الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( ويجوز المسح على كل خف صحيح يمكن متابعة المشي عليه سواء كان من الجلود أو اللبود أو الخرق أو غيرها ، فأما الخف المخرق ففيه قولان قال في القديم : إن كان الخرق لا يمنع متابعة المشي عليه جاز المسح عليه لأنه خف يمكن متابعة المشي عليه فأشبه الصحيح ، وقال في الجديد : إن ظهر من الرجل شيء لم يجز المسح عليه لأن ما انكشف حكمه الغسل والجمع بينهما لا يجوز ، فغلب حكم الغسل كما لو انكشفت إحدى الرجلين واستترت الأخرى ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) اتفق أصحابنا على أنه لا يشترط في الخف جنس الجلود ، بل يجوز المسح على الجلود واللبود والخرق المطبقة والخشب وغيرها بشرط أن يكون صحيحا يمكن متابعة المشي عليه ; لأن سبب الإباحة الحاجة وهي موجودة في كل ذلك وهو نظير الاستنجاء بالأحجار . واتفق الأصحاب [ ص: 523 ] ونصوص الشافعي رضي الله عنه على أنه يشترط في الخف كونه قويا يمكن متابعة المشي عليه قالوا : ومعنى ذلك أن المشي يمكن عليه في مواضع النزول وعند الحط والترحال وفي الحوائج التي يتردد فيها في المنزل وفي المقيم نحو ذلك كما جرت عادة لابسي الخفاف ، ولا يشترط إمكان متابعة المشي فراسخ ، هكذا صرح به أصحابنا



                                      وأما المخرق ففيه أربع صور ( إحداها ) أن يكون الخرق فوق الكعب فلا يضر ويجوز المسح عليه بلا خلاف نص عليه الشافعي رضي الله عنه في الأم والمختصر وغيرهما واتفق عليه الأصحاب .

                                      ( الثانية ) يكون الخرق في محل الفرض وهو فاحش لا يمكن متابعة المشي عليه فلا يجوز المسح بلا خلاف .

                                      ( الثالث ) يكون في محل الفرض ولكنه يسير جدا بحيث لا يظهر منه شيء من محل الفرض قال أصحابنا : وذلك كمواضع الخرز فيجوز المسح بلا خلاف ، قال القاضي حسين وغيره : ما بقي من مواضع الخرز لا يضر وإن نفذ منه الماء .

                                      ( الرابعة ) يكون في محل الفرض يظهر منه شيء من الرجل ويمكن متابعة المشي عليه ففيه القولان المذكوران في الكتاب وهما مشهوران أصحهما ، أنه لا يجوز وهو نصه في الجديد وسواء حدث الخرق بعد اللبس أو كان قبله وسواء كان في مقدم الخف أو مؤخره أو وسطه . وأما قول الشافعي رضي الله عنه في المختصر : وإن تخرق من مقدم الخف شيء ، فليس مراده التقييد بالمقدم بل ذكره لكونه الغالب . كذا أجاب الماوردي عنه . وقال الشيخ أبو حامد والقاضي حسين والروياني : أراد موضع القدم ولم يرد المقدم الذي هو ضد المؤخر ، وأما قول المصنف : كما لو انكشفت إحدى الرجلين واستترت الأخرى فقياس صحيح وفيه تنبيه على مسألة مهمة من أصول الباب وهي أنه لو لبس خفا في رجل دون الأخرى ومسح عليه وغسل الأخرى لم يجز بلا خلاف وسنوضحها مقصودة بتفريعها في المسائل الزائدة في آخر الباب إن شاء الله تعالى والله أعلم



                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في الخف المخرق خرقا في محل الفرض يمكن متابعة المشي عليه . قد ذكرنا أن الصحيح الجديد في مذهبنا أنه لا يجوز [ ص: 524 ] المسح عليه وبه قال معمر بن راشد وأحمد بن حنبل وحكى ابن المنذر عن سفيان الثوري وإسحاق ويزيد بن هارون وأبي ثور جواز المسح على جميع الخفاف وعن الأوزاعي إن ظهرت طائفة من رجله مسح على خفيه وعلى ما ظهر من رجله ، وعن مالك رضي الله عنه إن كان الخرق يسيرا مسح وإن كان كثيرا لم يجز المسح ، وعن أبي حنيفة وأصحابه : إن كان الخرق قدر ثلاثة أصابع لم يجز المسح وإن كان دونه جاز ، وعن الحسن البصري : إن ظهر الأكثر من أصابعه لم يجز ، قال ابن المنذر : وبقول الثوري أقول لظاهر إباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين قولا عاما يدخل فيه جميع الخفاف .

                                      واحتج القائلون بالجواز على اختلاف مذاهبهم بما احتج به ابن المنذر وبأن جواز المسح رخصة وتدعو الحاجة إلى المخرق وبأنه لا تخلو الخفاف عن الخرق غالبا وقد يتعذر خرزه لا سيما في السفر فعفي عنه للحاجة ، وبأنه خف يحرم على المحرم لبسه وتجب به الفدية ، فجاز المسح عليه كالصحيح . واحتج أصحابنا بأشياء كثيرة أحسنها ما ذكره المصنف . وأجابوا عن استدلالهم بإطلاق إباحة المسح أنه محمول على المعهود وهو الخف الصحيح ، وعن الثاني أن المخروق لا يلبس غالبا ، فلا تدعو إليه الحاجة ، وعن قولهم : يحرم على المحرم لبسه وتجب به الفدية بأن إيجاب الفدية منوط بالترفه وهو حاصل بالمخرق ، والمسح منوط بالستر ولا يحصل بالمخرق ، ولهذا لو لبس الخف في إحدى الرجلين لا يجوز المسح ، ولو لبسه محرم وجبت الفدية والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية