الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وينتفع بمتنجس لا نجس في غير مسجد وآدمي )

                                                                                                                            ش : مراده بالمتنجس ما كان طاهرا في الأصل وأصابته نجاسة كالثوب النجس والزيت والسمن ونحوه تقع فيه فأرة أو نجاسة ، وبالنجس ما كانت عينه نجسة كالبول والعذرة والميتة والدم ، وذكر أن الأول ينتفع به في غير المسجد والآدمي وشمل سائر وجوه الانتفاع فيستصبح بالزيت في غير المسجد ويتحفظ منه ويعمل منه الصابون لكن تغسل الثياب منه بماء طاهر ويدهن به الحبل والعجلة قاله في سماع سحنون من كتاب الوضوء وفي رسم البزار من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة أنه خفف [ ص: 118 ] دهن النعال بها قال ابن القاسم في الدباغ : لأن الغسل يأتي عليه قال ابن رشد ما قاله ابن القاسم تفسير وينبغي أن يحمل على التفسير أيضا لإجازته في سماع أشهب من كتاب الصيد والذبائح أنه يدهن به الدلاء انتهى .

                                                                                                                            وقال في المدونة في العسل النجس لا بأس بعلفه للنحل قال سند : وكذلك الطعام الذي يعجن ، أو يطبخ بماء نجس يطعم للبهائم والدواب وسواء في ذلك ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل على ظاهر المدونة ، وكذلك الماء النجس يسقى للدواب والزرع والنبات وسائر الأشجار ، ووقع في رواية ابن وهب في المبسوطة كراهة سقيه لما يؤكل لحمه ولما يسرع قلعه من الخضر روى العتبي نحوه عن ابن نافع وذكر ابن عرفة في صفة تطهير النجاسة ما نصه الشيخ روى محمد إن طهر ما صبغ ببول فلا بأس به ابن القاسم ترك الصبغ به أحب إلي انتهى .

                                                                                                                            والمراد أن البول يجعل في الصبغ لا أنه يصبغ به ; لأنه ليس بصبغ وما ذكره المصنف هو المشهور . ومقابله عدم جواز ذلك كله وهو قول ابن الماجشون عزاه ابن رشد في السماعات المتقدمة وغيره ودخل في إطلاق الانتفاع بالبيع وهو قول ابن وهب إذا بين ذلك والمشهور أن ما يقبل التطهير كالثوب النجس يجوز بيعه وما لا يقبله كالزيت النجس لا يجوز بيعه ، وترك المصنف التنبيه على ذلك اعتمادا على ما يذكره في البيع .

                                                                                                                            وذكر الوانوغي عن نوازل الشعبي عن بعضهم في مطمور وقع فيه خنزير فوجد ميتا أنه لا يباع ذلك الطعام ولا يزرعه صاحبه ولا ينتفع به ويغيبه عن النصارى حتى لا ينتفعون به ثم ذكر المشذالي - رحمه الله تعالى - بعد عن ابن أبي زيد في مطمور ماتت فيه فأرة أنها تلقى وما حولها ويؤكل ما بقي ، وإن طال مقامها حتى يظن أنها تسقى من صديدها وتشرب منه لم يؤكل وزرع ذلك وما كان الدم في ظاهره غسل وأكل وما شك في وصول الصديد إليه زرع وما علم أنه لا يكاد يبلغ إليه الصديد أكل وإذا جاء في وقت الدراس فأر كثير لم يقدر على الاحتراز منه .

                                                                                                                            فقال سحنون هذه ضرورة وإذا درسوا فليلقوا ما رأوا من جسد الفأرة ، وما رأوا من دم في الحب عزلوه وحرقوه ولهم أكل ما سواه ولهم بيع ما لم يروا فيه دما مع بيان أنه درس وفيه فأرة ويخرجون زكاته منه ولا يخرجون منه عن غيره ويتصدقون به تطوعا . وما كان فيه الدم ظاهرا لا يباع ولا يسلف ولكن يحرث ، ولهم سلفه إذا لم يظهر فيه الدم واحتاجه المتسلف ولو باعه منه كان أحب إلي قال المشذالي : فانظر هذا مع ما في نوازل الشعبي هل هو خلاف أو لا فيكون الخنزير متفقا عليه ؟ انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) والظاهر أنه خلاف وأن ما في نوازل الشعبي جار على قول ابن الماجشون المتقدم والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                            وقوله : " في غير مسجد " أي فلا يستعمل المتنجس في المسجد فأحرى النجس فلا يوقد فيه بزيت نجس إلى غير ذلك ولا يبنى بطوب نجس ولا بطين نجس قال البساطي - رحمه الله تعالى - بل لا يجوز المكث فيه بثوب نجس كما سيأتي في إحياء الموات وقد ذكر الأبي في شرح مسلم في أحاديث تحريم الخمر أن الشيخ ابن عرفة أفتى بأن ألواح البتاني يعني التي للخمر لا يجوز أن يسقف بها المسجد وذلك لأنه ذكر عنه أنه اختار أن إناء الخمر لا تطهر لغوصه وسيأتي لفظه عند قول المصنف بطهور منفصل كذلك وذكر أنه إن جعل منها إناء للماء فالماء طاهر ; لأنه لا يتغير .

                                                                                                                            ( فرع ) قال البرزلي عن ابن رشد في مسجد بنيت حيطانه بماء نجس : إن قول من قال تليس حيطانه ويصلى فيه ولا يهدم هو الصحيح لا غيره ، وجد به رواية ، أو لم توجد وفي المدونة صلاة الرجل وأمامه جدار مرحاض وموضعه طاهر جائزة وأجاز للمريض بسط ثوب كثيف على فراش نجس ويصلي عليه فإذا طين الطين النجس بطين طاهر كثيف لم يكن لداخله حكم ، وهذا مما لا إشكال فيه .

                                                                                                                            وقوله : " وآدمي " على [ ص: 119 ] حذف مضاف أي وغير أكل آدمي إذ لا يصح نفي كل منفعة تضاف للآدمي ; لأنه يجوز له الاستصباح بالدهن النجس وعمله صابونا وعلف الطعام النجس للدواب والعسل النجس للنحل وهو من منافعه وقال في المدونة ولا بأس بلبس الثوب النجس والنوم فيه ما لم يكن وقت يعرق فيه فيكره ويأتي الكلام على ذلك - إن شاء الله تعالى - ويأتي هنا قريبا أن التداوي بالنجس في ظاهر الجسد جائز على أحد القولين المشهورين فأحرى بالمتنجس ، وعلى القول فالظاهر الجواز لما تقدم من جواز دهن النعل ولقوله في المدونة يكره لبس الثوب النجس في وقت يعرق فيه ، وشمل قوله : " آدمي " الكبير والصغير والعاقل والمجنون وهو كذلك كما صرح به صاحب الطراز قال ويجب على ولي الصغير والمجنون منعهما من ذلك انتهى .

                                                                                                                            وأما عبده الكافر وزوجته الذمية وغيرهما من الكفار فقال سند قال سحنون وابن الماجشون لا يأمرهم ولا ينهاهم عنه قال سند : وهذا يتخرج على الخلاف في خطابهم بفروع الشريعة ، فعلى القول بخطابهم أكله حرام في حقهم فلا يأمرهم به وعلى أنهم غير مخاطبين فإطعامه لهم كإطعامه للبهائم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية