الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ويجوز nindex.php?page=treesubj&link=3088_3089_3090_3086لرب المال أن يفرق زكاة الأموال الباطنة بنفسه . وهي الذهب والفضة وعروض التجارة والركاز ; لما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه أنه قال في المحرم : " هذا شهر زكاتكم فمن كان عنده دين فليقض دينه ثم ليزك بقية ماله " ويجوز أن يوكل من يفرق ; لأنه حق مال فجاز أن يوكل في أدائه كدين الآدميين . ويجوز أن تدفع إلى الإمام ; لأنه نائب عن الفقراء . فجاز الدفع إليه كولي اليتيم . وفي الأفضل ثلاثة أوجه : ( أحدها ) أن الأفضل أن يفرق بنفسه . وهو ظاهر النص ; لأنه على ثقة من أدائه . وليس على ثقة من أداء غيره .
( والثاني ) أن الأفضل أن يدفع إلى الإمام عادلا كان أو جائرا ; لما روي أن nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة قال لمولى له وهو على أمواله بالطائف : " كيف تصنع في صدقة مالي ؟ قال : منها ما أتصدق به ، ومنها ما أدفع إلى السلطان . فقال : وفيم أنت من ذاك ؟ فقال : إنهم يشترون بها الأرض ويتزوجون بها النساء . فقال : ادفعها إليهم . فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن ندفعها إليهم " ولأنه أعرف بالفقراء وقدر حاجاتهم . ومن أصحابنا من قال : إن كان عادلا فالدفع إليه أفضل وإن كان جائرا فتفرقته بنفسه [ ص: 135 ] أفضل . لقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=24886 : فمن سألها على وجهها فليعطها ومن سئل فوقه فلا يعطه } ; ولأنه على ثقة من أدائه إلى العادل . وليس على ثقة من أدائه إلى الجائر ; لأنه ربما صرفه في شهواته .
( فأما ) الأموال الظاهرة وهي الماشية والزروع والثمار والمعادن ففي زكاتها قولان : ( قال في القديم ) : يجب دفعها إلى الإمام ، فإن فرقها بنفسه لزمه الضمان ; لقوله عز وجل { nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103 : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } ; ولأنه مال للإمام فيه حق المطالبة ، فوجب الدفع إليه كالخراج والجزية .
( وقال في الجديد ) : يجوز أن يفرقها بنفسه ; لأنها زكاة فجاز أن يفرقها بنفسه كزكاة المال الباطن ) .
( الشرح ) : الأثر المذكور عن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان صحيح ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في سننه الكبير في كتاب الزكاة في باب الدين مع الصدقة بإسناد صحيح عن الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=256السائب بن يزيد الصحابي أنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان خطيبا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هذا شهر زكاتكم فمن كان منكم عليه دين فليقض دينه حتى تخلص أموالكم فتؤدوا منها الزكاة " قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الصحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=11931أبي اليمان عن nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب ، وينكر على nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي هذا القول ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يذكره في صحيحه هكذا ، وإنما ذكر عن nindex.php?page=showalam&ids=256السائب بن يزيد أنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزد على هذا ، ذكره في كتاب الاعتصام في ذكر المنبر ، وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري كما ذكرته ، ومقصود nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري به إثبات المنبر ، وكأن nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي أراد أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري روى أصله لا كله . والله أعلم . وأما حديث المغيرة فرواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في السنن الكبير بإسناد فيه ضعف يسير ، وسمى في روايته مولى المغيرة فقال : هو هنيد يعني - بضم الهاء . وهو هنيد الثقفي مولى المغيرة ، وأما الحديث الآخر " فمن سئلها على حقها " فهو صحيح في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، لكن المصنف غيره هنا . وفي أول باب صدقة الإبل ، وقد سبق بيانه هناك ، وقد جاءت أحاديث وآثار في هذا المعنى ، منها عن nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=17544جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن أناسا [ ص: 136 ] من المصدقين يأتوننا فيظلموننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرضوا مصدقيكم } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=5191أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله ؟ فقال : نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله : ولك أجرها ، وإثمها على من بدلها } رواه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل في مسنده . وعن nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال : " اجتمع عندي نفقة فيها صدقة - يعني بلغت نصاب الزكاة - فسألت nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبا هريرة nindex.php?page=showalam&ids=44وأبا سعيد الخدري أن أقسمها أو أدفعها إلى السلطان فأمروني جميعا أن أدفعها إلى السلطان ما اختلف علي منهم أحد ، وفي رواية فقلت لهم : " هذا السلطان يفعل ما ترون فأدفع إليهم زكاتي ؟ فقالوا كلهم : نعم فادفعها " رواهما الإمامnindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور في مسنده . وعن جابر بن عتيك الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=20476 : سيأتيكم ركب مبغضون ، فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون فإن عدلوا فلأنفسهم ، وإن ظلموا فعليها ، وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم وليدعوا لكم } رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وقال : إسناده مختلف . وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما قال : " ادفعوا صدقاتكم إلى من ولاه الله أمركم فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها " رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناد صحيح أو حسن .
