الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فإن دفع الإمام الزكاة إلى من ظاهره الفقر ثم بان أنه غني لم يجزئ ذلك عن الفرض . فإن كان باقيا استرجع ودفع إلى فقير ، وإن كان فانيا أخذ البدل وصرفه إلى فقير ، فإن لم يكن للمدفوع إليه مال لم يجب على رب المال ضمانه ; لأنه سقط عنه الفرض بالدفع إلى الإمام ولا يجب على الإمام ; لأنه أمين غير مفرط فهو كالمال الذي تلف في يد الوكيل ، وإن كان الذي دفع [ إليه ] رب المال فإن لم يبين عند الدفع أنه زكاة لم يكن له أن يرجع ; لأنه قد يدفع عن زكاة واجبة وعن تطوع [ ص: 224 ] فإذا ادعى الزكاة كان متهما فلم يقبل قوله ، ويخالف الإمام فإن الظاهر من حاله أنه لا يدفع إلا الزكاة فثبت له الرجوع ، وإن كان قد بين أنها زكاة رجع فيها إن كانت باقية وفي بدلها إن كانت فانية فإن لم يكن للمدفوع [ إليه ] مال فهل يضمن رب المال الزكاة ؟ فيه قولان : ( أحدهما ) لا يضمن ; لأنه دفع [ إليه ] بالاجتهاد فهو كالإمام .

                                      ( والثاني ) يضمن ; لأنه كان يمكنه أن يسقط الفرض بيقين بأن يدفعه إلى الإمام فإذا فرق بنفسه فقد فرط فلزمه الضمان بخلاف الإمام ، وإن دفع الزكاة إلى رجل ظنه مسلما فكان كافرا أو إلى رجل ظنه حرا فكان عبدا فالمذهب أن حكمه حكم ما لو دفع إلى رجل ظنه فقيرا فكان غنيا . ومن أصحابنا من قال : يجب الضمان ههنا قولا واحدا ; لأن حال الكافر والعبد لا يخفى فكان مفرطا في الدفع إليهما ، وحال الغني قد يخفى فلم يكن مفرطا ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : إذا دفع رب المال الزكاة إلى الإمام ودفعها الإمام إلى من ظاهره الفقر فبان غنيا لم يجز عن الزكاة فيسترجع منه المدفوع ، سواء بين الإمام حال الدفع أنها زكاة أم لا ، والظاهر من الإمام أنه لا يدفع تطوعا ولا يدفع إلا واجبا من زكاة واجبة أو كفارة أو نذر أو غير ذلك فإن تلف فبدله ويصرف إلى غيره فإن تعذر الاسترجاع من القابض لم يجب الضمان على الإمام ولا على رب المال لما ذكره المصنف وإن بان المدفوع إليه عبدا أو كافرا أو هاشميا أو مطلبيا فلا ضمان على رب المال . وهل يجب على الإمام ؟ فيه ثلاثة طرق ( أصحها ) فيه قولان ( أصحهما ) لا ضمان عليه ( والثاني ) يضمن .

                                      ( والطريق الثاني ) يضمن قطعا لتفريطه ، فإن هؤلاء لا يخفون إلا بإهمال ( والثالث ) لا يضمن قطعا ; لأنه أمين ولم يتعمد . هذا كله إذا فرق الإمام ، فلو فرق رب المال فبان المدفوع إليه غنيا لم يجز عن الفرض ، فإن لم يكن بين أنها زكاة لم يرجع وإن بين رجع في عينها ، فإن تلفت ففي بدلها ، فإذا قبضه صرفه إلى فقير آخر فإن ، تعذر الاسترجاع فهل يجب الضمان والإخراج ثانيا على المالك ؟ فيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) وهو الجديد يجب ( والقديم ) لا يجب ، والقولان جاريان سواء بين وتعذر الاسترجاع أم لم يبين ومنعنا الاسترجاع . [ ص: 225 ] ولو دفع رب المال إلى من ظنه مستحقا فبان عبدا أو كافرا أو هاشميا أو مطلبيا وجب الاسترجاع . فإن استرجع أخرجه إلى فقير آخر ، فإن تعذر الاسترجاع فطريقان مشهوران ، ذكر المصنف دليلهما ( المذهب ) أنها لا تجزئه ويلزمه الإخراج ثانيا . ولو دفع إليه سهم الغازي والمؤلف فبان امرأة فهو كمن بان عبدا . ذكره القاضي أبو الفتوح . وحكاه صاحب البيان عنه . قال البغوي وغيره : وحكم الكفارة وزكاة الفطر فيما لو بان المدفوع إليه غير مستحق حكم الزكاة في جميع ما ذكرناه ، وإذا كان المدفوع إليه عبدا تعلق الغرم بذمته لا برقبته . ذكره البغوي والرافعي وغيرهما ; لأنه وجب عليه برضى مستحقه ، والقاعدة أن ما لزمه برضى مستحقه تعلق بذمته لا برقبته ، والله تعالى أعلم .




                                      الخدمات العلمية