قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ولا يجوز إذا جهل جنسها أو نوعها لحديث بيع العين الغائبة أن النبي صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } وفي بيع ما لا يعرف جنسه أو نوعه غرر كبير ، فإن علم الجنس والنوع بأن قال : بعتك الثوب المروي الذي في كمي ، أو العبد الزنجي الذي في داري ، أو الفرس الأدهم الذي في إصطبلي ففيه قولان قال في القديم والصرف : يصح ويثبت له الخيار إذا رآه ، لما روى نهى عن بيع الغرر " أن ابن أبي مليكة عثمان رضي الله عنه ابتاع من أرضا طلحة بالمدينة ناقله بأرض له بالكوفة فقال عثمان : بعتك ما لم أره ، فقال : إنما النظر لي لأني ابتعت مغيبا وأنت قد رأيت ما ابتعت فتحاكما إلى طلحة فقضى على جبير بن مطعم عثمان أن البيع جائز ، وأن النظر لأنه ابتاع مغيبا . ولأنه عقد على عين فجاز مع الجهل بصفته كالنكاح ( وقال ) في الجديد : لا يصح لحديث لطلحة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } وفي هذا البيع غرر ولأنه نوع بيع فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالسلم ( فإذا قلنا ) بقوله القديم فهل تفتقر صحة البيع إلى ذكر الصفات أم لا ؟ فيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) أنه لا يصح حتى تذكر جميع الصفات كالمسلم فيه ( والثاني ) لا يصح ، حتى تذكر [ ص: 349 ] الصفات المقصودة ( والثالث ) أنه لا يفتقر إلى ذكر شيء من الصفات ، وهو المنصوص في الصرف لأن الاعتماد على الرؤية ، ويثبت له الخيار إذا رآه فلا يحتاج إلى ذكر الصفات فإن وصفه ثم وجده على خلاف ما وصف ثبت له الخيار ، وإن وجده على ما وصف أو أعلا ، ففيه وجهان ( أحدهما ) لا خيار له لأنه وجده على ما وصف فلم يكن له خيار كالمسلم فيه ( والثاني ) أن له الخيار ، لأنه يعرف ببيع خيار الرؤية فلا يجوز أن يخلو من الخيار . نهى عن بيع الغرر
وهل يكون الخيار على الفور أم لا ؟ فيه وجهان ( قال ) : هو على الفور لأنه خيار تعلق بالرؤية ، فكان على الفور وخيار الرد بالعيب ( وقال ) ابن أبي هريرة : يتقدر الخيار بالمجلس لأن العقد إنما يتم بالرؤية فيصير كأنه عقد عند الرؤية ، فيثبت له خيار كخيار المجلس ( وأما ) إذا رأى المبيع قبل العقد ثم غاب عنه ثم اشتراه ، فإن كان مما لا يتغير كالعقار وغيره جاز بيعه ، وقال أبو إسحاق أبو القاسم الأنماطي : لا يجوز في قوله الجديد ، لأن الرؤية شرط في العقد ، فاعتبر وجودها في حال العقد كالشهادة في النكاح ، والمذهب : الأول ، لأن الرؤية تراد للعلم بالمبيع وقد حصل العلم بالرؤية المتقدمة ، فعلى هذا إذا اشتراه ثم وجده على الصفة الأولى أخذه ، وإن وجده ناقصا فله الرد ; لأنه ما التزم العقد فيه إلا على تلك الصفة ، وإن اختلفا فقال البائع لم يتغير ، وقال المشتري : تغير . فالقول قول المشتري ، لأنه يؤخذ منه الثمن فلا يجوز من غير رضاه وإن كان مما يجوز أن يتغير ويجوز أن لا يتغير أو يجوز أن يبقى ويجوز أن لا يبقى ، ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه لا يصح ، لأنه مشكوك في بقائه على صفته ( والثاني ) يصح ، وهو المذهب ، لأن الأصل بقاؤه على صفته فصح بيعه قياسا على ما لا يتغير ) .
التالي
السابق
( الشرح ) حديث صحيح سبق بيانه أول الباب . أبي هريرة
والأثر المذكور عن عثمان رواه وطلحة بإسناد حسن ، لكن فيه رجل مجهول مختلف في الاحتجاج به ، وقد روى البيهقي له في صحيحه . مسلم
( قوله ) : " الثوب المروي " بإسكان الراء بلا خلاف ولا يجوز فتحها : منسوب إلى مرو المدينة المشهورة بخراسان ، والزنجي - بفتح الزاي وكسرها - [ ص: 350 ] والإصطبل بهمزة قطع ( قوله ) : قال في القديم والصرف أي في بيان الصرف من الكتب الجديدة ، وهو أحد كتب الأم وابن أبي مليكة اسمه عبد الله بن عبد الله بن أبي مليكة اسم أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان - بضم الجيم وإسكان الدال المهملة - ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي المكي ، كنيته أبو بكر ، كان قاضي مكة ومؤذنا له ، توفي سنة سبع عشرة ( وقوله ) " ناقله بأرض له لعبد الله بن الزبير بالكوفة " هو - بالنون والقاف - أي بادله بها ، ونقل كل واحد ملكه إلى موضع الآخر ( وقوله ) ابتعت مغيبا هو - بضم الميم وفتح الغين المعجمة وفتح الياء المشددة - ( وقوله : ) عقد على عين هو احتراز من السلم ( وقوله ) نوع بيع ، احتراز من الوصية والنكاح ( وقوله : ) خيار تعلق بالرؤية احتراز من اختيار الفسخ كالإعسار بالنفقة . ( أما الأحكام ) فقد سبق أنه يشترط العلم بقدر المبيع وعينه وصفته وهذا الفصل مع الفصول التي بعده متعلقة بصفة المبيع ، وفي الفصل مسائل : ( إحداها ) في بيع الأعيان الحاضرة التي لم تر قولان مشهوران ( قال ) في القديم والإملاء والصرف من الجديد : يصح ( وقال ) في الأم وعامة الكتب الجديدة : لا يصح . قال والبويطي الماوردي في الحاوي : نص في ستة كتب على صحته في القديم والإملاء والصلح والصداق والصرف والمزارعة ، ونص في ستة كتب أنه لا يصح في الرسالة والسير والإجارة والغصب والاستبراء والتصرف في العروض . واختلف الأصحاب في الأصح من القولين فصحح الشافعي البغوي والروياني صحته ، وصحح الأكثرون بطلانه ، ممن صححه المزني والبويطي والربيع ، وحكاه عنهم الماوردي ، وصححه أيضا الماوردي والمصنف في التنبيه والرافعي في المحرر ، وهو الأصح ، وعليه فتوى الجمهور من الأصحاب ، [ ص: 351 ] وعليه يفرعون فيما عدا هذا الموضع ، ويتعين هذا القول لأنه الآخر من نص فهو ناسخ لما قبله . قال الشافعي في كتابه معرفة السنن والآثار في أول كتاب البيوع : جوز البيهقي بيع الغائب في القديم وكتاب الصلح والصرف وغيرهما ، ثم رجع فقال : لا يجوز لما فيه من الغرر ، والله أعلم . الشافعي
وفي محل القولين ثلاث طرق ( أصحها ) طردهما فيما لم يره المتعاقدان أو أحدهما ، ولا فرق بينهما ( والثاني ) أنهما فيما رآه البائع دون المشتري ، فإن لم يره البائع فباطل قطعا ، لأنه يقتضي الخيار ، والخيار في جانب البائع تعبد ( والثالث ) إن رآه المشتري صح قطعا ، سواء رآه البائع أم لا فإن لم يره ففيه القولان ، لأن المشتري محصل ، والبائع معرض ، والاحتياط للمحصل أولى ، وهذا الطريق هو اختيار العراقيين ، قال أصحابنا ويجري القولان في بيع الغائب وشرائه في إجارته وكونه رأس مال سلم إذا سلمه في المجلس ، وفي المصالحة عليه ، وفي وقفه ( وأما ) إذا ، صح النكاح ، وحصلت البينونة في الخلع ، وسقط القصاص ، ولا خلاف في هذه الثلاثة . وفي صحة المسمى فيها القولان ، فإن لم نصحح وجب مهر المثل لها في مسألة الصداق وله في مسألة الخلع . ووجبت الدية على المعفو عنه وفي رهن الغائب وهبته القولان ، وقيل : هما أولى بالصحة لعدم الغرر ، ولهذا إذا صححناهما فلا خيار عند الرؤية ( الثانية ) إذا لم نجوز أصدقها عينا غائبة ، أو خالعها عليها أو عفى عن القصاص فعليه فروع ( أحدها ) استقصاء الأوصاف على الحد المعتبر في السلم ، هل يقوم مقام الرؤية ؟ وكذا سماع وصفه بطريق التواتر ، فيه وجهان ( أصحهما ) لا يقوم ، وبه قطع بيع الغائب وشراءه العراقيون ( الثاني ) إذا كان الشيء مما لا يستدل برؤية بعضه على الباقي فإن كان المرئي صوانا له - بكسر الصاد وضمها - كقشر الرمان والبيض والقشر الأسفل [ ص: 352 ] من الجوز واللوز وقشر البندق ونحوه كالخشكنان كفى رؤيته ، وصح البيع بلا خلاف ، ولا يصح بيع لب الجوز واللوز ونحوهما بانفراده ما دام في قشره بلا خلاف ، لأن تسليمه لا يمكن إلا بتغيير عين المبيع .
