الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمهم الله : ( فإن كان الذي يفرق الزكاة هو الإمام قسمها على ثمانية أسهم ( سهم ) للعامل ، وهو أول ما يبتدئ به ; لأنه يأخذه على وجه العوض ، وغيره يأخذه على [ وجه ] المواساة ، فإذا كان السهم قدر أجرته دفعه إليه ، وإن كان أكثر من أجرته رد الفضل على الأصناف ، وقسمه على سهامهم ، وإن كان أقل من أجرته تمم ، ومن أين يتمم ؟ قال الشافعي : يتمم من سهم المصالح ، ولو قيل : يتمم من حق سائر الأصناف لم يكن به بأس ، فمن أصحابنا من قال : فيه قولان : ( أحدهما ) يتمم من حق سائر الأصناف ; لأنه يعمل لهم ، فكانت أجرته عليهم .

                                      ( والثاني ) يتمم من سهم المصالح ; لأن الله تعالى جعل لكل صنف سهما ، فلو قسمنا ذلك الأصناف ، ونقصنا حقهم فضلنا العامل عليهم ، ومن أصحابنا من قال : الإمام بالخيار ، إن شاء تممه من سهم المصالح ، وإن شاء من سهامهم ; لأنه يشبه الحاكم ; لأنه يستوفي فيه حق الغير على وجه الأمانة ، ويشبه الأجير فخير بين حقيهما ، ومنهم من قال : إن كان [ قد ] بدأ بنصيبه فوجده ينقص تمم من سهامهم ، وإن كان بدأ بسهام الأصناف فأعطاهم ثم وجد منهم العامل ينقص تممه من سهم المصالح ; لأنه يشق عليه استرجاع ما دفع إليهم ، ومنهم من قال : إن فضل عن قدر حاجة الأصناف شيء تمم من الفضل ، فإن لم يفضل عنهم شيء تمم من سهم المصالح ، والصحيح هو الطريق الأول ، ويعطي الحاشر والعريف من سهم العامل ، لأنهم من جملة العمال ، وفي أجرة الكيال وجهان ، قال أبو علي بن أبي هريرة : هي على رب المال ; لأنها تجب للإيفاء ، والإيفاء حق على رب المال ، فكانت أجرته عليه ، وقال [ ص: 168 ] أبو إسحاق : تكون من الصدقة لأنا لو أوجبنا ذلك على رب المال زدنا على الفرض الذي وجب عليه في الزكاة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : إذا أراد الإمام قسم الزكاة ، فإن لم يكن ثم عامل بأن دفعها إليه أرباب الأموال فرقها على باقي الأصناف ، وسقط نصيب العامل ، ووجب صرف جميعها إلى الباقين من الأصناف ، كما لو فقد صنف آخر ، وإن كان هناك عامل بدأ الإمام بنصيب العامل ، لما ذكره المصنف ، وهذه البداءة مستحبة ليست بواجبة بلا خلاف . قال أصحابنا : وينبغي للإمام وللساعي إذا فوض إليه تفريق الزكوات أن يعتني بضبط المستحقين ، ومعرفة أعدادهم ، وقدر حاجاتهم واستحقاقهم ، بحيث يقع الفراغ من جميع الزكوات بعد معرفة ذلك أو معه ، ليتعجل وصول حقوقهم إليهم ، وليأمن من هلاك المال عنده . قال أصحابنا : ويستحق العامل قدر أجرة عمله قل أو كثر ، هذا المتفق عليه فإن كان نصيبه من قدر أجرته فقط أخذه . وإن كان أكثر من أجرته أخذ أجرته والباقي للأصناف بلا خلاف ; لأن الزكاة منحصرة في الأصناف ، فإذا لم يبق للعامل فيها حق تعين الباقي للأصناف ، وإن كان أقل من أجرته وجب إتمام أجرته بلا خلاف ، ومن أين يتمم ؟ فيه هذه الطرق الأربعة التي ذكرها المصنف ( الصحيح ) منها عند المصنف والأصحاب أنها على قولين ( أصحهما ) يتمم من سهام بقية الأصناف وهذا الخلاف إنما هو جواز التتميم من سهام بقية الأصناف .

                                      ( وأما ) بيت المال فيجوز التتميم منه بلا خلاف ، بل قال أصحابنا لو رأى الإمام أن يجعل أجرة العامل كلها من بيت المال ويقسم جميع الزكوات على بقية الأصناف جاز ; لأن بيت المال لمصالح المسلمين ، وهذا من المصالح . صرح بهذا كله صاحب الشامل وآخرون ، ونقل الرافعي اتفاق الأصحاب عليه ، والله أعلم . قال أصحابنا : ويعطي الحاشر والعريف والحاسب والكاتب والجابي والقسام وحافظ المال من سهم العامل ، لأنهم من العمال . ومعناه [ ص: 169 ] أنهم يعطون من السهم المسمى باسم العامل ، وهو ثمن الزكاة لأنهم يزاحمون العامل في أجرة مثله . قال أصحابنا : والحاشر هو الذي يجمع أرباب الأموال ، والعريف هو كالنقيب للقبيلة ، وهو الذي يعرف الساعي أهل الصدقات إذا لم يعرفهم : قال أصحابنا : ولا حق في الزكاة للسلطان ، ولا لولي الإقليم ولا للقاضي ، بل رزقهم إذا لم يتطوعوا من بيت المال في خمس الخمس المرصد للمصالح ; لأن عملهم عام في مصالح جميع المسلمين ، بخلاف عامل الزكاة ، قال أصحابنا : وإذا لم تقع الكفاية بعامل واحد أو كاتب واحد أو حاسب أو حاشر ونحوه ، زيد في العدد بقدر الحاجة ، وفي أجرة الكيال والوزان وعاد الغنم وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) عند الأصحاب أنها على رب المال ، وهذا الخلاف في الكيال والوزان والعاد الذي يميز نصيب الأصناف [ من نصيب رب المال . فأما الذي يميز بين الأصناف ] فأجرته من سهم العامل بلا خلاف ، وممن نقل الاتفاق عليه صاحب البيان ، قال : ومؤنة إحضار الماشية ليعدها العامل تجب على رب المال ; لأنها للتمكين من الاستيفاء ، قال : وأجرة حافظ الزكاة وناقلها والبيت الذي تحفظ فيه الزكاة على أهل السهمان ومعناه أنها تؤخذ من جملة مال الزكاة قال : ويجوز أن يكون الحافظ والناقل هاشميا ومطلبيا بلا خلاف ، لأنه أجير محض . وذكر صاحب المستظهري في أجرة راعي أموال الزكاة بعد قبضها وحافظها وجهين : ( أصحهما ) وبه قطع صاحب العدة تجب في جملة الزكاة .

                                      ( والثاني ) تجب في سهم العامل خاصة . والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية