الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            . ص ( والنبي والكعبة )

                                                                                                                            ش : قال في التوضيح في قول ابن الحاجب واليمين بغير ذلك مكروه ، وقيل : حرام أي بغير اليمين بالله وصفاته كالحلف بالكعبة والنبي والأظهر من القولين التحريم لحديث الموطإ والصحيحين عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم } وفي الموطإ ومسلم : { فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت } وأيضا يدخل في كلام المصنف اليمين بالطلاق والعتاق ، وقد نصوا على تأديب الحالف بهما ، ولا يكون الأدب في المكروه إلا أن يقال إطلاق الأيمان عليهما مجاز ألا ترى إلى حروف القسم لا تدخل عليهما ، انتهى .

                                                                                                                            وقال القرطبي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم : { إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم } إنما نهى عن ذلك لأن فيه تعظيم غير الله بمثل ما يعظم به الله ، وذلك ممنوع ، وهذا جار في كل محلوف به غيره تعالى ، وإنما ذكر الآباء لأنه السبب الذي أثار الحديث حين سمع عمر يحلف بأبيه ، ويشهد له قوله : من كان حالفا فليحلف بالله ، فظاهر النهي التحريم فيتحقق فيما إذا حلف بملة غير الإسلام أو بشيء من المعبودات دون الله أو ما كانت الجاهلية تحلف به كالدماء والأنصاب فهذا لا يشك في تحريمه ، وأما الحلف بالآباء والأشراف ورءوس السلاطين وحياتهم ونعمتهم وما شاكل ذلك فظاهر هذا الحديث تناولهم بحكم عمومه ، ولا ينبغي أن يختلف في تحريمه ، وأما ما كان معظما في الشرع مثل النبي والكعبة والعرش والكرسي وحرمة الصالحين فأصحابنا يطلقون على الحلف بها الكراهة ، وظاهر الحديث وما قدمناه من النظر في المعنى يقتضي التحريم ، انتهى .

                                                                                                                            وتقدم في التوضيح أن الأظهر من القولين التحريم ، وقال في الشامل : هو المشهور ، وقال ابن ناجي : واختلف في اليمين بما هو مخلوق فقيل : ممنوع قاله اللخمي ، ونحوه قول ابن بشير أنه حرام ، وقيل : مكروه قاله ابن رشد وصرح الفاكهاني بأن المشهور الكراهة ، وهذا إذا كان الحالف بهذه الأشياء المعظمة صادقا ، وأما إن حلف بها كاذبا ، فلا شك في التحريم ; لأنه كذب والكذب محرم واستهزاء بالمحلوف به المعظم في الشرع ، بل ربما كان كفرا والعياذ بالله إن كان في حق النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه والله أعلم ، وقال في الذخيرة : قاعدة توحيد الله تعالى بالتعظيم ثلاثة أقسام : واجب إجماعا كتوحيده بالعبادة والخلق والأرزاق فيجب على كل أحد أن لا يشرك معه تعالى غيره في ذلك ، وما ليس بواجب إجماعا كتوحيده بالوجود والعلم ونحوهما فيجوز أن يتصف بذلك غيره إجماعا ويختلف فيه كالحلف به تعالى فإنه تعظيم له ، واختلف العلماء هل يجوز أن يشرك فيه معه غيره أم لا ، وإذا قلنا بالمنع فهل يمتنع أن يقسم على الله ببعض مخلوقاته فإن القسم بها تعظيم لها نحو قولك : بحق محمد اغفر لنا ونحوه ، وقد حصل فيه توقف عند بعض العلماء ورجح عنده التسوية ، انتهى . وفيه نظر لأن المحذور إنما هو التعظيم بالحلف لورود النهي عن الحلف بذلك ، وأما التعظيم بغير الحلف فليس بمحذور ، فإن الله لم يمنعنا أن نعظم بعض عباده بل أمرنا [ ص: 265 ] بذلك وأوجبه علينا في حق رسله وملائكته وأصحاب نبيه وأوليائه ، وقد ورد في صحيح البخاري في فضل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون ، انتهى . وفعل سيدنا عمر لذلك إنما كان بمحضر الصحابة ولم ينكره أحد فدل على جوازه والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال القرافي في الذخيرة إثر كلامه السابق ، ولا يشكل على القول بالمنع قسمه تعالى ببعض مخلوقاته كقوله تعالى : والتين والزيتون ، والسماء ، والشمس وغير ذلك ; لأن من العلماء من قال تقديره : أقسم برب الزيتون ، وقيل : أقسم بها لينبه عباده على عظمتها عنده فيعظمونها ، ولا يلزم من الحجر علينا الحجر عليه ، بل هو الملك المالك على الإطلاق يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، انتهى . وقال قبله سؤال قال عليه السلام في حديث الأعرابي للسائل عما يجب عليه أفلح وأبيه إن صدق ، فقد حلف عليه السلام بمخلوق جوابه أنه منع الصحة في هذه اللفظة فإنها ليست في الموطإ وأنه منسوخ بالحديث المتقدم ذكره صاحب الاستذكار ، وأما بأن هذا خرج مخرج توطئة الكلام لا الحلف نحو قولهم قاتله الله ما أكرمه ، وقوله عليه السلام لعائشة رضي الله عنها تربت يداك خرج عن الدعاء إلى توطئة الكلام ، انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية