قال المصنف - رحمه الله تعالى ( فإن كره لما روى زاد على الثلاث عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم { عمرو بن شعيب } ) . توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال : هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم
التالي
السابق
( الشرح ) أما حديث هذا فصحيح رواه عمرو بن شعيب أحمد بن حنبل وأبو داود وغيرهم بأسانيد صحيحة . وليس في رواية أحد من هؤلاء قوله : ( أو نقص ) إلا رواية والنسائي أبي داود فإنه ثابت فيها ، وليس في رواياتهم تصريح بمسح الرأس ثلاثا ، وقد قدمت في الفصول السابقة في مقدمة الكتاب أن جمهور المحدثين صححوا الاحتجاج برواية عن أبيه عن جده ، وأن عمرو بن شعيب المصنف قطع في كتابه اللمع بأنه لا يحتج به لاحتمال [ ص: 467 ] الإرسال وبينت سبب الاختلاف فيه هناك واضحا . وأن الصحيح جواز الاحتجاج به . واختلف أصحابنا في معنى : " أساء وظلم " فقيل : أساء في النقص وظلم في الزيادة فإن الظلم مجاوزة الحد ووضع الشيء في غير موضعه ، وقيل عكسه لأن الظلم يستعمل بمعنى النقص كقوله تعالى : { آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا } وقيل : أساء وظلم في النقص وأساء وظلم أيضا في الزيادة ، واختاره الشيخ لأنه ظاهر الكلام ويدل عليه رواية الأكثرين فمن زاد فقد أساء ولم يذكروا النقص . أبو عمرو بن الصلاح
( أما حكم المسألة ) فقال أصحابنا إذا زاد على الثلاث كره كراهة تنزيه ولا يحرم هكذا صرح به الأصحاب ، قال إمام الحرمين : الغسلة الرابعة وإن كانت مكروهة فليست معصية قال : ومعنى أساء ترك الأولى وتعدى حد السنة ، وظلم أي : وضع الشيء في غير موضعه . وقال الشيخ أبو حامد في التعليق : قال رضي الله عنه في الأم ( أحب ألا يتجاوز الثلاث فإن جاوزها لم يضره ) قال الشافعي : وأراد بقوله : " لم يضره " أي : لا يأثم ، قال : وأصحابنا يقولون : تحرم الزيادة قال : وليس المذهب هذا والمراد بالإساءة في الحديث غير التحريم لأنه يستعمل أساء فيما لا إثم فيه ، وذكر أبو حامد الروياني في البحر وجها في تحريم الزيادة قال : وليس بشيء . وقال الماوردي : الزيادة على الثلاث لا تسن وهل تكره ؟ فيه وجهان ، قال : لا تكره وقال سائر أصحابنا : تكره وهو الأصح ، هذا كلام أبو حامد الإسفراييني الماوردي . وأما نص رضي الله عنه في الأم فقال : لا أحب الزيادة على ثلاث فإن زاد لم أكرهه إن شاء الله . هذا لفظ الشافعي ومعنى لم أكرهه أي : لم أحرمه ، فحصل ثلاثة أوجه ( أحدها ) تحرم الزيادة ( والثاني ) لا تحرم ولا تكره لكنها خلاف الأولى ( والثالث ) وهو الصحيح بل الصواب تكره كراهة تنزيه ، فهذا هو الموافق للأحاديث وبه قطع جماهير الأصحاب ، وقد [ ص: 468 ] أشار الإمام الشافعي في صحيحه إلى نقل الإجماع على ذلك فإنه قال في أول الكتاب في كتاب الوضوء : ( يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن فرض الوضوء مرة ، وتوضأ أيضا مرتين وثلاثا ولم يزد قال : وكره أهل العلم الإسراف فيه ، وأن يجاوز فعل النبي صلى الله عليه وسلم ) . أبو عبد الله البخاري
( فرع ) المشهور في كتب الفقه وشروح الحديث وغيرها لأصحابنا وغيرهم أن قوله صلى الله عليه وسلم : ( فمن زاد أو نقص ) معناه زاد على الثلاث أو نقص منها ولم يذكر أصحابنا وغيرهم مع كثرة كتبهم وحكاياتهم والوجوه الغريبة والمذاهب المشهورة والمهجورة الراجحة والمرجوحة غير هذا المعنى ، وقال في كتابه السنن الكبير : ويحتمل أن المراد بالنقص نقص العضو يعني لم يستوعبه . وهذا تأويل غريب ضعيف مردود ، ومقتضاه أن تكون الزيادة في العضو . وهي غسل ما فوق المرفق والكعب . البيهقي
إساءة وظلما ، ولا سبيل إلى ذلك بل هو مستحب كما سبق ، ممن نص على استحبابه وعقد فيه بابين ( أحدهما ) باب استحباب والبيهقي ( والثاني ) باب الإشراع في الساق ، وذكر فيهما حديث إمرار الماء على العضد السابق والله أعلم . فإن قيل : كيف يكون النقص عن الثلاث إساءة وظلما ومكروها وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله كما سبق في الأحاديث الصحيحة ، قلنا : ذلك الاقتصار كان لبيان الجواز فكان في ذلك الحال أفضل لأن البيان واجب والله أعلم . أبي هريرة
( فرع ) فقد ارتكب المكروه ولا يبطل وضوءه ، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة وحكى إذا زاد على الثلاث الدارمي في الاستذكار عن قوم أنه يبطل كما لو زاد في الصلاة وهذا خطأ ظاهر
( أما حكم المسألة ) فقال أصحابنا إذا زاد على الثلاث كره كراهة تنزيه ولا يحرم هكذا صرح به الأصحاب ، قال إمام الحرمين : الغسلة الرابعة وإن كانت مكروهة فليست معصية قال : ومعنى أساء ترك الأولى وتعدى حد السنة ، وظلم أي : وضع الشيء في غير موضعه . وقال الشيخ أبو حامد في التعليق : قال رضي الله عنه في الأم ( أحب ألا يتجاوز الثلاث فإن جاوزها لم يضره ) قال الشافعي : وأراد بقوله : " لم يضره " أي : لا يأثم ، قال : وأصحابنا يقولون : تحرم الزيادة قال : وليس المذهب هذا والمراد بالإساءة في الحديث غير التحريم لأنه يستعمل أساء فيما لا إثم فيه ، وذكر أبو حامد الروياني في البحر وجها في تحريم الزيادة قال : وليس بشيء . وقال الماوردي : الزيادة على الثلاث لا تسن وهل تكره ؟ فيه وجهان ، قال : لا تكره وقال سائر أصحابنا : تكره وهو الأصح ، هذا كلام أبو حامد الإسفراييني الماوردي . وأما نص رضي الله عنه في الأم فقال : لا أحب الزيادة على ثلاث فإن زاد لم أكرهه إن شاء الله . هذا لفظ الشافعي ومعنى لم أكرهه أي : لم أحرمه ، فحصل ثلاثة أوجه ( أحدها ) تحرم الزيادة ( والثاني ) لا تحرم ولا تكره لكنها خلاف الأولى ( والثالث ) وهو الصحيح بل الصواب تكره كراهة تنزيه ، فهذا هو الموافق للأحاديث وبه قطع جماهير الأصحاب ، وقد [ ص: 468 ] أشار الإمام الشافعي في صحيحه إلى نقل الإجماع على ذلك فإنه قال في أول الكتاب في كتاب الوضوء : ( يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن فرض الوضوء مرة ، وتوضأ أيضا مرتين وثلاثا ولم يزد قال : وكره أهل العلم الإسراف فيه ، وأن يجاوز فعل النبي صلى الله عليه وسلم ) . أبو عبد الله البخاري
( فرع ) المشهور في كتب الفقه وشروح الحديث وغيرها لأصحابنا وغيرهم أن قوله صلى الله عليه وسلم : ( فمن زاد أو نقص ) معناه زاد على الثلاث أو نقص منها ولم يذكر أصحابنا وغيرهم مع كثرة كتبهم وحكاياتهم والوجوه الغريبة والمذاهب المشهورة والمهجورة الراجحة والمرجوحة غير هذا المعنى ، وقال في كتابه السنن الكبير : ويحتمل أن المراد بالنقص نقص العضو يعني لم يستوعبه . وهذا تأويل غريب ضعيف مردود ، ومقتضاه أن تكون الزيادة في العضو . وهي غسل ما فوق المرفق والكعب . البيهقي
إساءة وظلما ، ولا سبيل إلى ذلك بل هو مستحب كما سبق ، ممن نص على استحبابه وعقد فيه بابين ( أحدهما ) باب استحباب والبيهقي ( والثاني ) باب الإشراع في الساق ، وذكر فيهما حديث إمرار الماء على العضد السابق والله أعلم . فإن قيل : كيف يكون النقص عن الثلاث إساءة وظلما ومكروها وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله كما سبق في الأحاديث الصحيحة ، قلنا : ذلك الاقتصار كان لبيان الجواز فكان في ذلك الحال أفضل لأن البيان واجب والله أعلم . أبي هريرة
( فرع ) فقد ارتكب المكروه ولا يبطل وضوءه ، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة وحكى إذا زاد على الثلاث الدارمي في الاستذكار عن قوم أنه يبطل كما لو زاد في الصلاة وهذا خطأ ظاهر
( فرع ) إذا فمقتضى كلام الجمهور أنه يبني على حكم اليقين وأنهما غسلتان فيأتي بثالثة ، وحكى شك فلم يدر أغسل مرتين أم ثلاثا إمام الحرمين وجهين أحدهما : قول والده الشيخ رحمه الله أن يقتصر على ما جرى ولا يأتي بأخرى لأنه متردد بين الرابعة وهي بدعة والثالثة وهي سنة ، وترك سنة أولى من اقتحام بدعة بخلاف المصلي يشك [ ص: 469 ] في عدد الركعات فإنه يأخذ بالأقل ليتيقن أداء الفرض ، والشك هنا ليس في فرض . والوجه الثاني : يغسل أخرى كالصلاة ، والبدعة إنما هي تعمد غسلة رابعة بلا سبب ، مع أن الرابعة وإن كانت مكروهة فليست معصية ، هذا كلام أبي محمد الجويني إمام الحرمين ، والصحيح أنه يأتي بأخرى والله أعلم .
( فرع ) قال الشيخ في الفروق : لو أبو محمد الجويني لم يجز قال : ولو فعل مثل ذلك في المضمضة والاستنشاق جاز قال : والفرق أن الوجه واليد متباعدان ينفصل حكم أحدهما عن الآخر فينبغي أن يفرغ من أحدهما ثم ينتقل إلى الآخر : وأما الفم والأنف فكعضو فجاز تطهيرهما معا كاليدين والله أعلم . توضأ فغسل الأعضاء مرة مرة ثم عاد فغسلها مرة مرة ثم عاد كذلك ثالثة