الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإن وهب عبدا لرجلين فعوضه أحدهما من حصته : كان له أن يرجع في حصة الآخر ) ; لأنه لم يصل إليه العوض عن حصة الآخر ، والجزء معتبر بالكل ، والرجوع في النصف شائعا صحيح بخلاف ابتداء الهبة ; لأن الراجع ليس يتملك بالرجوع بل يعيده إلى قديم ملكه ، والشيوع من ذلك لا يمنع ، وبالرجوع في النصف لا تبطل الهبة فيما بقي ; لأنه شيوع طرأ بعد تمام الهبة ، فلا يكون مؤثرا فيه ، فإن ما يتمم القبض معتبر بأصل العقد . وعود الموهوب إلى يد الواهب لا يمنع بقاء الهبة ، فالشيوع كذلك فإن عوضه أحدهما عن نفسه ، وعن صاحبه لم يكن للواهب أن يرجع في شيء من العبد ; لأنه في نصيب صاحبه أجنبي ، والتعويض من الأجنبي صحيح ، وإن كان بغير أمر الموهوب له ; لأنه تصرف في المعوض في ملكه ، وإنما يسقط به حق الواهب في الرجوع ، ومثل هذا التصرف يصح من الأجنبي كصلح الأجنبي مع صاحب الدين من دينه على مال [ ص: 76 ] نفسه ، يجوز ، ويسقط به الدين عن المديون فهذا مثله ، ولا يكون للمعوض أن يرجع في شيء من العوض ; لأن مقصوده قد حصل حتى سقط حق الواهب عن الرجوع في الكل ، ولا يرجع على صاحبه أيضا بشيء سواء عوضه بأمره ، أو بغير أمره وكذلك لو عوضه أجنبي عن الهبة شيئا أما إذا كان بغير أمره فلا يشكل ، وإن كان بأمره فالتعويض لم يكن مستحقا على الموهوب له ، فإنما أمره بأن يتبرع بمال نفسه على غيره ، وذلك لا يثبت له حق الرجوع عليه من غير ضمان ; ولأنه مالك للتعويض بدون أمره ، فلا معتبر بأمره فيه ، وهذا بخلاف الدين ، فإنه إذا كان أمر إنسانا بقضاء دينه يرجع عليه بما أدى ; لأن الدين كان معلوما في ذمته وهو كان مطالبا به فقد أمره أن يسقط عنه المطالبة بمال يستحق عليه ، وأمره أن يملكه ما في ذمته بعوض ، ولو أمره أن يملكه عينا بعوض رجع عليه بما أدى فيه من ملك نفسه فهذا مثله

وهنا لم يكن للواهب في ذمة الموهوب له ملك فالمعوض غير مملوك منه ، ولا هو مسقط عنه مطالبة مستحقة ; لأنه ما كان يستحق عليه العوض ، إنما كان للواهب حق الرجوع فقط ، والموهوب له كان متمكنا من إسقاط حقه بدون التعويض بأن يتصرف فيه ; فلهذا لا يرجع عليه المعوض بأمره إذا لم يضمن له ; ألا ترى أنه فيما هو فوق هذا لا يرجع بالأمر بدون الشرط نحو ما إذا قال : كفر يميني من طعامك ، أو أد زكاة مالي بمالك ، فهذا أولى

.

التالي السابق


الخدمات العلمية