[ ص: 196 ] باب المواقيت قال المصنف رحمه الله تعالى ( المدينة ميقات أهل ذو الحليفة ، وميقات أهل الشام الجحفة ، وميقات أهل نجد قرن ، وميقات أهل اليمن يلملم ، لما روى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عبد الله بن عمر المدينة من ذي الحليفة ، وأهل الشام من الجحفة ، وأهل نجد من قرن } قال : يهل أهل رضي الله عنهما : { ابن عمر اليمن من يلملم وأهل الشام من الجحفة } ( وأما ) أهل وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يهل أهل العراق فميقاتهم ذات عرق ، وهل هو منصوص عليه ؟ أو مجتهد فيه ؟ قال رحمه الله في الأم : هو غير منصوص عليه ووجهه ما روي عن الشافعي قال { ابن عمر رضي الله عنه قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل عمر نجد قرن ، وإنا إذا أردنا أن نأتي قرن شق علينا ، قال : فانظروا حذوها من طريقكم قال : فحد لهم ذات عرق } ومن أصحابنا من قال : هو منصوص عليه ومذهبه ما ثبتت به السنة ، والدليل عليه ما روى : لما فتح المصران أتوا قال { جابر بن عبد الله ذات عرق } وروت : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يهل أهل المشرق من رضي الله عنها { عائشة العراق ذات عرق } قال أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل رحمه الله : ولو أهل أهل المشرق من الشافعي العقيق كان أحب إلي ; لأنه روي عن قال : { ابن عباس العقيق } ولأنه أبعد من وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق ذات عرق فكان أفضل ) . .
- مواقيت الحج لأهلها ولكل من مر بها من غير أهلها
- سلك طريقا لا ميقات فيه من بر أو بحر
- ميقات من كانت داره فوق الميقات
- فرع الفرق بين ميقات الزمان والمكان
- ميقات من كان داره دون الميقات
- مر الآفاقي بالميقات غير مريد نسكا
- من كان من أهل مكة وأراد الحج
- كان بمكة مستوطنا أو عابر سبيل وأراد العمرة
- فرع من أراد الإحرام بالحج من مكة
- من بلغ الميقات مريدا للنسك
- نذر الإحرام من موضع فوق الميقات
- من كان من أهل مكة فخرج لإحرام الحج إلى أدنى الحل وأحرم
التالي
السابق
( الشرح ) حديث الأول رواه ابن عمر البخاري من طرق هكذا ، وروياه من رواية ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم { ابن عباس المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ، قال : هن لهن ولكل من أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة ، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة } " هذا لفظ رواية وقت لأهل البخاري وفي رواية لهما : [ ص: 197 ] { ومسلم مكة يهلون منها } ( وأما ) حديث فمن كان دونهن فمهله من أهله ، وكذلك حتى أهل الثاني : { ابن عمر المصران } إلخ فرواه لما فتح في صحيحه . البخاري
( وأما ) حديث في جابر ذات عرق فضعيف ، رواه في صحيحه ، لكنه قال في روايته عن مسلم أنه { أبي الزبير يسأل عن المهل فقال : سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : مهل أهل جابرا العراق من ذات عرق } فهذا إسناد صحيح ، لكنه لم يجزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يثبت رفعه بمجرد هذا ، ورواه سمع من رواية ابن ماجه إبراهيم بن يزيد الجوزي - بضم الجيم المعجمة - بإسناده عن مرفوعا بغير شك لكن جابر الجوزي ضعيف لا يحتج بروايته ، ورواه الإمام في مسنده عن أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك أيضا ، لكنه من رواية جابر وهو ضعيف . وعن الحجاج بن أرطاة أن النبي صلى الله عليه وسلم { عائشة العراق ذات عرق } رواه وقت لأهل أبو داود والنسائي وغيرهم بإسناد صحيح ، لكن نقل والدارقطني ابن عدي أن أنكر على أحمد بن حنبل أفلح بن حميد روايته هذه ، وانفراده به أنه ثقة وعن قال { ابن عباس العقيق } رواه : وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق أبو داود والترمذي وقال : حديث [ ص: 198 ] حسن ، وليس كما قال ، فإنه من رواية يزيد بن زياد وهو ضعيف باتفاق المحدثين . وعن الحارث بن عمرو السهمي الصحابي رضي الله عنه { العراق ذات عرق } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل أبو داود
عن عن النبي صلى الله عليه وسلم { عطاء ذات عرق } رواه أنه وقت لأهل المشرق الشافعي بإسناد حسن . وعن والبيهقي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، عطاء من كبار التابعين ، وقد قدمنا في مقدمة هذا الشرح أن مذهب وعطاء الاحتجاج بمرسل كبار التابعين إذا اعتضد بأحد أربعة أمور ( منها ) أن يقول به بعض الصحابة أو أكثر العلماء ، وهذا قد اتفق على العمل به الصحابة ومن بعدهم ، قال الشافعي : هذا هو الصحيح من رواية البيهقي أنه رواه مرسلا ، قال : قد رواه عطاء عن الحجاج بن أرطاة وغيره متصلا ، عطاء ظاهر الضعف ، فهذا ما يتعلق بأحاديث الباب . والحجاج
( وأما ) ألقاب الفصل وألفاظه ، ( فقوله ) ذو الحليفة هو - بضم الحاء المهملة وبالفاء - وهو موضع معروف بقرب المدينة بينه وبينها نحو ستة أميال ، وقيل : غير ذلك ، وبينه وبين مكة نحو عشر مراحل فهو أبعد المواقيت من مكة ( وأما ) الجحفة فبجيم مضمومة ثم حاء مهملة ساكنة - ويقال لها : مهيعة - بفتح الميم والياء مع سكون الهاء بينهما - وهي قرية كبيرة بين مكة والمدينة على نحو ثلاث مراحل من مكة سميت جحفة ; لأن السيل جحفها في الزمن الماضي .
( وأما ) يلملم - بفتح الياء المثناة تحت ، واللامين - وقيل له : ألملم - بفتح الهمزة - وحكي صرفه وترك صرفه وهو على مرحلتين من مكة ( وأما ) قرن - فبفتح القاف وإسكان الراء - بلا خلاف بين أهل الحديث واللغة والتواريخ وغيرهم ، وهو جبل بينه وبين مكة مرحلتان ، ويقال له : قرن المبارك ( وأما ) قول : إنه بفتح الراء وأن [ ص: 199 ] الجوهري منسوب إليه فغلط باتفاق العلماء ، فقد اتفقوا على أنه غلط فيه في شيئين فتح رائه ونسبة أويسا القرني أويس إليه وإنما هو منسوب رضي الله عنه إلى قرن قبيلة من مراد بلا خلاف بين أهل المعرفة ، وقد ثبت في صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { مسلم أويس بن عامر من مراد ثم من قرن } ( وقوله ) صلى الله عليه وسلم : " يهل " معناه يحرم برفع الصوت .
( وأما ) ذات عرق - فبكسر العين المهملة - وهي قرية على مرحلتين من مكة ، وقد خربت .
( وأما ) العقيق فقال الإمام أبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة : يقال لكل مسيل ماء شقه السيل فأنهره ووسعه عقيق ، قال : وفي بلاد العرب أربعة أعقة وهي أودية عادية ( منها ) عقيق يدفق ماؤه في غور تهامة ، وهو الذي ذكره فقال : لو أهلوا من الشافعي العقيق كان أحب إلي ( وقوله ) : لما فتح المصران - يعني البصرة والكوفة - ومعنى فتحا نشآ أو أنشئا ، فإنهما أنشئا في زمن رضي الله عنه فهما مدينتان إسلاميتان ، وقد أوضحتهما في تهذيب اللغات . أما الأحكام فقد قال عمر بن الخطاب وغيره : أجمع العلماء على هذه المواقيت . قال أصحابنا : ابن المنذر زماني ومكاني ( أما ) الزماني فسبق بيانه واضحا في الباب الذي قبل هذا ( وأما ) المكاني فالناس فيه ضربان : ( أحدهما ) ميقات الحج والعمرة بمكة مكيا كان أو غيره ، وفي ميقات الحج في حقه وجهان ، وغيره قولان : ( أصحهما ) نفس المقيم مكة ، وهو ما كان داخلا منها ، ( والثاني ) مكة وسائر الحرم ، وقال البندنيجي : دليل الأصح حديث السابق لأن ابن عباس مكة والحرم في الحرمة سواء على الصحيح ، فعلى الأول لو فارق بنيان مكة وأحرم في الحرم فهو مسيء يلزمه الدم إن لم يعد ، كمجاوزة سائر المواقيت ، وعلى الثاني حيث أحرم في الحرم لا إساءة . [ ص: 200 ] أما ) إذا أحرم خارج الحرم فمسيء بلا خلاف ، فيأثم ويلزمه الدم إلا أن يعود قبل الوقوف بعرفات إلى مكة على الأصح أو إلى الحرم على الثاني .
قال أصحابنا : ويجوز الإحرام من كل موضع من مكة بلا خلاف ، لعموم حديث وفي الأفضل قولان ، وقيل : وجهان : ( أحدهما ) أن يتهيأ للإحرام ويحرم من المسجد قريبا من ابن عباس ، الكعبة ، إما تحت الميزاب وإما في غيره ( وأصحهما ) أن الأفضل أن يحرم من باب داره ، ويأتي المسجد محرما ، وبه قطع البغوي وغيره لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : { } ( وأما ) ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ فهو كغيره ، لكن يستحب له الإحرام بالحج يوم التروية ، وهو الثامن من ذي الحجة ، وقد سبق بيانه واضحا في الباب قبل . الميقات الزماني للمكي
( الضرب الثاني ) وهو صنفان : ( أحدهما ) من مسكنه بين الميقات غير المكي ومكة ، فميقاته القرية التي يسكنها أو الحلة التي ينزلها البدوي ، فإن أحرم بعد مجاوزتها إلى مكة فمسيء بلا خلاف ، ودليله حديث ( الصنف الثاني ) من مسكنه فوق الميقات الشرعي ، ويسمى هذا الأفقي بضم الهمزة وفتحها - فيجب عليه الإحرام من ميقات بلده ، ابن عباس خمسة : ( أحدها ) والمواقيت الشرعية ذو الحليفة وهو ميقات من توجه من المدينة ( والثاني ) الجحفة ميقات المتوجهين من الشام ومصر والمغرب ، هكذا قال الأصحاب ، وأهمل المصنف ذكر مصر والمغرب مع أنه ذكر مصر في التنبيه ( الثالث ) يلملم ميقات المتوجهين ، من اليمن ( الرابع ) قرن ميقات المتوجهين من نجد اليمن ونجد الحجاز ، هكذا قاله في المختصر والأصحاب ، [ ص: 201 ] ولم ينبه الشافعي المصنف على إيضاحه ( الخامس ) ذات عرق ميقات المتوجهين من العراق وخراسان .
قال أصحابنا : والمراد بقولنا : ميقات اليمن يلملم ، أي ميقات تهامة اليمن لا كل اليمن ، فإن اليمن تشمل نجدا وتهامة ، قال أصحابنا وغيرهم : والأربعة الأولى من هذه الخمسة نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا خلاف ، وهذا مجمع عليه للأحاديث ، وفي ذات عرق وجهان ذكرهما المصنف وسائر الأصحاب : ( أحدهما ) وهو نص في الأم كما ذكره الشافعي المصنف وغيره ، أنه مجتهد فيه ، اجتهد فيه رضي الله عنه لحديث عمر السابق : { ابن عمر } ( والثاني ) وهو الصحيح عند جمهور أصحابنا أنه منصوص عليه من النبي صلى الله عليه وسلم وممن صرح بتصحيحه لما فتح المصران في تعليقه ، الشيخ أبو حامد والمحاملي في كتابيه المجموع والتجريد ، وصاحب الحاوي ، واختاره في تعليقه وصاحب الشامل وغيرهما ، قال القاضي أبو الطيب الرافعي : وإليه ميل الأكثرين . ورجح جماعة كونه مجتهدا فيه ، منهم القاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهما ، وقطع به الغزالي في الوسيط ، قال إمام الحرمين : الصحيح أن وقته قياسا على عمر قرن ويلملم ، قال : والذي عليه التعويل أنه باجتهاد وذكر عمر في تعليقه أن قول القاضي أبو الطيب قد اختلف في الشافعي ذات عرق ، فقال في موضع : هو منصوص عليه ، وفي موضع ليس منصوصا عليه ، وممن قال : إنه مجتهد فيه من السلف طاوس وابن سيرين وأبو الشعثاء . وحكاه جابر بن زيد وغيره عنهم ، وممن قال من السلف : إنه منصوص عليه ، البيهقي وغيره . وحكاه عطاء بن أبي رباح ابن الصباغ عن وأصحاب أحمد . أبي حنيفة
( واحتج ) من قال : إنه مجتهد فيه بحديث : " لما فتح المصران " ( واحتج ) القائلون بأنه منصوص عليه بالأحاديث السابقة فيه [ ص: 202 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة ، فمجموعها يقوي بعضه بعضا ، ويصير الحديث حسنا ، ويحتج به ، ويحمل تحديد ابن عمر رضي الله عنه باجتهاده على أنه لم يبلغه تحديد النبي صلى الله عليه وسلم فحدده باجتهاده فوافق النص ، وكذا قال عمر في أحد نصيه السابقين : إنه مجتهد فيه ، لعدم ثبوت الحديث عنده ، وقد اجتمعت طرقه عند غيره فقوي وصار حسنا ، والله أعلم . الشافعي
قال في المختصر الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب : لو أحرم أهل المشرق من العقيق كان أفضل ، وهو واد وراء ذات عرق مما يلي المشرق ، وقال أصحابنا : والاعتماد في ذلك على ما في العقيق من الاحتياط ، قيل : وفيه سلامة من التباس وقع في ذات عرق لأن ذات عرق قرية خربت وحول بناؤها إلى جهة مكة ، فالاحتياط الإحرام قبل موضع بنائها الآن ، قالوا : ويجب على من أتى من جهة العراق أن يتحرى ويطلب آثار القرية العتيقة . ويحرم حين ينتهي إليها ، قال : ومن علاماتها المقابر القديمة ، فإذا انتهى إليها أحرم ، واستأنس الشافعي المصنف والأصحاب في ذلك مع ما ذكرناه من الاحتياط بحديث توقيت العقيق السابق ، والله أعلم .
( فرع ) قال أصحابنا : لا تشترط ، بل الواجب عينها أو حذوها ، قالوا : ويستحب أن يحرم من أول الميقات ، وهو الطرف الأبعد من أعيان ، هذه المواقيت مكة حتى لا يمر بشيء مما يسمى ميقاتا غير محرم ، قال أصحابنا : ولو أحرم من الطرف الأقرب إلى مكة جاز بلا خلاف لحصول الاسم .
( فرع ) قال أصحابنا : بتلك المواضع لا باسم القرية والبناء ، فلو خرب بعضها ونقلت عمارته إلى موضع آخر قريب منه وسمي باسم الأول لم يتغير الحكم ، بل الاعتبار بموضع الأول . الاعتبار في هذه المواقيت الخمسة
( وأما ) حديث في جابر ذات عرق فضعيف ، رواه في صحيحه ، لكنه قال في روايته عن مسلم أنه { أبي الزبير يسأل عن المهل فقال : سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : مهل أهل جابرا العراق من ذات عرق } فهذا إسناد صحيح ، لكنه لم يجزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يثبت رفعه بمجرد هذا ، ورواه سمع من رواية ابن ماجه إبراهيم بن يزيد الجوزي - بضم الجيم المعجمة - بإسناده عن مرفوعا بغير شك لكن جابر الجوزي ضعيف لا يحتج بروايته ، ورواه الإمام في مسنده عن أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك أيضا ، لكنه من رواية جابر وهو ضعيف . وعن الحجاج بن أرطاة أن النبي صلى الله عليه وسلم { عائشة العراق ذات عرق } رواه وقت لأهل أبو داود والنسائي وغيرهم بإسناد صحيح ، لكن نقل والدارقطني ابن عدي أن أنكر على أحمد بن حنبل أفلح بن حميد روايته هذه ، وانفراده به أنه ثقة وعن قال { ابن عباس العقيق } رواه : وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق أبو داود والترمذي وقال : حديث [ ص: 198 ] حسن ، وليس كما قال ، فإنه من رواية يزيد بن زياد وهو ضعيف باتفاق المحدثين . وعن الحارث بن عمرو السهمي الصحابي رضي الله عنه { العراق ذات عرق } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل أبو داود
عن عن النبي صلى الله عليه وسلم { عطاء ذات عرق } رواه أنه وقت لأهل المشرق الشافعي بإسناد حسن . وعن والبيهقي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، عطاء من كبار التابعين ، وقد قدمنا في مقدمة هذا الشرح أن مذهب وعطاء الاحتجاج بمرسل كبار التابعين إذا اعتضد بأحد أربعة أمور ( منها ) أن يقول به بعض الصحابة أو أكثر العلماء ، وهذا قد اتفق على العمل به الصحابة ومن بعدهم ، قال الشافعي : هذا هو الصحيح من رواية البيهقي أنه رواه مرسلا ، قال : قد رواه عطاء عن الحجاج بن أرطاة وغيره متصلا ، عطاء ظاهر الضعف ، فهذا ما يتعلق بأحاديث الباب . والحجاج
( وأما ) ألقاب الفصل وألفاظه ، ( فقوله ) ذو الحليفة هو - بضم الحاء المهملة وبالفاء - وهو موضع معروف بقرب المدينة بينه وبينها نحو ستة أميال ، وقيل : غير ذلك ، وبينه وبين مكة نحو عشر مراحل فهو أبعد المواقيت من مكة ( وأما ) الجحفة فبجيم مضمومة ثم حاء مهملة ساكنة - ويقال لها : مهيعة - بفتح الميم والياء مع سكون الهاء بينهما - وهي قرية كبيرة بين مكة والمدينة على نحو ثلاث مراحل من مكة سميت جحفة ; لأن السيل جحفها في الزمن الماضي .
( وأما ) يلملم - بفتح الياء المثناة تحت ، واللامين - وقيل له : ألملم - بفتح الهمزة - وحكي صرفه وترك صرفه وهو على مرحلتين من مكة ( وأما ) قرن - فبفتح القاف وإسكان الراء - بلا خلاف بين أهل الحديث واللغة والتواريخ وغيرهم ، وهو جبل بينه وبين مكة مرحلتان ، ويقال له : قرن المبارك ( وأما ) قول : إنه بفتح الراء وأن [ ص: 199 ] الجوهري منسوب إليه فغلط باتفاق العلماء ، فقد اتفقوا على أنه غلط فيه في شيئين فتح رائه ونسبة أويسا القرني أويس إليه وإنما هو منسوب رضي الله عنه إلى قرن قبيلة من مراد بلا خلاف بين أهل المعرفة ، وقد ثبت في صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { مسلم أويس بن عامر من مراد ثم من قرن } ( وقوله ) صلى الله عليه وسلم : " يهل " معناه يحرم برفع الصوت .
( وأما ) ذات عرق - فبكسر العين المهملة - وهي قرية على مرحلتين من مكة ، وقد خربت .
( وأما ) العقيق فقال الإمام أبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة : يقال لكل مسيل ماء شقه السيل فأنهره ووسعه عقيق ، قال : وفي بلاد العرب أربعة أعقة وهي أودية عادية ( منها ) عقيق يدفق ماؤه في غور تهامة ، وهو الذي ذكره فقال : لو أهلوا من الشافعي العقيق كان أحب إلي ( وقوله ) : لما فتح المصران - يعني البصرة والكوفة - ومعنى فتحا نشآ أو أنشئا ، فإنهما أنشئا في زمن رضي الله عنه فهما مدينتان إسلاميتان ، وقد أوضحتهما في تهذيب اللغات . أما الأحكام فقد قال عمر بن الخطاب وغيره : أجمع العلماء على هذه المواقيت . قال أصحابنا : ابن المنذر زماني ومكاني ( أما ) الزماني فسبق بيانه واضحا في الباب الذي قبل هذا ( وأما ) المكاني فالناس فيه ضربان : ( أحدهما ) ميقات الحج والعمرة بمكة مكيا كان أو غيره ، وفي ميقات الحج في حقه وجهان ، وغيره قولان : ( أصحهما ) نفس المقيم مكة ، وهو ما كان داخلا منها ، ( والثاني ) مكة وسائر الحرم ، وقال البندنيجي : دليل الأصح حديث السابق لأن ابن عباس مكة والحرم في الحرمة سواء على الصحيح ، فعلى الأول لو فارق بنيان مكة وأحرم في الحرم فهو مسيء يلزمه الدم إن لم يعد ، كمجاوزة سائر المواقيت ، وعلى الثاني حيث أحرم في الحرم لا إساءة . [ ص: 200 ] أما ) إذا أحرم خارج الحرم فمسيء بلا خلاف ، فيأثم ويلزمه الدم إلا أن يعود قبل الوقوف بعرفات إلى مكة على الأصح أو إلى الحرم على الثاني .
قال أصحابنا : ويجوز الإحرام من كل موضع من مكة بلا خلاف ، لعموم حديث وفي الأفضل قولان ، وقيل : وجهان : ( أحدهما ) أن يتهيأ للإحرام ويحرم من المسجد قريبا من ابن عباس ، الكعبة ، إما تحت الميزاب وإما في غيره ( وأصحهما ) أن الأفضل أن يحرم من باب داره ، ويأتي المسجد محرما ، وبه قطع البغوي وغيره لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : { } ( وأما ) ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ فهو كغيره ، لكن يستحب له الإحرام بالحج يوم التروية ، وهو الثامن من ذي الحجة ، وقد سبق بيانه واضحا في الباب قبل . الميقات الزماني للمكي
( الضرب الثاني ) وهو صنفان : ( أحدهما ) من مسكنه بين الميقات غير المكي ومكة ، فميقاته القرية التي يسكنها أو الحلة التي ينزلها البدوي ، فإن أحرم بعد مجاوزتها إلى مكة فمسيء بلا خلاف ، ودليله حديث ( الصنف الثاني ) من مسكنه فوق الميقات الشرعي ، ويسمى هذا الأفقي بضم الهمزة وفتحها - فيجب عليه الإحرام من ميقات بلده ، ابن عباس خمسة : ( أحدها ) والمواقيت الشرعية ذو الحليفة وهو ميقات من توجه من المدينة ( والثاني ) الجحفة ميقات المتوجهين من الشام ومصر والمغرب ، هكذا قال الأصحاب ، وأهمل المصنف ذكر مصر والمغرب مع أنه ذكر مصر في التنبيه ( الثالث ) يلملم ميقات المتوجهين ، من اليمن ( الرابع ) قرن ميقات المتوجهين من نجد اليمن ونجد الحجاز ، هكذا قاله في المختصر والأصحاب ، [ ص: 201 ] ولم ينبه الشافعي المصنف على إيضاحه ( الخامس ) ذات عرق ميقات المتوجهين من العراق وخراسان .