( أما ) إذا ، لم يكف بل هو بيع غائب ، لأن المعرفة التامة لا تحصل به ، وليس فيه صلاح له ، بخلاف السمك يراه في الماء الصافي مع سهولة أخذه ، فإنه يصح بيعه كما سبق ، وكذا الأرض يعلوها ماء صاف ، لأن الماء من صلاحها ( وأما ) إذا لم يكن كذلك فلا يكفي رؤية البعض على قولنا ببطلان بيع الغائب ( وأما ) التفريع على القول الآخر فسيأتي إن شاء الله تعالى ( الثالث ) قال أصحابنا : الرؤية في كل شيء بحسب ما يليق به ، رأى المبيع من وراء قارورة هو فيها ، والمستحم والبالوعة ، وفي البستان يشترط رؤية الجدران والأشجار والأرض ومسايل الماء ، ولا يشترط رؤية أساس البنيان والبستان والدار ، ولا عروق الأشجار ونحو ذلك . وفي اشتراط رؤية طريق الدار والماء الذي يدور به الرحى وجهان ( أصحهما ) الاشتراط لاختلاف الغرض به ، قال أصحابنا : ويشترط في العبد رؤية الوجه والأطراف ولا تجوز رؤية العورة ، وفي باقي البدن وجهان ( أصحهما ) الاشتراط ، وبه قطع ففي شراء الدار يشترط رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران داخلا وخارجا البغوي وأبو الحسن العبادي في كتاب الرقم وفي الجارية أوجه ( أصحها ) كالعبد ( والثاني ) يشترط رؤية ما يبدو عند الخدمة والتصرف ( والثالث ) يكفي رؤية الوجه والكفين وفي الأسنان واللسان وجهان ( الأصح ) لا يشترط ، وفي رؤية الشعر وجهان ( أصحهما ) الاشتراط . ويشترط في الدواب رؤية مقدمها ومؤخرها وقوائمها ورفع السرج أو الإكاف والجل ، وهل يشترط أن تجري الفرس بين يديه ليعرف سيرها ؟ فيه وجهان حكاهما الروياني [ ص: 353 ] والرافعي ( الأصح ) لا يشترط ويشترط في الثوب المطوي نشره ، هكذا أطلقه الأصحاب وقطعوا به .
( قال ) إمام الحرمين : يحتمل عندي أن لا يشترط التي لا تنشر أصلا عند العقد ، لما في نشرها من النقص والضرر . ثم إذا نشرت الثياب فما كان منها صفيقا كالديباج المنقوش اشترط رؤية وجهيه ، وكذا رؤية وجهي البسط والزلالي . وأما ما كان رفيعا كالكرباس فيكفي رؤية أحد وجهيه على أصح الوجهين ( قال ) أصحابنا : ولا يصح النشر في بيع الثوب على هذا القول ، وهي التوزية - بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم واو مفتوحة مشددة ثم زاي - ويشترط في بيع الثياب التوزية في المنسوج تقليب الأوراق ، ورؤية جميعها ، وفي الورق البياض يشترط رؤية جميع الطاقات ، وممن صرح به شراء المصحف وكتب الحديث والفقه وغيرها القاضي والرافعي والبغوي وغيرهم .
( فرع ) أما القفاع فقال أبو الحسن العبادي : يفتح رأسه فينظر فيه بقدر الإمكان ليصح بيعه . وأطلق الغزالي في الإحياء أنه يصح بيعه من غير اشتراط رؤية ، وهذا هو الأصح لأن بقاءه في الكوز من مصالحه ، ولأنه تشق رؤيته ، ولأنه قدر يسير يتسامح به في العادة ، وليس فيه غرر يفوت به مقصود معتبر .
( المسألة الثالثة ) إذا جوزنا بيع الغائب فعليه فروع ( أحدها ) إذا لم تشترط الرؤية اشترط ذكر الجنس والنوع ، فيقول : بعتك عبدي التركي ، وفرسي العربي ، أو الأدهم أو ثوبي المروي ، أو الحنطة الجبلية ، أو السهلية ونحو ذلك ، فلو أخل بالجنس والنوع فقال : بعتك ما في كفي [ ص: 354 ] أو كمي أوخزانتي أو ميراثي من فلان ، ولم يكن المشتري والبائع يعرف ذلك لم يصح البيع ، هذا هو المذهب ، وبه قطع المصنف والجمهور . وفيه وجه أنهما لا يشترطان ، فيصح ، ووجه ثالث أنه يشترط ذكر الجنس دون النوع ، فيقول : عبدي ، وهذان الوجهان حكاهما بيع ما في الكم ونحوه الخراسانيون وهما شاذان ضعيفان . وإذا ذكر الجنس والنوع ففي افتقاره مع ذلك إلى ذكر الصفات ثلاثة أوجه مشهورة ، ذكرها المصنف بأدلتها ( أصحها ) عند الأصحاب : لا يفتقر ، وهو المنصوص في القديم والإملاء والصرف ( والثاني ) : يفتقر إلى ذكر معظم الصفات ، وضبط الأصحاب ذلك بما يصف به المدعي عند ( والثالث ) : يفتقر إلى ذكر صفات السلم ، وهذان الوجهان ضعيفان ، والثالث أضعف من الثاني والثاني قول القاضي القاضي والثالث قول أبي حامد المروزي فعلى المنصوص لو كان له عبدان من نوع فباع أحدهما اشترط تمييزه بسن أو غيره - قال أبي علي الطبري الماوردي : واتفق أصحابنا على أنه لا يشترط ذكر جميع الصفات ، فإن وصفها بجميعها فوجهان ( أحدهما ) وهو قول أصحابنا البغداديين : يصح لأنه أبلغ في نفي الغرر ( والثاني ) وهو قول البصريين : لا يصح لأنه يصير في السلم ، والسلم في الأعيان لا يجوز ، وهذا شاذ ضعيف .
( فرع ) قال الماوردي : إن اشترط ذكر البلد الذي هو فيه ، فيقول بعتك دارا كان المبيع مما لا ينقل كالدار والأرض ببغداد ، وفي اشتراط ذكر البقعة من البلد وجهان ، وإن كان مما ينقل كالعبد والثوب اشترط ذكر البلد الذي هو فيه ، لأن القبض يتعجل إن كان قريبا أو يؤجل إن كان بعيدا أو لا يشترط ذكر البقعة من البلد ، وإذا ذكر البلد الذي فيه المبيع لزمه تسليمه فيه لا في غيره فإن شرط المشتري على البائع أن يسلمه في بلد البيع وكان المبيع في غيره فالبيع باطل بخلاف السلم ، لأنه في الذمة هذا كلام الماوردي ، وحكاه الرافعي عن بعض الأصحاب وسكت عليه . [ ص: 355 ] الثاني ) إذا شرطنا الوصف فوصفه ، فإن وجده دون ما وصف ، فللمشتري الخيار بلا خلاف ، وإن وجده كما وصف فطريقان ( أحدهما ) القطع بثبوت الخيار وبه قطع المصنف في التنبيه وجماعة وهو المنصوص ( وأشهرهما ) أنه على وجهين ذكرهما المصنف بدليلهما هنا ( أصحهما ) ثبوته ( أما ) إذا قلنا : لا يشترط فللمشتري الخيار عند الرؤية ، سواء كان شرط الخيار أم لا ، هذا هو المذهب ، وفيه وجه أنه لا يثبت إلا أن يكون شرطه والصحيح : الأول ، وهل له الخيار قبل الرؤية حتى ينفذ فسخه وإجازته ؟ فيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) ينفذان ( والثاني ) لا ينفذ واحد منهما ( والثالث ) وهو الصحيح ينفذ فسخه قبل الرؤية دون إجازته .
هذا كله في المشتري ( وأما ) البائع ففيه ثلاثة أوجه ( أصحهما ) لا خيار له سواء كان رأى المبيع أم لا ، لأن الخيار في جانبه تعبد ( والثاني ) له الخيار في الحالين كالمشتري ( والثالث ) له الخيار إن لم يكن رآه وبه قطع الشيخ ومتابعوه ، وحيث قلنا : يثبت خيار الرؤية هل يكون على الفور ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما أبو حامد المصنف بدليلهما ( أصحهما ) يمتد ما دام مجلس الرؤية ، وهو قول ( والثاني ) أنه على الفور ، وبه قال أبي إسحاق المروزي قال الشيخ أبو علي بن أبي هريرة في كتابه السلسلة : هذان الوجهان مبنيان على وجهين في ثبوت أبو محمد الجويني ( أحدهما ) يثبت كما يثبت في بيع العين الحاضرة ( والثاني ) لا يثبت للاستغناء عنه بخيار الرؤية ، فعلى الأول خيار الرؤية على الفور ، لئلا يثبت خيار مجلسين في وقت واحد ، وعلى الثاني يمتد إلى انقضاء المجلس ، قال : والفرع مبني على أصل آخر ، وهو أنه إذا مات أحد العاقدين في المجلس وقلنا بالمذهب والمنصوص أنه ينتقل الخيار إلى الوارث فإلى متى يمتد ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) على الفور ( والثاني ) ما دام الوارث في مجلس خبر الموت ، وقد سبقت المسألة واضحة . [ ص: 356 ] الثالث ) خيار المجلس في بيع الغائب فيه وجهان مشهوران للخراسانيين ( أصحهما ) يجوز كما يجوز التوكيل في خيار الخلف والرد بالعيب ( والثاني ) لا ، لأنه خيار شهوة ، ولا يتوقف على نقص ولا غرض ، فلا يجوز التوكيل فيه ، كمن أسلم على أكثر من أربع نسوة فإنه لا يصح توكيله في الاختيار . هل يجوز أن يوكل في الرؤية من يفعل ما يستصوبه من فسخ أو إجازة ؟
( الرابع ) إذا لم نشترط الرؤية فاختلفا فقال البائع للمشتري : أنت رأيت المبيع فلا خيار لك ، فأنكر المشتري ، فوجهان ( أصحهما ) يصدق المشتري بيمينه ( والثاني ) البائع ، فإن شرطنا الرؤية فاختلفا فقال الغزالي في الفتاوى القول قول البائع ، لأن إقدام المشتري على العقد اعتراف بصحته ، قال الرافعي : فلا ينفك هذا عن خلاف ، قلت : هذه المسألة هي مسألة ، وفيها القولان المشهوران ، الأصح قول مدعي الصحة ( والثاني ) قول مدعي الفساد ، فيتعين جريان القولين في مسألتنا ولعل اختلاف المتبايعين في شرط يفسد العقد الغزالي فرعها على الأصح .
( فرع ) لو قال رأى ثوبين فسرق أحدهما فاشترى الثاني ولا يعلم أيهما المسروق الغزالي في الوسيط : إن تساوت قيمتهما وصفتهما وقدرهما كنصفي كرباس واحد صح البيع بلا خلاف ، وإن اختلفا في شيء من ذلك ففيه القولان في بيع الغائب ، وهذا الذي قاله حسن ، ولا يقال : هذا بيع ثوب من ثوبين ، لأن المبيع هنا واحد بعينه ، ولكن ليس مرئيا حالة العقد ، وقد سبقت رؤيته فاكتفي بها . واعلم أن الشيخ - رحمه الله تعالى - اعترض على أبا عمرو بن الصلاح الغزالي في هذا الفرع فقال : جزم بالصحة فيما إذا تساوت صفتهما وقدرهما وقيمتهما مع إجرائه الخلاف في الصورة الثانية قال : والتحقيق يوجب إجراء الخلاف السابق في استقصاء الأوصاف في صورة التساوي كما أجراه في مسألة الأنموذج التي سنذكرها إن شاء الله تعالى لأنه اعتمد مساواة غير المبيع للمبيع في [ ص: 357 ] الصفة المعلق به بالمشاهدة فهو كالأنموذج الذي ليس بمبيع ، المساوي في الصفة للمبيع ولا فرق ، فإن ذكره التساوي في القيمة اعتبار للقيمة مع الوصف ولا وجود لمثاله في هذا الباب هذا كلام ، وهذان الاعتراضان اللذان ذكرهما فاسدان ( أما الأول ) فليس هذا كمسألة الأنموذج ، لأن المبيع غير الأنموذج ليس مرئيا ولا سبقت رؤيته ، وهنا سبقت رؤية الثوبين ( وأما ) قوله : يجب إجراء الخلاف المذكور في الثانية في الأولى فالفرق أن الثوبين في الثانية مختلفان ، فيحصل الغرر بخلاف الأولى ( وأما ) الاعتراض الثاني فجوابه أنه قد تختلف القيمة مع اتحاد القدر والصفة في نحو العبيد والجواري فيحصل الغرر ، والله سبحانه وتعالى أعلم . أبي عمرو
( فرع ) هل يشترط على قولنا باشتراط الرؤية ؟ وكذلك الشم في المسك ونحوه واللبس في الثياب ونحوها ؟ فيه طريقان ( أصحهما ) وبه قطع الأكثرون واقتضاه كلام الجمهور أنه لا يشترط ، قال الذوق في الخل ونحوه الرافعي : هو الصحيح المعروف ( والثاني ) حكاه المتولي فيه وجهان ( أصحهما ) هذا ، لأن معظم المقصود يتعلق بالرؤية فلا يشترط غيرها ( والثاني ) يشترط لأنه يقع في هذا النوع اختلاف .
والأثر المذكور عن عثمان رواه وطلحة بإسناد حسن ، لكن فيه رجل مجهول مختلف في الاحتجاج به ، وقد روى البيهقي له في صحيحه . مسلم
( قوله ) : " الثوب المروي " بإسكان الراء بلا خلاف ولا يجوز فتحها : منسوب إلى مرو المدينة المشهورة بخراسان ، والزنجي - بفتح الزاي وكسرها - [ ص: 350 ] والإصطبل بهمزة قطع ( قوله ) : قال في القديم والصرف أي في بيان الصرف من الكتب الجديدة ، وهو أحد كتب الأم وابن أبي مليكة اسمه عبد الله بن عبد الله بن أبي مليكة اسم أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان - بضم الجيم وإسكان الدال المهملة - ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي المكي ، كنيته أبو بكر ، كان قاضي مكة ومؤذنا له ، توفي سنة سبع عشرة ( وقوله ) " ناقله بأرض له لعبد الله بن الزبير بالكوفة " هو - بالنون والقاف - أي بادله بها ، ونقل كل واحد ملكه إلى موضع الآخر ( وقوله ) ابتعت مغيبا هو - بضم الميم وفتح الغين المعجمة وفتح الياء المشددة - ( وقوله : ) عقد على عين هو احتراز من السلم ( وقوله ) نوع بيع ، احتراز من الوصية والنكاح ( وقوله : ) خيار تعلق بالرؤية احتراز من اختيار الفسخ كالإعسار بالنفقة . ( أما الأحكام ) فقد سبق أنه يشترط العلم بقدر المبيع وعينه وصفته وهذا الفصل مع الفصول التي بعده متعلقة بصفة المبيع ، وفي الفصل مسائل : ( إحداها ) في بيع الأعيان الحاضرة التي لم تر قولان مشهوران ( قال ) في القديم والإملاء والصرف من الجديد : يصح ( وقال ) في الأم وعامة الكتب الجديدة : لا يصح . قال والبويطي الماوردي في الحاوي : نص في ستة كتب على صحته في القديم والإملاء والصلح والصداق والصرف والمزارعة ، ونص في ستة كتب أنه لا يصح في الرسالة والسير والإجارة والغصب والاستبراء والتصرف في العروض . واختلف الأصحاب في الأصح من القولين فصحح الشافعي البغوي والروياني صحته ، وصحح الأكثرون بطلانه ، ممن صححه المزني والبويطي والربيع ، وحكاه عنهم الماوردي ، وصححه أيضا الماوردي والمصنف في التنبيه والرافعي في المحرر ، وهو الأصح ، وعليه فتوى الجمهور من الأصحاب ، [ ص: 351 ] وعليه يفرعون فيما عدا هذا الموضع ، ويتعين هذا القول لأنه الآخر من نص فهو ناسخ لما قبله . قال الشافعي في كتابه معرفة السنن والآثار في أول كتاب البيوع : جوز البيهقي بيع الغائب في القديم وكتاب الصلح والصرف وغيرهما ، ثم رجع فقال : لا يجوز لما فيه من الغرر ، والله أعلم . الشافعي
وفي محل القولين ثلاث طرق ( أصحها ) طردهما فيما لم يره المتعاقدان أو أحدهما ، ولا فرق بينهما ( والثاني ) أنهما فيما رآه البائع دون المشتري ، فإن لم يره البائع فباطل قطعا ، لأنه يقتضي الخيار ، والخيار في جانب البائع تعبد ( والثالث ) إن رآه المشتري صح قطعا ، سواء رآه البائع أم لا فإن لم يره ففيه القولان ، لأن المشتري محصل ، والبائع معرض ، والاحتياط للمحصل أولى ، وهذا الطريق هو اختيار العراقيين ، قال أصحابنا ويجري القولان في بيع الغائب وشرائه في إجارته وكونه رأس مال سلم إذا سلمه في المجلس ، وفي المصالحة عليه ، وفي وقفه ( وأما ) إذا ، صح النكاح ، وحصلت البينونة في الخلع ، وسقط القصاص ، ولا خلاف في هذه الثلاثة . وفي صحة المسمى فيها القولان ، فإن لم نصحح وجب مهر المثل لها في مسألة الصداق وله في مسألة الخلع . ووجبت الدية على المعفو عنه وفي رهن الغائب وهبته القولان ، وقيل : هما أولى بالصحة لعدم الغرر ، ولهذا إذا صححناهما فلا خيار عند الرؤية ( الثانية ) إذا لم نجوز أصدقها عينا غائبة ، أو خالعها عليها أو عفى عن القصاص فعليه فروع ( أحدها ) استقصاء الأوصاف على الحد المعتبر في السلم ، هل يقوم مقام الرؤية ؟ وكذا سماع وصفه بطريق التواتر ، فيه وجهان ( أصحهما ) لا يقوم ، وبه قطع بيع الغائب وشراءه العراقيون ( الثاني ) إذا كان الشيء مما لا يستدل برؤية بعضه على الباقي فإن كان المرئي صوانا له - بكسر الصاد وضمها - كقشر الرمان والبيض والقشر الأسفل [ ص: 352 ] من الجوز واللوز وقشر البندق ونحوه كالخشكنان كفى رؤيته ، وصح البيع بلا خلاف ، ولا يصح بيع لب الجوز واللوز ونحوهما بانفراده ما دام في قشره بلا خلاف ، لأن تسليمه لا يمكن إلا بتغيير عين المبيع .
( أما ) إذا ، لم يكف بل هو بيع غائب ، لأن المعرفة التامة لا تحصل به ، وليس فيه صلاح له ، بخلاف السمك يراه في الماء الصافي مع سهولة أخذه ، فإنه يصح بيعه كما سبق ، وكذا الأرض يعلوها ماء صاف ، لأن الماء من صلاحها ( وأما ) إذا لم يكن كذلك فلا يكفي رؤية البعض على قولنا ببطلان بيع الغائب ( وأما ) التفريع على القول الآخر فسيأتي إن شاء الله تعالى ( الثالث ) قال أصحابنا : الرؤية في كل شيء بحسب ما يليق به ، رأى المبيع من وراء قارورة هو فيها ، والمستحم والبالوعة ، وفي البستان يشترط رؤية الجدران والأشجار والأرض ومسايل الماء ، ولا يشترط رؤية أساس البنيان والبستان والدار ، ولا عروق الأشجار ونحو ذلك . وفي اشتراط رؤية طريق الدار والماء الذي يدور به الرحى وجهان ( أصحهما ) الاشتراط لاختلاف الغرض به ، قال أصحابنا : ويشترط في العبد رؤية الوجه والأطراف ولا تجوز رؤية العورة ، وفي باقي البدن وجهان ( أصحهما ) الاشتراط ، وبه قطع ففي شراء الدار يشترط رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران داخلا وخارجا البغوي وأبو الحسن العبادي في كتاب الرقم وفي الجارية أوجه ( أصحها ) كالعبد ( والثاني ) يشترط رؤية ما يبدو عند الخدمة والتصرف ( والثالث ) يكفي رؤية الوجه والكفين وفي الأسنان واللسان وجهان ( الأصح ) لا يشترط ، وفي رؤية الشعر وجهان ( أصحهما ) الاشتراط . ويشترط في الدواب رؤية مقدمها ومؤخرها وقوائمها ورفع السرج أو الإكاف والجل ، وهل يشترط أن تجري الفرس بين يديه ليعرف سيرها ؟ فيه وجهان حكاهما الروياني [ ص: 353 ] والرافعي ( الأصح ) لا يشترط ويشترط في الثوب المطوي نشره ، هكذا أطلقه الأصحاب وقطعوا به .
( قال ) إمام الحرمين : يحتمل عندي أن لا يشترط التي لا تنشر أصلا عند العقد ، لما في نشرها من النقص والضرر . ثم إذا نشرت الثياب فما كان منها صفيقا كالديباج المنقوش اشترط رؤية وجهيه ، وكذا رؤية وجهي البسط والزلالي . وأما ما كان رفيعا كالكرباس فيكفي رؤية أحد وجهيه على أصح الوجهين ( قال ) أصحابنا : ولا يصح النشر في بيع الثوب على هذا القول ، وهي التوزية - بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم واو مفتوحة مشددة ثم زاي - ويشترط في بيع الثياب التوزية في المنسوج تقليب الأوراق ، ورؤية جميعها ، وفي الورق البياض يشترط رؤية جميع الطاقات ، وممن صرح به شراء المصحف وكتب الحديث والفقه وغيرها القاضي والرافعي والبغوي وغيرهم .
( فرع ) أما القفاع فقال أبو الحسن العبادي : يفتح رأسه فينظر فيه بقدر الإمكان ليصح بيعه . وأطلق الغزالي في الإحياء أنه يصح بيعه من غير اشتراط رؤية ، وهذا هو الأصح لأن بقاءه في الكوز من مصالحه ، ولأنه تشق رؤيته ، ولأنه قدر يسير يتسامح به في العادة ، وليس فيه غرر يفوت به مقصود معتبر .
( المسألة الثالثة ) إذا جوزنا بيع الغائب فعليه فروع ( أحدها ) إذا لم تشترط الرؤية اشترط ذكر الجنس والنوع ، فيقول : بعتك عبدي التركي ، وفرسي العربي ، أو الأدهم أو ثوبي المروي ، أو الحنطة الجبلية ، أو السهلية ونحو ذلك ، فلو أخل بالجنس والنوع فقال : بعتك ما في كفي [ ص: 354 ] أو كمي أوخزانتي أو ميراثي من فلان ، ولم يكن المشتري والبائع يعرف ذلك لم يصح البيع ، هذا هو المذهب ، وبه قطع المصنف والجمهور . وفيه وجه أنهما لا يشترطان ، فيصح ، ووجه ثالث أنه يشترط ذكر الجنس دون النوع ، فيقول : عبدي ، وهذان الوجهان حكاهما بيع ما في الكم ونحوه الخراسانيون وهما شاذان ضعيفان . وإذا ذكر الجنس والنوع ففي افتقاره مع ذلك إلى ذكر الصفات ثلاثة أوجه مشهورة ، ذكرها المصنف بأدلتها ( أصحها ) عند الأصحاب : لا يفتقر ، وهو المنصوص في القديم والإملاء والصرف ( والثاني ) : يفتقر إلى ذكر معظم الصفات ، وضبط الأصحاب ذلك بما يصف به المدعي عند ( والثالث ) : يفتقر إلى ذكر صفات السلم ، وهذان الوجهان ضعيفان ، والثالث أضعف من الثاني والثاني قول القاضي القاضي والثالث قول أبي حامد المروزي فعلى المنصوص لو كان له عبدان من نوع فباع أحدهما اشترط تمييزه بسن أو غيره - قال أبي علي الطبري الماوردي : واتفق أصحابنا على أنه لا يشترط ذكر جميع الصفات ، فإن وصفها بجميعها فوجهان ( أحدهما ) وهو قول أصحابنا البغداديين : يصح لأنه أبلغ في نفي الغرر ( والثاني ) وهو قول البصريين : لا يصح لأنه يصير في السلم ، والسلم في الأعيان لا يجوز ، وهذا شاذ ضعيف .
( فرع ) قال الماوردي : إن اشترط ذكر البلد الذي هو فيه ، فيقول بعتك دارا كان المبيع مما لا ينقل كالدار والأرض ببغداد ، وفي اشتراط ذكر البقعة من البلد وجهان ، وإن كان مما ينقل كالعبد والثوب اشترط ذكر البلد الذي هو فيه ، لأن القبض يتعجل إن كان قريبا أو يؤجل إن كان بعيدا أو لا يشترط ذكر البقعة من البلد ، وإذا ذكر البلد الذي فيه المبيع لزمه تسليمه فيه لا في غيره فإن شرط المشتري على البائع أن يسلمه في بلد البيع وكان المبيع في غيره فالبيع باطل بخلاف السلم ، لأنه في الذمة هذا كلام الماوردي ، وحكاه الرافعي عن بعض الأصحاب وسكت عليه . [ ص: 355 ] الثاني ) إذا شرطنا الوصف فوصفه ، فإن وجده دون ما وصف ، فللمشتري الخيار بلا خلاف ، وإن وجده كما وصف فطريقان ( أحدهما ) القطع بثبوت الخيار وبه قطع المصنف في التنبيه وجماعة وهو المنصوص ( وأشهرهما ) أنه على وجهين ذكرهما المصنف بدليلهما هنا ( أصحهما ) ثبوته ( أما ) إذا قلنا : لا يشترط فللمشتري الخيار عند الرؤية ، سواء كان شرط الخيار أم لا ، هذا هو المذهب ، وفيه وجه أنه لا يثبت إلا أن يكون شرطه والصحيح : الأول ، وهل له الخيار قبل الرؤية حتى ينفذ فسخه وإجازته ؟ فيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) ينفذان ( والثاني ) لا ينفذ واحد منهما ( والثالث ) وهو الصحيح ينفذ فسخه قبل الرؤية دون إجازته .
هذا كله في المشتري ( وأما ) البائع ففيه ثلاثة أوجه ( أصحهما ) لا خيار له سواء كان رأى المبيع أم لا ، لأن الخيار في جانبه تعبد ( والثاني ) له الخيار في الحالين كالمشتري ( والثالث ) له الخيار إن لم يكن رآه وبه قطع الشيخ ومتابعوه ، وحيث قلنا : يثبت خيار الرؤية هل يكون على الفور ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما أبو حامد المصنف بدليلهما ( أصحهما ) يمتد ما دام مجلس الرؤية ، وهو قول ( والثاني ) أنه على الفور ، وبه قال أبي إسحاق المروزي قال الشيخ أبو علي بن أبي هريرة في كتابه السلسلة : هذان الوجهان مبنيان على وجهين في ثبوت أبو محمد الجويني ( أحدهما ) يثبت كما يثبت في بيع العين الحاضرة ( والثاني ) لا يثبت للاستغناء عنه بخيار الرؤية ، فعلى الأول خيار الرؤية على الفور ، لئلا يثبت خيار مجلسين في وقت واحد ، وعلى الثاني يمتد إلى انقضاء المجلس ، قال : والفرع مبني على أصل آخر ، وهو أنه إذا مات أحد العاقدين في المجلس وقلنا بالمذهب والمنصوص أنه ينتقل الخيار إلى الوارث فإلى متى يمتد ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) على الفور ( والثاني ) ما دام الوارث في مجلس خبر الموت ، وقد سبقت المسألة واضحة . [ ص: 356 ] الثالث ) خيار المجلس في بيع الغائب فيه وجهان مشهوران للخراسانيين ( أصحهما ) يجوز كما يجوز التوكيل في خيار الخلف والرد بالعيب ( والثاني ) لا ، لأنه خيار شهوة ، ولا يتوقف على نقص ولا غرض ، فلا يجوز التوكيل فيه ، كمن أسلم على أكثر من أربع نسوة فإنه لا يصح توكيله في الاختيار . هل يجوز أن يوكل في الرؤية من يفعل ما يستصوبه من فسخ أو إجازة ؟
( الرابع ) إذا لم نشترط الرؤية فاختلفا فقال البائع للمشتري : أنت رأيت المبيع فلا خيار لك ، فأنكر المشتري ، فوجهان ( أصحهما ) يصدق المشتري بيمينه ( والثاني ) البائع ، فإن شرطنا الرؤية فاختلفا فقال الغزالي في الفتاوى القول قول البائع ، لأن إقدام المشتري على العقد اعتراف بصحته ، قال الرافعي : فلا ينفك هذا عن خلاف ، قلت : هذه المسألة هي مسألة ، وفيها القولان المشهوران ، الأصح قول مدعي الصحة ( والثاني ) قول مدعي الفساد ، فيتعين جريان القولين في مسألتنا ولعل اختلاف المتبايعين في شرط يفسد العقد الغزالي فرعها على الأصح .
( فرع ) لو قال رأى ثوبين فسرق أحدهما فاشترى الثاني ولا يعلم أيهما المسروق الغزالي في الوسيط : إن تساوت قيمتهما وصفتهما وقدرهما كنصفي كرباس واحد صح البيع بلا خلاف ، وإن اختلفا في شيء من ذلك ففيه القولان في بيع الغائب ، وهذا الذي قاله حسن ، ولا يقال : هذا بيع ثوب من ثوبين ، لأن المبيع هنا واحد بعينه ، ولكن ليس مرئيا حالة العقد ، وقد سبقت رؤيته فاكتفي بها . واعلم أن الشيخ - رحمه الله تعالى - اعترض على أبا عمرو بن الصلاح الغزالي في هذا الفرع فقال : جزم بالصحة فيما إذا تساوت صفتهما وقدرهما وقيمتهما مع إجرائه الخلاف في الصورة الثانية قال : والتحقيق يوجب إجراء الخلاف السابق في استقصاء الأوصاف في صورة التساوي كما أجراه في مسألة الأنموذج التي سنذكرها إن شاء الله تعالى لأنه اعتمد مساواة غير المبيع للمبيع في [ ص: 357 ] الصفة المعلق به بالمشاهدة فهو كالأنموذج الذي ليس بمبيع ، المساوي في الصفة للمبيع ولا فرق ، فإن ذكره التساوي في القيمة اعتبار للقيمة مع الوصف ولا وجود لمثاله في هذا الباب هذا كلام ، وهذان الاعتراضان اللذان ذكرهما فاسدان ( أما الأول ) فليس هذا كمسألة الأنموذج ، لأن المبيع غير الأنموذج ليس مرئيا ولا سبقت رؤيته ، وهنا سبقت رؤية الثوبين ( وأما ) قوله : يجب إجراء الخلاف المذكور في الثانية في الأولى فالفرق أن الثوبين في الثانية مختلفان ، فيحصل الغرر بخلاف الأولى ( وأما ) الاعتراض الثاني فجوابه أنه قد تختلف القيمة مع اتحاد القدر والصفة في نحو العبيد والجواري فيحصل الغرر ، والله سبحانه وتعالى أعلم . أبي عمرو
( فرع ) هل يشترط على قولنا باشتراط الرؤية ؟ وكذلك الشم في المسك ونحوه واللبس في الثياب ونحوها ؟ فيه طريقان ( أصحهما ) وبه قطع الأكثرون واقتضاه كلام الجمهور أنه لا يشترط ، قال الذوق في الخل ونحوه الرافعي : هو الصحيح المعروف ( والثاني ) حكاه المتولي فيه وجهان ( أصحهما ) هذا ، لأن معظم المقصود يتعلق بالرؤية فلا يشترط غيرها ( والثاني ) يشترط لأنه يقع في هذا النوع اختلاف .
( فرع ) لو على قولنا بجواز بيع الغائب ففي انفساخ البيع وجهان كنظيره في خيار الشرط وقد سبقت المسألة بفروعها في مسائل خيار الشرط . ولو باعه قبل الرؤية لم يصح بلا خلاف ، بخلاف ما لو باعه في زمن خيار الشرط فإنه يصح على أصح الوجهين كما سبق في موضعه ، لأنه يصير مجيزا للعقد ، وهنا لا تصح ، الإجازة قبل الرؤية على الصحيح كما سبق ، والله سبحانه وتعالى أعلم . تلف المبيع في يد المشتري قبل الرؤية
( فرع ) لو ، فطريقان ( المذهب ) وبه قطع الجمهور أنه على القولين في بيع الغائب ( والثاني ) [ ص: 358 ] باطل قطعا ، لأن ما رآه لا خيار فيه ، وما لم يره فيه الخيار ، والجمع بين الخيار وعدمه في عين واحدة ممتنع ، والطريق الأول قول رأى بعض الثوب ، وبعضه الآخر في صندوق والثاني حكاه أبي إسحاق الماوردي عن كثير من البصريين وغيرهم . ولو ، فإن أبطلنا بيع الغائب ففي صحة العقد فيهما القولان فيمن جمع في صفقة واحدة مختلفي الحكم ، كالبيع والإجارة ، لأن ما رآه لا خيار فيه وما لم يره فيه الخيار ( فإن صححناه ) وهو الأصح فله الرد فيما لم يره وإمساك ما رآه . كان المبيع شيئين رأى أحدهما فقط
( المسألة الرابعة ) إذا لم نجوز بيع الغائب فاشترى ما رآه قبل العقد ولم يره حال العقد فله ثلاثة أحوال : ( أحدها ) أن يكون مما لا يتغير غالبا كالأرض والأواني والحديد والنحاس ونحوها ، أو كان لا يتغير في المدة المتخللة بين العقد والرؤية ، صح البيع على المذهب ، ولا يجيء فيه الخلاف في بيع الغائب هكذا قطع جماهير الأصحاب ، وشذ الأنماطي فأبطل البيع ، وهذا فاسد ، ودليل الجميع في الكتاب ، قال الروياني في البحر : وقد ذكر عن أبو بكر البيهقي عبد العزيز بن مقلاص من تلامذة أنه نقل عن الشافعي مثل قول الشافعي الأنماطي ( فإذا قلنا ) بالمذهب فوجده كما رآه أولا فلا خيار له بلا خلاف ; لأنه ليس ببيع غائب ، وإن وجده متغيرا فالمذهب الذي قطع به الأصحاب أن البيع صحيح ، وله الخيار ، وحكى الغزالي في الوسيط أنه يتبين بطلان البيع لتبين ابتداء المعرفة حالة العقد والصواب : الأول . قال إمام الحرمين : وليس المراد بتغييره حدوث عيب ، فإن خيار العيب لا يختص بهذه الصورة ، بل الرؤية بمنزلة الشرط في الصفات الكائنة عن الرؤية فكل ما فات منها فهو كتبين الخلف في الشرط فيثبت الخيار ( الحال الثاني ) أن يكون المبيع مما يتغير في ذلك المدة غالبا فإن رأى ما يسرع فساده من الأطعمة ثم اشتراه بعد مدة يتغير فيها في العادة ، [ ص: 359 ] فالبيع باطل لأنه بيع مجهول ( الثالث ) أن يمضي على المبيع بعد الرؤية ما يحتمل أن يبقى فيه ، ويحتمل أن لا يبقى ، ويحتمل أن يتغير فيه ، ويحتمل أن لا يتغير أو كان حيوانا فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) عنده وعند الأصحاب صحة العقد ، فعلى هذا إن وجده متغيرا فله الخيار ، وإلا فلا ( والثاني ) لا يصح قال المتولي : هو قول المزني ، وذكر وأبي علي بن أبي هريرة الماوردي هذا الخلاف قولين ، قال : الأول نصه في كتاب البيوع ، وبه قال أكثر الأصحاب والثاني أشار إليه في كتاب الغصب ، واختاره ، والله سبحانه أعلم . المزني
( فرع ) إذا اختلفا في هذه الأحوال في التغير فادعاه المشتري ، وأنكره البائع ، فوجهان ( الصحيح ) المنصوص ، وبه قطع المصنف وكثيرون أن القول قول المشتري بيمينه ، لأن البائع يدعي عليه علمه بهذه الصفة ، فلم يقبل كادعائه اطلاعه على العيب ( والثاني ) حكاه الخراسانيون عن صاحب التقريب القول قول البائع بيمينه ، لأن الأصل عدم التغير ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
( فرع ) قد ذكرنا أنه إذا سبقت رؤيته فله ثلاثة أحوال قال الماوردي : صورة المسألة أن يكون حال البيع متذكرا للأوصاف ، فإن نسيها لطول المدة ونحوها فهو بيع غائب ، وهذا الذي قاله غريب ، ولم يتعرض له الجمهور .
( فرع ) لو صح البيع بلا خلاف ، قال أصحابنا : وذلك كصبرة الحنطة تكفي رؤية ظاهرها ، ولا خيار له إذا رأى بعد ذلك باطنها ، إلا إذا خالف ظاهرها ، قال رأى بعض المبيع دون البعض وهو مما يستدل برؤية بعضه على الباقي المتولي : وحكى قولا شاذا أنه لا يكفي رؤية ظاهر الصبرة بل يشترط أن يقبلها ليعرف باطنها ، والمذهب الأول ، وبه قطع الأصحاب وتظاهرت عليه نصوص أبو سهل الصعلوكي . قال [ ص: 360 ] أصحابنا : وفي معنى الحنطة والشعير صبرة الجوز واللوز والدقيق ونحوها ، فلو رأى شيئا منها في وعائه فرأى أعلاه أو رأى أعلى السمن والزيت والخل وسائر المائعات في ظروفها ، كفى ذلك وصح البيع ، ولا يكون بيع غائب ، ولو الشافعي كفى إن عرف سعة البيت وعمقه ، وإلا فلا ، وكذا حكم الحمد في المحمدة إن رأى أعلاه وعرف سعتها وعمقها صح البيع وإلا فلا . قال أصحابنا : ولا يكفي رؤية صبرة السفرجل والرمان والبطيخ ونحو ذلك ، بل يشترط رؤية كل واحد منها ، قالوا : لا يكفي في سلة العنب والتين والخوخ ونحو ذلك رؤية أعلاه لكثرة الاختلاف فيها بخلاف الحبوب ( أما ) الثمر فإن لم يلتزق بعض حباته ببعض فصبرته كصبرة اللوز والجوز فيصح بيعها ، وإن التزقت كقوصرة التمر فوجهان حكاهما كانت الحنطة في بيت مملوء منها فرأى بعضها من الكوة أو الباب المتولي وآخرون ( الصحيح ) الاكتفاء برؤية أعلاها ( والثاني ) لا يكفي بل يكون بيع غائب وذكر الماوردي فيه طريقين من غير تفصيل اللازق وغيره ( أحدهما ) على قول بيع الغائب ( أصحهما ) وهو قول جمهور الأصحاب - يصح قولا واحدا ( وأما ) القطن في الأعدال فهل يكفي رؤية أعلاه ؟ فيه خلاف حكاه ، قال : والأشبه عندي أنه كقوصرة التمر ، وهذا هو الصحيح الصيمري
( فرع ) لو ، فطريقان ( المذهب ) وبه قطع الجمهور أنه على القولين في بيع الغائب ( والثاني ) [ ص: 358 ] باطل قطعا ، لأن ما رآه لا خيار فيه ، وما لم يره فيه الخيار ، والجمع بين الخيار وعدمه في عين واحدة ممتنع ، والطريق الأول قول رأى بعض الثوب ، وبعضه الآخر في صندوق والثاني حكاه أبي إسحاق الماوردي عن كثير من البصريين وغيرهم . ولو ، فإن أبطلنا بيع الغائب ففي صحة العقد فيهما القولان فيمن جمع في صفقة واحدة مختلفي الحكم ، كالبيع والإجارة ، لأن ما رآه لا خيار فيه وما لم يره فيه الخيار ( فإن صححناه ) وهو الأصح فله الرد فيما لم يره وإمساك ما رآه . كان المبيع شيئين رأى أحدهما فقط
( المسألة الرابعة ) إذا لم نجوز بيع الغائب فاشترى ما رآه قبل العقد ولم يره حال العقد فله ثلاثة أحوال : ( أحدها ) أن يكون مما لا يتغير غالبا كالأرض والأواني والحديد والنحاس ونحوها ، أو كان لا يتغير في المدة المتخللة بين العقد والرؤية ، صح البيع على المذهب ، ولا يجيء فيه الخلاف في بيع الغائب هكذا قطع جماهير الأصحاب ، وشذ الأنماطي فأبطل البيع ، وهذا فاسد ، ودليل الجميع في الكتاب ، قال الروياني في البحر : وقد ذكر عن أبو بكر البيهقي عبد العزيز بن مقلاص من تلامذة أنه نقل عن الشافعي مثل قول الشافعي الأنماطي ( فإذا قلنا ) بالمذهب فوجده كما رآه أولا فلا خيار له بلا خلاف ; لأنه ليس ببيع غائب ، وإن وجده متغيرا فالمذهب الذي قطع به الأصحاب أن البيع صحيح ، وله الخيار ، وحكى الغزالي في الوسيط أنه يتبين بطلان البيع لتبين ابتداء المعرفة حالة العقد والصواب : الأول . قال إمام الحرمين : وليس المراد بتغييره حدوث عيب ، فإن خيار العيب لا يختص بهذه الصورة ، بل الرؤية بمنزلة الشرط في الصفات الكائنة عن الرؤية فكل ما فات منها فهو كتبين الخلف في الشرط فيثبت الخيار ( الحال الثاني ) أن يكون المبيع مما يتغير في ذلك المدة غالبا فإن رأى ما يسرع فساده من الأطعمة ثم اشتراه بعد مدة يتغير فيها في العادة ، [ ص: 359 ] فالبيع باطل لأنه بيع مجهول ( الثالث ) أن يمضي على المبيع بعد الرؤية ما يحتمل أن يبقى فيه ، ويحتمل أن لا يبقى ، ويحتمل أن يتغير فيه ، ويحتمل أن لا يتغير أو كان حيوانا فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) عنده وعند الأصحاب صحة العقد ، فعلى هذا إن وجده متغيرا فله الخيار ، وإلا فلا ( والثاني ) لا يصح قال المتولي : هو قول المزني ، وذكر وأبي علي بن أبي هريرة الماوردي هذا الخلاف قولين ، قال : الأول نصه في كتاب البيوع ، وبه قال أكثر الأصحاب والثاني أشار إليه في كتاب الغصب ، واختاره ، والله سبحانه أعلم . المزني
( فرع ) إذا اختلفا في هذه الأحوال في التغير فادعاه المشتري ، وأنكره البائع ، فوجهان ( الصحيح ) المنصوص ، وبه قطع المصنف وكثيرون أن القول قول المشتري بيمينه ، لأن البائع يدعي عليه علمه بهذه الصفة ، فلم يقبل كادعائه اطلاعه على العيب ( والثاني ) حكاه الخراسانيون عن صاحب التقريب القول قول البائع بيمينه ، لأن الأصل عدم التغير ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
( فرع ) قد ذكرنا أنه إذا سبقت رؤيته فله ثلاثة أحوال قال الماوردي : صورة المسألة أن يكون حال البيع متذكرا للأوصاف ، فإن نسيها لطول المدة ونحوها فهو بيع غائب ، وهذا الذي قاله غريب ، ولم يتعرض له الجمهور .
( فرع ) لو صح البيع بلا خلاف ، قال أصحابنا : وذلك كصبرة الحنطة تكفي رؤية ظاهرها ، ولا خيار له إذا رأى بعد ذلك باطنها ، إلا إذا خالف ظاهرها ، قال رأى بعض المبيع دون البعض وهو مما يستدل برؤية بعضه على الباقي المتولي : وحكى قولا شاذا أنه لا يكفي رؤية ظاهر الصبرة بل يشترط أن يقبلها ليعرف باطنها ، والمذهب الأول ، وبه قطع الأصحاب وتظاهرت عليه نصوص أبو سهل الصعلوكي . قال [ ص: 360 ] أصحابنا : وفي معنى الحنطة والشعير صبرة الجوز واللوز والدقيق ونحوها ، فلو رأى شيئا منها في وعائه فرأى أعلاه أو رأى أعلى السمن والزيت والخل وسائر المائعات في ظروفها ، كفى ذلك وصح البيع ، ولا يكون بيع غائب ، ولو الشافعي كفى إن عرف سعة البيت وعمقه ، وإلا فلا ، وكذا حكم الحمد في المحمدة إن رأى أعلاه وعرف سعتها وعمقها صح البيع وإلا فلا . قال أصحابنا : ولا يكفي رؤية صبرة السفرجل والرمان والبطيخ ونحو ذلك ، بل يشترط رؤية كل واحد منها ، قالوا : لا يكفي في سلة العنب والتين والخوخ ونحو ذلك رؤية أعلاه لكثرة الاختلاف فيها بخلاف الحبوب ( أما ) الثمر فإن لم يلتزق بعض حباته ببعض فصبرته كصبرة اللوز والجوز فيصح بيعها ، وإن التزقت كقوصرة التمر فوجهان حكاهما كانت الحنطة في بيت مملوء منها فرأى بعضها من الكوة أو الباب المتولي وآخرون ( الصحيح ) الاكتفاء برؤية أعلاها ( والثاني ) لا يكفي بل يكون بيع غائب وذكر الماوردي فيه طريقين من غير تفصيل اللازق وغيره ( أحدهما ) على قول بيع الغائب ( أصحهما ) وهو قول جمهور الأصحاب - يصح قولا واحدا ( وأما ) القطن في الأعدال فهل يكفي رؤية أعلاه ؟ فيه خلاف حكاه ، قال : والأشبه عندي أنه كقوصرة التمر ، وهذا هو الصحيح الصيمري
( فرع ) إذا - نظر إن قال : بعتك من هذا النوع كذا وكذا - فالمبيع باطل . لأنه لم يعين مالا - ولم يراع شروط السلم ، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السلم على الصحيح من الوجهين ، لأن الوصف يرجع إليه عند النزاع بخلاف هذا وإن قال : بعتك الحنطة التي في هذا البيت ، وهذا الأنموذج [ ص: 361 ] منها ، فإن لم يدخل الأنموذج في البيع فوجهان ( أصحهما ) لا يصح البيع ، لأن البيع غير مرئي وإن أدخله صح على أصح الوجهين ، كما لو رآه متصلا بالباقي . وإن شئت جمعت الصورتين فقلت : فيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) الصحة ( والثاني ) البطلان ( وأصحها ) إن أدخل الأنموذج في البيع صح ، وإلا فلا ، ثم صورة المسألة مفروضة في المتماثلات ، والله سبحانه وتعالى أعلم . رأى أنموذجا من المبيع منفصلا عنه ، وبنى أمر المبيع عليه
( فرع ) إن ، قال اشترى الثوب المطوي وصححناه ، فنشره واختار الفسخ ، ولم يحسن طيه وكان لطيه مؤنة في شرح التلخيص : وجبت مؤنة طيه على المشتري كما لو اشترى شيئا ونقله إلى بيته فوجد به عيبا ، فإن مؤنة رده على المشتري . القفال
( فرع ) قال أصحابنا : لا يصح بلا خلاف سواء جوزنا بيع الغائب أم لا ، سواء باع الجلد واللحم معا أو أحدهما ، ولا يجوز بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ ، وفي الأكارع وجه شاذ أنه يصح بيعها ويجوز بيعهما بعد الإبانة نيئة ومشوية ، وكذا المبسوط نيئا ومشويا وفي النيء احتمال بيع الأكارع والرءوس قبل الإبانة لإمام الحرمين من حيث إنه مستور بالجلد ، والمذهب الصحة لأنه جلد مأكول فأشبه المشوي .
( فرع ) إذا ، فوجهان حكاهما رأى فصا لم يعلم أنه جوهر أو زجاج فاشتراه المتولي ( أحدهما ) لا يصح البيع ، لأن مقصود الرؤية انتفاء الغرر ولم يحصل ( وأصحهما ) يصح لوجود العلم بعينه .
( فرع ) قال الروياني : لو ، فيحتمل أن يصح البيع ، لأن أكثر ما تغير الصفات ، وذلك لا يبطل البيع ، ويحتمل أن لا يصح ، لأن الرؤية لم تحصل على العادة ، قال : وهذا [ ص: 362 ] أصح ، قال : وعلى هذا لو رأى رطبا ثم اشتراه تمرا لم يصح ، رأى أرضا وآجرا وطينا ثم بنى حماما في تلك الأرض بذلك الآجر والطين ، فاشترى الحمام ولم يره وهو حمامقلت : هذا الاحتمال الثاني هو الصواب ، لأن هذا غرر كبير تختلف به الأغراض ، هذا إذا لم يصح بيع الغائب .
( فرع ) إذا ، فوجهان حكاهما رأى فصا لم يعلم أنه جوهر أو زجاج فاشتراه المتولي ( أحدهما ) لا يصح البيع ، لأن مقصود الرؤية انتفاء الغرر ولم يحصل ( وأصحهما ) يصح لوجود العلم بعينه .
( فرع ) قال الروياني : لو ، فيحتمل أن يصح البيع ، لأن أكثر ما تغير الصفات ، وذلك لا يبطل البيع ، ويحتمل أن لا يصح ، لأن الرؤية لم تحصل على العادة ، قال : وهذا [ ص: 362 ] أصح ، قال : وعلى هذا لو رأى رطبا ثم اشتراه تمرا لم يصح ، رأى أرضا وآجرا وطينا ثم بنى حماما في تلك الأرض بذلك الآجر والطين ، فاشترى الحمام ولم يره وهو حمامقلت : هذا الاحتمال الثاني هو الصواب ، لأن هذا غرر كبير تختلف به الأغراض ، هذا إذا لم يصح بيع الغائب .
( فرع ) قال الروياني : قال : يصح لو القفال ، ففيه قولا بيع الغائب ، وقال رأى سخلة فصارت شاة أو صبيا فصار رجلا ولم يره بغير الرؤية الأولى ثم اشتراه : يصح ولا خيار ( فرع ) قال أبو حنيفة الماوردي : فيه وجهان ( أحدهما ) قاله إذا جوزنا بيع الغائب فتبايعاه بشرطه ، فهل العقد تام قبل الرؤية ؟ : ليس تاما ، لأن تمامه بالرضا به ، وقبل الرؤية لا يحصل الرضا ، فعلى هذا إن مات أحدهما بطل العقد ولم يقم وارثه مقامه ، لأن العقد الذي ليس بلازم يبطل بالموت وكذا لو جن أحدهما أو حجر عليه بسفه بطل العقد ، ولكل واحد منهما الفسخ قبل الرؤية ( والثاني ) وهو قول أبو إسحاق المروزي أن العقد تام ، ولهما خيار المجلس ما لم يتفرقا ، فإن مات أحدهما لم يبطل العقد ، بل يقوم وارثه مقامه ، وإن جن أو حجر عليه قام وليه مقامه وليس لأحدهما الفسخ قبل الرؤية ، قال أبي علي بن أبي هريرة الماوردي : وثبوت الخيار عند الرؤية ينبني على هذا الخلاف فعند أن خيار المجلس عند الرؤية ، ويدوم ما لم يفارق المجلس ، قال وله أن يشترط في المجلس خيار الثلاث ، وتأجيل الثمن والزيادة فيه والنقصان منه ، وعند أبي إسحاق أبي علي لا خيار له إلا بعيب وليس له شرط خيار الثلاث ولا تأجيل الثمن ولا الزيادة فيه ولا النقص منه .
( فرع ) قال الماوردي : باطل بلا خلاف ( قال : ) فأما بيع العين الغائبة بشرط نفي خيار الرؤية كثوب في سفط أو مطوي ، ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه على القولين في بيع الغائب ، لأنه أبعد من الغرر ( والثاني ) لا يصح قولا واحدا قال : وهو [ ص: 363 ] قول أكثر أصحابنا وإليه أشار بيع الحاضر بشرط خيار الرؤية أبو إسحاق ، لأن الحاضر تمكن رؤيته ، فلا ضرورة إلى بيعه بشرط خيار الرؤية بخلاف الغائب ، هذا كلام وأبو علي بن أبي هريرة الماوردي وذكر الروياني مثله بحروفه إلا أنه ذكر في بيع الغائب بشرط نفي خيار الرؤية وجها شاذا أنه يصح البيع ، ويلغو الشرط تخريجا من الخلاف في البيع بشرط البراءة من العيوب .
( فرع ) قال الماوردي : دمشق اللفت - والبصل ونحوها في الأرض قبل قلعها بشرط خيار الرؤية فيه طريقان : ( أحدهما ) على القولين في بيع الغائب ( والثاني ) لا يصح قولا واحدا ، قال : وهو قول سائر أصحابنا ، والفرق بينه وبين بيع الغائب من وجهين ( أحدهما ) أن الغائب يمكن وصفه بخلاف هذا ( والثاني ) أن الغائب إذا فسخ العقد فيه يرده المشتري كما كان بخلاف هذا . بيع الجزر والسلجم - وهو الذي يقال له في
( فرع ) إذا ، قال جوزنا بيع الغائب فاشترى ثوبا غائبا فحضر ونشر بعضه ونظر إليه الروياني : لا يبطل خياره حتى يرى جمعيه .
