الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( إلا المسكر )

                                                                                                                            ش : أي فإنه نجس أي وسواء كان من العنب أو غيره قال في التوضيح فائدة تنفع الفقيه يعرف بها الفرق بين المسكر والمفسد والمرقد فالمسكر ما غيب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح والمفسد ما غيب العقل دون الحواس لا مع نشوة وفرح كعسل البلادر والمرقد ما غيب العقل والحواس كالسيكران . وينبني على الإسكار ثلاثة أحكام دون الأخيرين الحد والنجاسة وتحريم القليل ، إذا تقرر ذلك فللمتأخرين في الحشيشة قولان : هل هي من المسكرات ، أو من المفسدات ؟ مع اتفاقهم على المنع من أكلها فاختار القرافي أنها من المخدرات قال لأني لم أرهم يميلون إلى القتال والنصرة بل عليهم الذلة والمسكنة وربما عرض لهم البكاء ، وكان شيخنا الشهير بعبد الله المنوفي يختار أنها من المسكرات ; لأنا رأينا من يتعاطاها يبيع أمواله لأجلها ولولا أن لهم فيها طربا لما فعلوا ذلك يبين ذلك أنا لا نجد أحدا يبيع داره ليأكل بها سيكرانا وهو واضح انتهى كلام التوضيح .

                                                                                                                            ولفظ القرافي في الحشيشة أنها مفسدة لا مسكرة وبهذا الفرق يندفع ما أورده بعضهم على قوله : " إلا المسكر " من شموله للنبات المغيب للعقل كالبنج والسيكران فإنها مفسدات ، أو مرقدات لا مسكرات وذكر البرزلي عن القرافي في الحشيشة ثلاثة أقوال ثالثها بالفرق بين أن تحمس فتكون نجسة وفيها الحد وقبل أن تحمس فلا حد ولا نجاسة واختار القرافي في الفرق الموفي أربعين أنه لا حد فيها وإنما فيها التعزير الزاجر عن الملابسة ، قال : ولا تبطل الصلاة بحملها ثم ذكر أن الأفيون من المفسدات وقال من صلى به ، أو بالبنج لم تفسد صلاته إجماعا ، وكذا غيره من المفسدات قال كأن يتناول من الأفيون والبنج والسيكران ما لا يصل إلى التأثير في العقل والحواس انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) فعلى هذا يجوز لمن ابتلي بأكل الأفيون وصار يخاف على نفسه الموت من تركه أن يستعمل منه القدر الذي لا يؤثر في عقله وحواسه ويسعى في تقليل ذلك وقطعه جهده ويجب عليه أن يتوب ويندم على ما مضى والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) قال ابن فرحون : وأما العقاقير الهندية فإن أكلت لما تؤكل له الحشيشة امتنع أكلها ، وإن أكلت للهضم وغيره من المنافع لم تحرم ولا يحرم منها إلا ما أفسد العقل وذكر قبل هذا أن الجوزة وكثير الزعفران والبنج والسيكران من المفسدات ، قليلها جائز وحكمها الطهارة وقال البرزلي أجاز بعض أئمتنا أكل القليل من جوزة الطيب لتسخين الدماغ واشترط بعضهم أن تختلط مع الأدوية ، والصواب العموم انتهى .

                                                                                                                            والشيكران بالشين المعجمة وضبطه بعضهم بالسين المهملة وضم الكاف .

                                                                                                                            ( فرع ) قال ابن فرحون من اللبن نوع يغطي العقل إذا صار قارصا ويحدث نوعا من السكر كما يذكر عن لبن الخيل فإن شرب لذلك حرم ويحرم منه القدر الذي يغطي العقل انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) أما لبن الخيل فيحرم قليله وكثيره على المشهور لحرمة أكلها والله أعلم . ومن المفسدات الحب الذي يوجد في القمح المجلوب من دهلك المسمى بالزيوان .

                                                                                                                            ( فرع ) قال ابن فرحون أيضا والظاهر جواز ما سقي من المرقد لقطع عضو ونحوه ; لأن ضرر المرقد مأمون وضرر العضو غير مأمون .

                                                                                                                            ( فرع ) مقتضى ما تقدم جواز بيع هذه الأشياء من الأفيون والبنج والجوزة ونحوها ولم أر فيه نصا صريحا والظاهر أن يقال في ذلك كما قال ابن رشد في المذر على القول بحرمة أكله إن كان فيه منفعة غير الأكل جاز بيعه ممن يصرفه في غير الأكل ويؤمن أن يبيعه ممن يأكله ، وكذلك يقال : في هذه الأشياء وفي سائر المعاجين المغيبة للعقل يجوز بيع ذلك لمن لا يستعمل منه القدر المغيب للعقل ويؤمن أن يبيعه ممن يستعمل ذلك والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية