الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1771 - مسألة : ومن أوصى بعتق مملوك له أو مماليك ، وعليه دين لله تعالى أو للناس ، فإن كان ذلك الدين محيطا بماله كله : بطل كل ما أوصى به من العتق جملة ، وبيعوا في الدين .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : قول الله تعالى في المواريث : { من بعد وصية يوصي بها أو دين } وحكم الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام أن الوصية لا تجوز في أكثر من الثلث فيما يخلفه الموصي ، وأن للورثة الثلثين ، أو ما فضل عن الوصية إن كانت أقل من الثلث .

                                                                                                                                                                                          فصح ضرورة : أن الوصية لا تكون إلا بعد أداء الدين واجبا للغرماء - فصح أن من أحاط الدين بجميع ما ترك ، فإنه لم يتخلف ما لا يوصي فيه ، وأن ما تخلفه انتقل إلى ملك الغرماء إثر موته بلا فصل ، وليس لأحد أن يوصي في مال غيره : فبطلت الوصية لذلك .

                                                                                                                                                                                          وهذا قول مالك ، والشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهم .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : يسعى في قيمته للغرماء ويعتق - وهذا باطل لما ذكرنا . [ ص: 401 ] وموهوا في الاحتجاج بخبر ليس فيه للوصية ذكر ، وإنما فيه " { أن رجلا أعتق عند موته عبدا وعليه دين وليس له مال غيره فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسعى في قيمته } وهذا خبر لو صح لم يكن لهم فيه حجة أصلا ; لأنه ليس فيه : حكم الوصية ، إنما فيه حكم من أعتق في حياته عند موته .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : الأمر سواء في كلا الأمرين ؟ قلنا : هذا باطل لأنه قياس والقياس كله باطل ، ثم لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل ; لأن بين الوصية وبين فعل الحي علة تجمع بينهما - على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى - فكيف وهو خبر مكذوب لا يصح - : روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا حجاج - هو ابن أرطاة - عن العلاء بن بدر عن أبي يحيى المكي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهذا فيه أربع فضائح - : إحداها يكفي - :

                                                                                                                                                                                          أولها : أنه مرسل ، ولا حجة في مرسل .

                                                                                                                                                                                          وثانيها : أنه عن الحجاج بن أرطاة وهو مطرح .

                                                                                                                                                                                          وثالثها : عن العلاء بن بدر وهو هالك متروك .

                                                                                                                                                                                          ورابعها : أنه عن أبي يحيى المكي وهو مجهول .

                                                                                                                                                                                          ولا يحل الأخذ في دين الله تعالى بما هذه صفته .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فلو أوصى بعتق مملوك له أو مماليك - وعليه دين لا يحيط بما ترك - وكان يفضل من المملوك فضلة عن الدين - وإن قلت - أعتق من أوصى بعتقه ، ويسعى للغرماء في دينهم ، ثم عتق منه ثلث ما بقي بلا استسعاء واستسعى للورثة في حقهم .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنفاذ عتق من أعتق شركا له في مملوك ، وأن يستسعي المملوك المعتق لشريك معتقه ، وهذا الموصى بعتقه للموصي فيه حق - وقد شركه الغرماء والورثة - فيعتق ويسعى . [ ص: 402 ] فإن كانوا أكثر من واحد أقرع بينهم ، فمن خرج للدين رق ، ومن خرج للوصية عتق ، ورق الباقون ، إلا أن يشرع بينهم للعتق في مملوك فيعتق ما بقي منه بالاستسعاء لما ذكرنا في المسألة التي قبل هذه .

                                                                                                                                                                                          وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          تم " كتاب الوصايا " والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية