الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1300 ) مسألة : قال : ( فحمد الله ، وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وجلس وقام ، فأتى أيضا بالحمد لله والثناء عليه ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقرأ ووعظ ، وإن أراد أن يدعو لإنسان دعا ) وجملته أنه يشترط للجمعة خطبتان . وهذا مذهب الشافعي . وقال مالك ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن المنذر ، وأصحاب الرأي : يجزيه خطبة واحدة .

                                                                                                                                            وقد روي عن أحمد ما يدل عليه ، فإنه قال : لا تكون الخطبة إلا كما خطب النبي صلى الله عليه وسلم أو خطبة تامة . ووجه الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين ، كما روينا في حديث ابن عمر ، وجابر بن سمرة ، وقد قال : { صلوا كما رأيتموني أصلي } ولأن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين . فكل خطبة مكان ركعة ، فالإخلال بإحداهما كالإخلال بإحدى الركعتين .

                                                                                                                                            ويشترط لكل واحدة منهما حمد الله تعالى ، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر } .

                                                                                                                                            وإذا وجب ذكر الله تعالى ، وجب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لما روي في تفسير قوله تعالى : { ألم نشرح لك صدرك } { ورفعنا لك ذكرك } قال : لا أذكر إلا ذكرت معي ، ولأنه موضع وجب فيه ذكر الله تعالى ، والثناء عليه ، فوجب فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كالأذان والتشهد

                                                                                                                                            ويحتمل أن لا تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في خطبه ذلك . فأما القراءة ، فقال القاضي : يحتمل أن يشترط لكل واحدة من الخطبتين ، وهو ظاهر كلام الخرقي ; لأن الخطبتين أقيمتا مقام ركعتين ، فكانت القراءة شرطا فيهما [ ص: 76 ] كالركعتين .

                                                                                                                                            ويحتمل أن تشترط في إحداهما ; لما روى الشعبي ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس ، فقال : السلام عليكم . ويحمد الله ، ويثني عليه ، ويقرأ سورة ، ثم يجلس ، ثم يقوم فيخطب ثم ينزل ، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه } . رواه الأثرم . فظاهر هذا أنه إنما قرأ في الخطبة الأولى ، ووعظ في الخطبة الثانية . وظاهر كلام الخرقي أن الموعظة إنما تكون في الخطبة الثانية ; لهذا الخبر .

                                                                                                                                            وقال القاضي : تجب في الخطبتين ; لأنها بيان المقصود من الخطبة ، فلم يجز الإخلال بها . وقال أبو حنيفة : لو أتى بتسبيحة واحدة أجزأ ; لأن الله تعالى قال : { فاسعوا إلى ذكر الله } ولم يعين ذكرا ، فأجزأ ما يقع عليه اسم الذكر ، ويقع اسم الخطبة على دون ما ذكرتموه ، بدليل أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : علمني عملا أدخل به الجنة . فقال : " لئن أقصرت في الخطبة لقد أعرضت في المسألة " .

                                                                                                                                            وعن مالك روايتان ، كالمذهبين .

                                                                                                                                            ولنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الذكر بفعله ، فيجب الرجوع إلى تفسيره ، قال جابر بن سمرة : { كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا ، وخطبته قصدا ، يقرأ آيات من القرآن ، ويذكر الناس } . وقال جابر : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس ، يحمد الله ، ويثني عليه بما هو أهله ، ثم يقول : من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له } .

                                                                                                                                            وقال ابن عمر : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ، ثم يجلس ، ثم يقوم . كما يفعلون اليوم } . فأما التسبيح والتهليل فلا يسمى خطبة . والمراد بالذكر الخطبة ، وما رووه مجاز ; فإن السؤال لا يسمى خطبة ، ولذلك لو ألقى مسألة على الحاضرين لم يكف ذلك اتفاقا .

                                                                                                                                            قال أصحابنا : ولا يكفي في القراءة أقل من آية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على أقل من ذلك ، ولأن الحكم لا يتعلق بما دونها ، بدليل منع الجنب من قراءتها ، دون ما هو أقل من ذلك . وظاهر كلام أحمد أنه لا يشترط ذلك ; لأنه قال : القراءة في الخطبة على المنبر ليس فيها شيء مؤقت ، ما شاء قرأ . وقال : إن خطب بهم وهو جنب ، ثم اغتسل وصلى بهم ، فإنه يجزئه . والجنب ممنوع من قراءة آية . والخرقي قال : قرأ شيئا من القرآن ولم يعين المقروء .

                                                                                                                                            ويحتمل أن لا يجب شيء سوى حمد الله والموعظة ; لأن ذلك يسمى خطبة ، ويحصل به المقصود ، فأجزأ ، وما عداه فليس على اشتراطه دليل . ولا يجب أن يخطب على صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بالاتفاق ; لأنه قد روي أنه كان يقرأ آيات ولا يجب قراءة آيات ، ولكن يستحب أن يقرأ آيات كذلك ، ولما روت أم هشام بنت حارثة بن النعمان ، قالت : { ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها في كل جمعة } . وعن أخت لعمرة كانت أكبر منها مثل هذا ، رواهما مسلم

                                                                                                                                            ، وفي حديث الشعبي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية