم نتجت شاة سخلة قبل الحول ، لزمته شاة أخرى . وكذلك لو ملك مائتي شاة فأخرج شاتين ، ثم نتجت شاة سخلة أخرى قبل الحول ، لزمته شاة أخرى ; لأن المخرج كالباقي على ملكه ، ولهذا يسقط به الفرض عن الحول ، فجعل كالباقي على ملكه في إيجاب الفرض ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قوله : الأمهات ، هذه إحدى اللغتين فيها ، والأصح والأشهر الأمات بحذف الهاء ، وفي الآدميات الأمهات بالهاء أفصح ، وقد سبق بيان هذا في أوائل كتاب الزكاة ، ( وقوله ) : ملك سلعة تساوي مائة أي ملكها للتجارة وقوله : ( نتجت ) ، هو بضم النون وكسر التاء أي ولدت ، وقوله : ( سخلة ) منصوب مفعول ثان لنتجت .

                                      ( أما أحكام الفصل ) فقال أصحابنا : إذا ملك نصابا فعجل زكاة نصابين ، فإن كان ذلك في التجارة بأن اشترى عرضا للتجارة بمائتين فعجل زكاة أربعمائة فحال الحول وهو يساوي أربعمائة أجزأه عن زكاة الجميع ، هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور ، وقيل في المائتين الزائدتين الوجهان كمسألة السخال ، حكاه الدارمي والرافعي وغيرهما . وإن كانت زكاة عين بأن ملك مائتي درهم وتوقع حصول مائتين أيضا من جهة أخرى فعجل زكاة أربعمائة فحصل له المائتان الأخريان لم يجزئه ما أخرجه عن الحادث بلا خلاف ، وإن توقع النصاب الثاني من نفس الذي عنده بأن ملك مائة وعشرين شاة ، فعجل شاتين ، ثم حدثت سخلة أو ملك مائتي شاة فعجل أربعا فتوالدت وبلغت أربعمائة ، أو عجل شاتين وله خمس من الإبل فتوالدت وبلغت عشرا فهل يجزئه ما أخرج عن النصاب الذي كمل الآن ؟ فيه وجهان مشهوران ذكر المصنف دليلهما . قال الرافعي ( أصحهما ) عند الأكثرين من العراقيين وغيرهم لا يجزئه .



                                      ولو عجل شاة عن أربعين فهلكت الأمات بعد أن ولدت أربعين سخلة فهل يجزئه ما أخرج من السخال ؟ فيه وجهان ، وذكر المصنف دليلهما ( والأصح ) في الجميع المنع وجمع الدارمي في مسألتي الربح [ ص: 117 ] والنتاج أربعة أوجه : ( أحدها ) جواز تعجيل زكاة النصاب الثاني فيهما .

                                      ( والثاني ) المنع .

                                      ( والثالث ) يجوز في الربح دون النتاج .

                                      ( والرابع ) عكسه . قال صاحب البيان : ولو عجل شاة عن خمسة أبعرة فهلكت الأبعرة قبل الحول وعنده أربعون شاة فأراد أن يجعل الشاة المعجلة عنها فقد أومأ ابن الصباغ فيه إلى وجهين ، ( قلت ) : الصواب أنها لا تجزئ . قال الماوردي : إذا ملك عرضا بمائتي درهم ، فعجل زكاة ألف عنها وعن ربحها فباعها عن الحول بألف أجزأه المعجل عن الألف . قال : فإن باعها في أثناء الحول بألف - فإن قلنا : يستأنف للربح حولا ، لم يجزئه التعجيل عن الربح ; لأنه ليس بتابع الأصل .

                                      ( وإن قلنا ) : يبني على حول الأصل ، أجزأه المعجل عن الجميع ; لأنه تبع . قال : ولو ملك ألفا فعجل زكاته فتلف ثم ملك ألفا آخر ، لم يجزئه المعجل عن زكاة الألف الثاني ; لأنه تعجيل قبل الملك ، ولو كان له ألفان متميزان فعجل زكاة ألف ثم تلف أحد الألفين ، أجزأه المعجل عن زكاة الألف الآخر ; لأنه موجود حال التعجيل . والله أعلم .



                                      أما إذا ملك مائة وعشرين شاة فعجل عنها شاة ، ثم ولدت شاة منها قبل الحول ، أو ملك مائتي شاة فعجل شاتين عنها ، ثم ولدت شاة منها قبل الحول فيلزمه شاة أخرى بلا خلاف عندنا ; لما ذكره المصنف ، وقال أبو حنيفة : لا يلزمه شاة أخرى ، والخلاف بيننا وبينه مبني على أصل وهو أن عندنا المعجل كالباقي على ملك الدافع في شيئين : ( أحدهما ) في إجزائه عند انقضاء الحول . ( والثاني ) في ضمه على المال وتكميل النصاب به ، وعند أبي حنيفة ليس له حكم الباقي على ملكه . قال أصحابنا : فلو كانت المعجلة معلوفة في هاتين الصورتين ، أو كان المالك اشتراها وأخرجها ، وليست من نفس النصاب لم يجب شاة أخرى ; لأن المعلوفة والمشتراة لا يتم بهما النصاب . وإن جاز إخراجهما عن الزكاة ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية