الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 70 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وكذلك لا ينتقض الطهر بقهقهة المصلي لما روي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء } ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث جابر هذا روي مرفوعا وموقوفا على جابر ورفعه ضعيف قال البيهقي وغيره : الصحيح أنه موقوف على جابر ، وذكره البخاري في صحيحه عن جابر موقوفا عليه ، ذكره تعليقا ، والضحك معروف ، وهو بفتح الضاد وكسر الحاء ، هذا أصله ، ويجوز إسكان الحاء مع فتح الضاد وكسرها ، ويجوز كسرهما فهي أربعة أوجه واختلف العلماء في الضحك في الصلاة إن كان بقهقهة ، فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنه لا ينقض ، وبه قال ابن مسعود وجابر وأبو موسى الأشعري ، وهو قول جمهور التابعين فمن بعدهم . وروى البيهقي عن أبي الزناد قال : أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبا بكر بن عبد الرحمن ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وعبد الله بن عبيد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار ومشيخة جلة سواهم يقولون : الضحك في الصلاة ينقضها ولا ينقض الوضوء قال البيهقي : وروينا نحوه عن عطاء والشعبي والزهري ، وحكاه أصحابنا عن مكحول ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود .

                                      وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة : ينقض الوضوء . وعن الأوزاعي روايتان ، وأجمعوا أن الضحك إذا لم يكن فيه قهقهة لا يبطل الوضوء ، وعلى أن القهقهة خارج الصلاة لا تنقض الوضوء واحتج للقائلين بالنقض في الصلاة بما روي عن أبي العالية والحسن البصري ومعبد الجهني وإبراهيم النخعي والزهري : " { أن رجلا أعمى جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، فتردى بماء في بئر ; فضحك طوائف من الصحابة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة } " . [ ص: 71 ] وعن عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم " { الضحك في الصلاة قرقرة تبطل الصلاة والوضوء } " ولأنها عبادة يبطلها الحدث فأبطلها الضحك كالصلاة واحتج أصحابنا بحديث جابر المذكور في الكتاب وقد بيناه ، وبأن الضحك لو كان ناقضا لنقض في الصلاة وغيرها كالحدث ; لأنها صلاة شرعية فلم ينقض الضحك فيها الوضوء ، كصلاة الجنازة فقد وافقوا عليها . وذكر الأصحاب أقيسة كثيرة ومعاني ، والمعتمد أن الطهارة صحيحة ونواقض الوضوء محصورة ، فمن ادعى زيادة فليثبتها ، ولم يثبت في النقض بالضحك شيء أصلا . وأما ما نقلوه عن أبي العالية ورفقته وعن عمران وغير ذلك مما رووه فكلها ضعيفة واهية باتفاق أهل الحديث قالوا : ولم يصح في هذه المسألة حديث وقد بين البيهقي وغيره وجوه ضعفها بيانا شافيا ، فلا حاجة إلى الإطالة بتفصيله مع الاتفاق على ضعفها . وأما قياسهم فلا يصح ; لأن الأحداث لا تثبت قياسا ; لأنها غير معقولة العلة كما سبق ولو صح لكان منتقضا بغسل الجنابة فإنه يبطله خروج المني لا يبطله الضحك في الصلاة بالإجماع . قال ابن المنذر بعد أن ذكر اختلاف العلماء فيه : وبقول من قال لا وضوء نقول : لا ; لأنا لا نعلم لمن أوجب الوضوء حجة . قال : والقذف في الصلاة عند من خالفنا لا يوجب الوضوء فالضحك أولى والله أعلم



                                      ( فرع ) قدمنا في أول الباب أن الردة لا تنقض الوضوء عندنا على الصحيح وبه قال جمهور العلماء . وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وأبو داود : تنقض واحتجوا بقوله تعالى ( { : ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله } ) ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " { لا وضوء إلا من صوت أو ريح } " وهو حديث صحيح سبق بيانه أول الباب . [ ص: 72 ] والجواب عن الآية الكريمة أن المراد بالإحباط من مات على الردة كما قال سبحانه وتعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } .




                                      الخدمات العلمية