الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : مريض له عبد يساوي خمسة آلاف درهم وهبه لرجل ، وقبضه الموهوب له ، ولا مال له غيره ، ثم إن العبد قتل المريض خطأ ; فإنه يقال للموهوب له : ادفعه ، أو افده ; لما بينا أنه مالك للعبد حين جنى فإن اختار الدفع فقد بينا التخريج ، وإن اختار الفداء فداه بالدية ، وسلم له العبد كله ; لأن الدية بدل نفس الواهب بمنزلة مال خلفه فتبين به أن مال خمسة عشر ألفا ، وقيمة العبد خمسة آلاف ، فهو خارج من ثلثه ; فلهذا تنفذ الهبة في جميعه ، وإذا ظهر نفوذ الهبة في جميع العبد ظهر أن على الموهوب له دية كاملة للورثة باختياره فإن كان يساوي ستة آلاف درهم ، واختار الفداء ; فإنه يرد على ورثة الواهب ربعه ، ويفدي ما بقي بثلاثة أرباع الدية . وذكر محمد في كتاب الدور طريقا في تخرج هذا الجنس من المسائل - هو أسهل الطرق - قال : ولو كان للواهب سوى ألفي درهم كانت الهبة صحيحة في جميع العبد ; لأن اختيار الفداء يؤدي الدية عشرة آلاف درهم ، فيسلم ذلك للورثة مع الألفين ، فيكون اثني عشر ألفا ، وقد نفذ بالهبة في العبد ، وهو يساوي ستة آلاف ، فيسلم للورثة ضعف ما نفذنا فيه الهبة ، فإذا عدمنا الألفين تعذر علينا تنفيذ الهبة في جميع العبد ، فالسبيل أن يضم ما عدمنا - وهو الألفان - إلى قيمة العبد - وهو ستة آلاف - ثم يبطل من الهبة بقدر ما عدمنا ، وتجوز بقدر الموجود ، والذي عدمنا من الجملة مقدار الربع ، فتبطل الهبة في ربع العبد ، ويجوز هنا ، وقيمة ذلك أربعة آلاف وخمسمائة ، ثم يفدى ذلك بثلاثة أرباع الدية ; وذلك سبعة آلاف ، وخمسمائة فيسلم ذلك للورثة مع ربع العبد - وقيمته ألف وخمسمائة - وجملة ذلك تسعة آلاف ، وقد نفذنا الهبة في نصف ذلك أربعة [ ص: 106 ] آلاف وخمسمائة فيستقيم الثلث ، والثلثان ، فهذا طريق ظاهر من غير دور .

فأما بيان طريق الدور : أن العبد في الابتداء على ثلاثة أسهم صحت الهبة في سهم منه ، ثم على الموهوب له أن يفدي السهم بمثله ومثل ثلثيه ، فعرفنا أن كل سهم من العبد يقابله من الدية مثله ، ومثل ثلثيه ، فإذا فداه بسهم وثلثين ازداد مال الورثة ، وجاء الدور من الوجه الذي قررنا ، فالسبيل أن يطرح من أصل حق الورثة مقدار الزيادة ، وهو سهم ، وثلثا سهم ، وقد كان حقهم في سهمين فإذا طرحنا سهما ، وثلثي سهم بقي حقهم في ثلث سهم وحق الموهوب له في سهم ، فيكون العبد على سهم ، وثلث انكسر بالإثلاث فأصرفه في ثلثه ، وسهم وثلث في ثلثه يكون أربعة فتبين أن العبد على أربعة أسهم ، وأن الهبة تنفذ في ثلاثة أرباعه فيقدر ذلك بثلاثة أرباع الدية ، ثم التخريج إلى آخره كما بينا ، وتخرج هذه المسألة على طريق الحساب من الجبر ، والمقابلة ، وغيرها . ولكن يؤخر بيان ذلك إلى كتاب الدور ، وهذه المسألة وأخواتها تعود هناك - إن شاء الله تعالى - .

التالي السابق


الخدمات العلمية