قال أصحابنا : والمراد بقولنا : ميقات اليمن يلملم ، أي ميقات تهامة اليمن لا كل اليمن ، فإن اليمن تشمل نجدا وتهامة ، قال أصحابنا وغيرهم : والأربعة الأولى من هذه الخمسة نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا خلاف ، وهذا مجمع عليه للأحاديث ، وفي ذات عرق وجهان ذكرهما المصنف وسائر الأصحاب : ( أحدهما ) وهو نص في الأم كما ذكره الشافعي المصنف وغيره ، أنه مجتهد فيه ، اجتهد فيه رضي الله عنه لحديث عمر السابق : { ابن عمر } ( والثاني ) وهو الصحيح عند جمهور أصحابنا أنه منصوص عليه من النبي صلى الله عليه وسلم وممن صرح بتصحيحه لما فتح المصران في تعليقه ، الشيخ أبو حامد والمحاملي في كتابيه المجموع والتجريد ، وصاحب الحاوي ، واختاره في تعليقه وصاحب الشامل وغيرهما ، قال القاضي أبو الطيب الرافعي : وإليه ميل الأكثرين . ورجح جماعة كونه مجتهدا فيه ، منهم القاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهما ، وقطع به الغزالي في الوسيط ، قال إمام الحرمين : الصحيح أن وقته قياسا على عمر قرن ويلملم ، قال : والذي عليه التعويل أنه باجتهاد وذكر عمر في تعليقه أن قول القاضي أبو الطيب قد اختلف في الشافعي ذات عرق ، فقال في موضع : هو منصوص عليه ، وفي موضع ليس منصوصا عليه ، وممن قال : إنه مجتهد فيه من السلف طاوس وابن سيرين وأبو الشعثاء . وحكاه جابر بن زيد وغيره عنهم ، وممن قال من السلف : إنه منصوص عليه ، البيهقي وغيره . وحكاه عطاء بن أبي رباح ابن الصباغ عن وأصحاب أحمد . أبي حنيفة
( واحتج ) من قال : إنه مجتهد فيه بحديث : " لما فتح المصران " ( واحتج ) القائلون بأنه منصوص عليه بالأحاديث السابقة فيه [ ص: 202 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة ، فمجموعها يقوي بعضه بعضا ، ويصير الحديث حسنا ، ويحتج به ، ويحمل تحديد ابن عمر رضي الله عنه باجتهاده على أنه لم يبلغه تحديد النبي صلى الله عليه وسلم فحدده باجتهاده فوافق النص ، وكذا قال عمر في أحد نصيه السابقين : إنه مجتهد فيه ، لعدم ثبوت الحديث عنده ، وقد اجتمعت طرقه عند غيره فقوي وصار حسنا ، والله أعلم . الشافعي
قال في المختصر الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب : لو أحرم أهل المشرق من العقيق كان أفضل ، وهو واد وراء ذات عرق مما يلي المشرق ، وقال أصحابنا : والاعتماد في ذلك على ما في العقيق من الاحتياط ، قيل : وفيه سلامة من التباس وقع في ذات عرق لأن ذات عرق قرية خربت وحول بناؤها إلى جهة مكة ، فالاحتياط الإحرام قبل موضع بنائها الآن ، قالوا : ويجب على من أتى من جهة العراق أن يتحرى ويطلب آثار القرية العتيقة . ويحرم حين ينتهي إليها ، قال : ومن علاماتها المقابر القديمة ، فإذا انتهى إليها أحرم ، واستأنس الشافعي المصنف والأصحاب في ذلك مع ما ذكرناه من الاحتياط بحديث توقيت العقيق السابق ، والله أعلم .
( فرع ) قال أصحابنا : لا تشترط ، بل الواجب عينها أو حذوها ، قالوا : ويستحب أن يحرم من أول الميقات ، وهو الطرف الأبعد من أعيان ، هذه المواقيت مكة حتى لا يمر بشيء مما يسمى ميقاتا غير محرم ، قال أصحابنا : ولو أحرم من الطرف الأقرب إلى مكة جاز بلا خلاف لحصول الاسم .
( فرع ) قال أصحابنا : بتلك المواضع لا باسم القرية والبناء ، فلو خرب بعضها ونقلت عمارته إلى موضع آخر قريب منه وسمي باسم الأول لم يتغير الحكم ، بل الاعتبار بموضع الأول . الاعتبار في هذه المواقيت الخمسة