الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن nindex.php?page=treesubj&link=3264وجبت عليه الزكاة وتمكن من أدائها فلم يفعل حتى مات وجب قضاء ذلك من تركته ; لأنه حق مال لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كدين الآدمي فإن اجتمع الزكاة ودين الآدمي ولم يتسع المال للجميع ففيه ثلاثة أقوال : ( أحدها ) يقدم دين الآدمي ; لأن مبناه على التشديد والتأكيد ، وحق الله تعالى مبني على التخفيف ، ولهذا لو وجب عليه قتل قصاص وقتل ردة ، قدم قتل القصاص .
( والثاني ) تقدم الزكاة ; لقوله صلى الله عليه وسلم في الحج : { nindex.php?page=hadith&LINKID=24091فدين الله أحق أن يقضى } .
( والثالث ) يقسم بينهما ; لأنهما تساويا في الوجوب فتساويا في القضاء [ وبالله التوفيق ] ) .
( الشرح ) هذا الحديث في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما في الصوم { nindex.php?page=hadith&LINKID=10928أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ قال : نعم ، قال : فدين الله أحق أن يقضى } . وقول المصنف : ( حق مال ) احتراز من الصلاة ، وقوله : ( لزمه في حال الحياة ) احتراز ممن مات قبل الحول . [ ص: 226 ] أما أحكام الفصل ) فمن وجبت عليه زكاة وتمكن من أدائها فمات قبل أدائها عصى ووجب إخراجها من تركته عندنا بلا خلاف ، وبه قال جمهور العلماء ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : تسقط عنه الزكاة بالموت ، وهو مذهب عجيب ، فإنهم يقولون : الزكاة تجب على التراخي وتسقط بالموت ، وهذا طريق إلى سقوطها . ودليلنا ما ذكره المصنف . وإذا nindex.php?page=treesubj&link=28190_3265اجتمع في تركة الميت دين لله تعالى ودين للآدمي ، كزكاة وكفارة ونذر وجزاء صيد وغير ذلك ، فيه ثلاثة أقوال مشهورة ذكرها المصنف بأدلتها ( أصحها ) يقدم دين الله تعالى ( والثاني ) دين الآدمي ( والثالث ) يستويان فتوزع عليهما بنسبتهما . وحكى بعض الخراسانيين طريقا آخر في الزكاة المتعلقة بالعين تقدم قطعا ، وإنما الأقوال في الكفارات وغيرها مما يسترسل في الذمة مع حقوق الآدمي ، وقد تكون الزكاة من هذا القبيل بأن يكون له مال فيتلف بعد الحول والإمكان ، ثم يموت وله تركة فالزكاة هنا متعلقة بالذمة ففيها الأقوال . وأجابوا عن حجة من قدم دين الآدمي وقياسه على قتل الردة وقطع السرقة بأنه إنما قدمنا حق الآدمي هناك لاندراج حق الله تعالى في ضمنه وحصول مقصوده ، وهو إعدام نفس المرتد ويد السارق وقد حصل بخلاف الديون ; ولأن الحدود مبنية على الدرء والإسقاط ، بخلاف حقوق الله تعالى المالية . والله تعالى أعلم .
: ( فرع ) في مسائل تتعلق بالباب ( إحداها ) قال nindex.php?page=showalam&ids=14669الصيمري وصاحب البيان حكاية عنه : كان nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه في القديم يسمي nindex.php?page=treesubj&link=2702_2691_2693_2847_2897_2686ما يؤخذ من الماشية صدقة ومن المعشرات عشرا ومن النقدين زكاة فقط ، ثم رجع عنه في الجديد وقال : يسمى الجميع صدقة وزكاة . وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بابا في قسم الصدقات من سننه ترجمته ( باب الأغلب على أفواه العامة ) أن في التمر العشر وفي الماشية الصدقة وفي الورق الزكاة . قال : وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كله صدقة . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : والعرب تقول : له صدقة وزكاة ومعناهما عندهم واحد . ثم ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي رحمه الله تعالى حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري عن رسول [ ص: 227 ] الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=33924ليس فيما دون خمس ذود صدقة ، ولا فيما دون خمس أواق صدقة ، ولا فيما دون خمس أوسق صدقة } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم . وحديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=34673ما من رجل يموت فيترك غنما أو إبلا أو بقرا لم يؤد زكاتها إلا جاءت أعظم ما تكون تطؤه بأظلافها } الحديث رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم . وحديث عتاب بن أسيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في زكاة الكرم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=43742يخرص كما يخرص النخل ، ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى من زكاة النخل تمرا } وهذا الحديث سبق بيانه في أول زكاة الثمار ، فهذه الأحاديث كلها تبطل القول بالفرق . والله تعالى أعلم .