( فرع ) قال الروياني : لو ففي بيعه طريقان ( أحدهما ) يصح ( والثاني ) فيه القولان في بيع الغائب . كان المبيع مضبوطا بخبر
( فرع ) إذا ، قال جوزنا بيع الغائب فاشترى ثوبا غائبا فحضر ونشر بعضه ونظر إليه الروياني : لا يبطل خياره حتى يرى جمعيه .
( فرع ) قال الروياني : لو ففي بيعه طريقان ( أحدهما ) يصح ( والثاني ) فيه القولان في بيع الغائب . كان المبيع مضبوطا بخبر
( فرع ) قال أصحابنا : ، فإذا وكل من يشتري له عينا ، فإن رآها الوكيل حال العقد أو قبله ، واكتفينا بالرؤية السابقة ، صح البيع قولا واحدا ، سواء كان الموكل رآها أم لا ، ولا خيار إذا رآها بعد العقد ، وإن لم يرها الوكيل ، ولكن رآها الموكل ، فهو بيع غائب ففيه القولان . الاعتبار في رؤية المبيع وعدمها بالعاقد
[ ص: 364 ] فرع ) قال أصحابنا : لو ، لم يصح البيع بلا خلاف ، ونص عليه كان الثوب على منسج قد نسج بعضه ، فباعه على أن ينسج البائع باقيه في كتاب الصرف لعلتين . الشافعي
( فرع ) إذا ، صح البيع ، كما يصح بيع الدار وإن لم ير أساسها ، وقد نقل اشترى جبة محشوة ، ورأى الجبة دون الحشو المالكي وغيره الإجماع على صحة بيع الجبة ، وقد ذكرناه في أول هذا الباب . المازري
[ ص: 364 ] فرع ) قال أصحابنا : لو ، لم يصح البيع بلا خلاف ، ونص عليه كان الثوب على منسج قد نسج بعضه ، فباعه على أن ينسج البائع باقيه في كتاب الصرف لعلتين . الشافعي
( فرع ) إذا ، صح البيع ، كما يصح بيع الدار وإن لم ير أساسها ، وقد نقل اشترى جبة محشوة ، ورأى الجبة دون الحشو المالكي وغيره الإجماع على صحة بيع الجبة ، وقد ذكرناه في أول هذا الباب . المازري
( فرع ) في . قد ذكرنا أن أصح القولين في مذهبنا بطلانه ، وبه قال مذاهب العلماء في بيع العين الغائبة الحكم وحماد ، وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم : يصح ، نقله وابن المنذر البغوي وغيره عن أكثر العلماء ، قال : فيه ثلاثة مذاهب ( مذهب ) ابن المنذر أنه لا يصح ( والثاني ) يصح البيع إذا وصفه ، وللمشتري الخيار ، إذا رآه ، سواء كان على تلك الصفة أم لا ، وهو قول الشافعي الشعبي والحسن والنخعي والثوري وغيره من أهل الرأي ( والثالث ) يصح البيع ، وللمشتري الخيار ، إن كان على غير ما وصف ، وإلا فلا خيار ، قاله وأبي حنيفة ابن سيرين وأيوب السختياني ومالك وعبيد الله بن الحسن وأحمد وأبو ثور وابن نصر ، قال : وبه أقول . واحتج لمن صححه بقوله تعالى : { ابن المنذر وأحل الله البيع } وهذا على عمومه إلا بيعا منعه كتاب أو سنة أو إجماع وبحديث أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه إن شاء أخذه وإن شاء تركه } وبحديث عمر بن إبراهيم بن خالد عن وهب البكري [ ص: 365 ] عن عن محمد بن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه } وبحديث عثمان المذكور في الكتاب وقد سبق بيانه . وطلحة
قالوا : وقياسا على النكاح فإنه لا يشترط رؤية الزوجين بالإجماع وقياسا على بيع الرمان والجوز واللوز في قشرة الأسفل ، وقياسا على ما لو رآه قبل العقد ، واحتج الأصحاب بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم { وابن عمر } رواهما نهى عن بيع الغرر ، وهذا غرر ظاهر فأشبه بيع المعدوم الموصوف ، كحبل الحبلة وغيره ، وبحديث : { مسلم } وسبق بيانه ، وقياسا على من باع النوى في التمر . لا تبع ما ليس عندك
( وأما ) الجواب عن احتجاجهم بالآية الكريمة فهي عامة مخصوصة بحديث النهي عن بيع الغرر ( والجواب ) عن حديث مكحول فهو أنه حديث ضعيف باتفاق المحدثين وضعفه من وجهين ( أحدهما ) أنه مرسل لأن مكحولا تابعي ( والثاني ) أن أحد رواته ضعيف ، فإن أبا بكر بن أبي مريم المذكور ضعيف باتفاق المحدثين ، وكذا الجواب عن حديث فإنه أيضا ضعيف باتفاقهم أبي هريرة وعمر بن إبراهيم بن خالد مشهور بالضعف ووضع الحديث . وممن روى هذين الحديثين وضعفهما الدارقطني ، قال والبيهقي : الدارقطني أبو بكر بن أبي مريم ضعيف ، يضع الحديث قال : وهذا حديث باطل لم يروه غيره ، وإنما يروى هذا عن وعمر بن إبراهيم من قوله . ( والجواب ) عن قصة ابن سيرين عثمان وطلحة أنه لم ينتشر ذلك في الصحابة رضي الله عنهم ( والصحيح ) عندنا أن قول الصحابة ليس بحجة إلا أن ينتشر من غير مخالفة ( والجواب ) عن قياسهم على النكاح أن المعقود عليه هناك استباحة الاستمتاع ولا يمكن رؤيتها ، ولأن الحاجة تدعو إلى ترك الرؤية هناك لمشقتها غالبا . [ ص: 366 ] والجواب ) عن قياسهم على الرمان والجوز أن ظاهرهما يقوم مقام باطنهما في الرؤية ، كصبرة الحنطة ، ولأن في استتار باطنها مصلحة لها كأساس الدار بخلاف بيع الغائب . وجبير بن مطعم
( والجواب ) عن قياسهم على ما لو رآه قبل العقد أن المبيع هناك يكون معلوما للمشتري حال العقد ، وبخلاف مسألتنا والله سبحانه وتعالى أعلم .
قالوا : وقياسا على النكاح فإنه لا يشترط رؤية الزوجين بالإجماع وقياسا على بيع الرمان والجوز واللوز في قشرة الأسفل ، وقياسا على ما لو رآه قبل العقد ، واحتج الأصحاب بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم { وابن عمر } رواهما نهى عن بيع الغرر ، وهذا غرر ظاهر فأشبه بيع المعدوم الموصوف ، كحبل الحبلة وغيره ، وبحديث : { مسلم } وسبق بيانه ، وقياسا على من باع النوى في التمر . لا تبع ما ليس عندك
( وأما ) الجواب عن احتجاجهم بالآية الكريمة فهي عامة مخصوصة بحديث النهي عن بيع الغرر ( والجواب ) عن حديث مكحول فهو أنه حديث ضعيف باتفاق المحدثين وضعفه من وجهين ( أحدهما ) أنه مرسل لأن مكحولا تابعي ( والثاني ) أن أحد رواته ضعيف ، فإن أبا بكر بن أبي مريم المذكور ضعيف باتفاق المحدثين ، وكذا الجواب عن حديث فإنه أيضا ضعيف باتفاقهم أبي هريرة وعمر بن إبراهيم بن خالد مشهور بالضعف ووضع الحديث . وممن روى هذين الحديثين وضعفهما الدارقطني ، قال والبيهقي : الدارقطني أبو بكر بن أبي مريم ضعيف ، يضع الحديث قال : وهذا حديث باطل لم يروه غيره ، وإنما يروى هذا عن وعمر بن إبراهيم من قوله . ( والجواب ) عن قصة ابن سيرين عثمان وطلحة أنه لم ينتشر ذلك في الصحابة رضي الله عنهم ( والصحيح ) عندنا أن قول الصحابة ليس بحجة إلا أن ينتشر من غير مخالفة ( والجواب ) عن قياسهم على النكاح أن المعقود عليه هناك استباحة الاستمتاع ولا يمكن رؤيتها ، ولأن الحاجة تدعو إلى ترك الرؤية هناك لمشقتها غالبا . [ ص: 366 ] والجواب ) عن قياسهم على الرمان والجوز أن ظاهرهما يقوم مقام باطنهما في الرؤية ، كصبرة الحنطة ، ولأن في استتار باطنها مصلحة لها كأساس الدار بخلاف بيع الغائب . وجبير بن مطعم
( والجواب ) عن قياسهم على ما لو رآه قبل العقد أن المبيع هناك يكون معلوما للمشتري حال العقد ، وبخلاف مسألتنا والله سبحانه وتعالى أعلم .