وعن قزعة مولى زياد ابن أبيه أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : " ادفعوا إليهم وإن شربوا بها الخمر " رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناد صحيح أو حسن .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : وروينا في هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة رضي الله عنهم . ومما جاء في تفريقها بنفسه ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناد عن أبي سعيد المقبري واسمه كيسان قال : " جئت nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمائتي درهم فقلت : يا أمير المؤمنين هذه زكاة مالي قال : وقد عتقت ؟ قلت : [ ص: 137 ] نعم ، قال : اذهب بها أنت فاقسمها " والله أعلم . وأما قول المصنف : لأنه حق مال فاحترز من الصلاة ونحوها .
( وقوله ) : لأنه مال للإمام فيه حق المطالبة احتراز من دين الآدمي .
( أما أحكام الفصل ) ففيه مسائل : ( إحداها ) قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى : nindex.php?page=treesubj&link=3086_3087للمالك أن يفرق زكاة ماله الباطن بنفسه ، وهذا لا خلاف فيه ، ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين ، والأموال الباطنة هي الذهب والفضة والركاز وعروض التجارة وزكاة الفطر ، وفي زكاة الفطر وجه أنها من الأموال الظاهرة ، حكاه صاحب البيان وجماعة ، ونقله صاحب الحاوي عن الأصحاب ثم اختار لنفسه أنها باطنة ، وهذا هو المذهب وبه قطع جمهور الأصحاب منهم القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والمحاملي في كتابيه وصاحب الشامل والبغوي وخلائق ، وهو ظاهر نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وهو المشهور ، وبه قطع الجمهور ، ذكر أكثرهم المسألة في باب زكاة الفطر ، قال أصحابنا : وإنما كانت عروض التجارة من الأموال الباطنة وإن كانت ظاهرة ، لكونها لا تعرف للتجارة أم لا ، فإن العروض لا تصير للتجارة إلا بشروط سبقت في بابها ، والله أعلم .
( وأما ) الأموال الظاهرة وهي الزروع والمواشي والثمار والمعادن ففي جواز تفريقها بنفسه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما : ( أصحهما ) وهو الجديد جوازه ، ( والقديم ) منعه ووجوب دفعها إلى الإمام أو نائبه ، وسواء كان الإمام عادلا أو جائرا يجب الدفع إليه ، على هذا القول ; لأنه مع الجور نافذ الحكم ، وهذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور . وحكى البغوي وغيره وجها أنه لا يجب الصرف إليه إن كان جائرا على هذا القول ، لكن يجوز . وحكى الحناطي والرافعي وجها أنه لا يجوز الدفع إلى الجائر مطلقا وبهذا الوجه جزم الماوردي في آخر باب نية الزكاة ، قال : وسواء كان جائرا في الزكاة وغيرها ، أو جائرا فيها ، يصرفها في غير مصارفها عادلا في غيرها ، وهذا الوجه ضعيف جدا بل غلط وهو مردود بما سبق من الأحاديث والآثار ، وكذا الوجه الذي حكاه البغوي ضعيف أيضا . قال أصحابنا : وعلى هذا القول القديم لو فرق بنفسه لم يجزئه ، وعليه دفعها ثانيا إلى الإمام [ ص: 138 ] أو نائبه ، قالوا : وعليه أن ينتظر بها مجيء الساعي ويؤخرها ما دام يرجوه ، فإذا أيس منه فرقها بنفسه وأجزأته ; لأنه موضع ضرورة .