. ( الثانية ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=3124_3256_23852دفع المالك أو غيره الزكاة إلى المستحق ، ولم يقل : هي زكاة ولا تكلم بشيء أصلا أجزأه ووقع زكاة ، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور ، وقد صرح بالمسألة إمام الحرمين في باب تعجيل الزكاة وآخرون وهي مفهومة من تفاريع الأصحاب وكلامهم ، وفي كلام المصنف في هذا الباب وغيره مواضع كثيرة مصرحة بذلك .
( منها ) قوله في هذا الفصل الأخير : إذا دفع الزكاة إلى من ظاهره الفقر فبان - غنيا فإن لم يبين عند الدفع أنها زكاة - لم يرجع ، واستعمل مثل هذا في مواضع من باب تعجيل الزكاة وغيره ، وكذلك الأصحاب . وقال القاضي أبو القاسم بن كج في آخر قسم الصدقات من كتابه التجريد : إذا دفع الزكاة إلى الإمام أو الفقير لا يحتاج أن يقول بلسانه شيئا قال : وقال nindex.php?page=showalam&ids=12535أبو علي بن أبي هريرة : لا بد من أن يقول بلسانه كالهبة ، وهذا ليس بشيء ، فنبهت عليه ; لئلا يغتر به ، والله تعالى أعلم . قال صاحب البحر : لو دفع الزكاة إلى فقير ، والدافع غير عارف بالمدفوع بأن كان مشدودا في خرقة ونحوها لا يعلم جنسه وقدره ، [ ص: 228 ] وتلف في يد المسكين ففي سقوط الزكاة احتمالان ; لأن معرفة القابض لا تشترط ، فكذا معرفة الدافع هذا كلامه ( والأظهر ) الإجزاء .
( الثالثة ) قال الغزالي في الإحياء : nindex.php?page=treesubj&link=26564_3247يسأل الآخذ دافع الزكاة عن قدرها ، فيأخذ بعض الثمن بحيث يبقى من الثمن ما يدفعه إلى اثنين من صنفه ، فإن دفع إليه الثمن بكامله حرم عليه أخذه ، قال : وهذا السؤال واجب في أكثر الناس ، فإنهم لا يراعون هذا ، إما لجهل ، وإما لتساهل ، وإنما يجوز ترك السؤال عن مثل هذا إذا لم يغلب على الظن احتمال التحريم .
( الرابعة ) الأفضل nindex.php?page=treesubj&link=23851_23455في الزكاة إظهار إخراجها ; ليراه غيره فيعمل عمله ولئلا يساء الظن به ، وهذا كما أن الصلاة المفروضة يستحب إظهارها ، وإنما يستحب الإخفاء في نوافل الصلاة والصوم .
( الخامسة ) قال الدارمي في الاستذكار : إذا nindex.php?page=treesubj&link=26991_3247أخر تفريق الزكاة إلى السنة الثانية فمن كان فقيرا أو مسكينا أو غارما أو مكاتبا من سنته إلى السنة الثانية ، خصوا بصدقة الماضي ، وشاركوا غيرهم في الثانية ، فيعطون من صدقة العاملين ، ومن كان غازيا أو ابن سبيل أو مؤلفا لم يخصوا بشيء .
( السادسة ) لا يجوز nindex.php?page=treesubj&link=2825_2846_24601_24607_2990دفع القيمة في شيء من الزكوات إلا في مواضع مخصوصة سبق بيانها في آخر باب زكاة الغنم . والله تعالى أعلم .