الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وأمر صبي بها لسبع وضرب لعشر ) .

                                                                                                                            ش يعني أن الصبي يؤمر بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ويضرب على تركها إذا بلغ عشر سنين والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : { مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع } رواه أبو داود وفي رواية للترمذي : { علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين واضربوه عليها ابن عشر } وعن شبرمة بن معبد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها } رواه أبو داود وشبرمة بفتح الشين المعجمة وسكون الموحدة والجهني بضم الجيم نسبة إلى جهينة وفي رواية لأبي داود إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة وقال في المدونة في كتاب الصلاة الأول ويؤمر الصبيان بالصلاة إذا أثغروا وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { مروا الصبيان بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع } انتهى . وهكذا قال في الرسالة قال في التنبيهات يقال : أثغر الصبي بسكون المثلثة إذا سقطت أسنانه وإذا نبتت ، وقيل : أثغر وثغر إذا سقطت واثغر بالتشديد إذا نبتت انتهى . وقال ابن يونس قال مالك ويؤمر الصبيان بالصلاة إذا أثغروا وهو حين تنزع أسنانهم انتهى . وقال في رسم الصلاة الثاني من سماع أشهب من كتاب الصلاة إذا أثغر الصبي أمر بالصلاة وأدب عليها ، ولا يضرب بعض الضرب قال ابن رشد معناه ، ولا يضرب بعض الضرب الذي يضربه كثير من الناس فيتعدى في الضرب يريد أنه لا يضرب إلا ضربا خفيفا وقوله : إنه يؤدب إذا أثغر خلاف ظاهر الحديث وقال ابن القاسم في رسم الجواب من سماع عيسى : إنه يفرق بينهم في المضاجع إذا أثغروا وهو خلاف ظاهر الحديث أيضا وقال عيسى حدثني ابن وهب وذكر الحديث السابق قال عيسى وبه أخذ قال ابن رشد لا رأي لأحد مع الحديث واتباع ظاهره في المعنيين هو الصواب على ما ذهب إليه عيسى انتهى مختصرا .

                                                                                                                            وقال ابن عرفة : ويؤمر الصبيان بالصلاة إذا أثغروا وفي تفرقتهم في المضاجع وأدبهم على تركها حينئذ ، أو إذا بلغوا العشر قولان الأول لسماع ابن القاسم مع سماع عيسى والثاني ابن رشد مع عيسى مع ابن وهب واختار اللخمي الأول في الأول والثاني في الثاني انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) وقوله لسماع ابن القاسم كذا رأيته في ابن عرفة والصواب لسماع أشهب ; لأن المسألة في سماع أشهب لا في سماع ابن القاسم وظاهره أيضا أن في كلا السماعين ذكر الضرب والتفرقة وليس كذلك كما تقدم ، وهذا كله من ضيق الاختصار ، والله أعلم . وقال ابن ناجي في شرح المدونة وشرح الرسالة بعد أن ذكر الحديث : والعجب أنهم اختلفوا مع هذا في الوقت الذي يؤمر فيه بالصلاة فقال يحيى بن عمر إذا عرف يمينه من شماله فقيل : بظاهره ، وقيل : إذا ميز الحسنات من السيئات ; لأن كاتب الحسنات عن يمينه وكاتب السيئات عن شماله ذكر التأويلين التادلي انتهى ونحوه للفاكهاني وسبب الاختلاف اختلاف الأحاديث فقد روى أبو داود يؤمر بالصلاة إذا عرف يمينه من شماله والله أعلم ، وذكر الفاكهاني وابن ناجي في شرح الرسالة عن ابن وهب أنه روى عن مالك أنهم يضربون لسبع ، وهذا إنما هو في سماع أشهب وعزاها صاحب الطراز لسماع أشهب وتأول ذلك فقال فيكون معنى الحديث عنده أنهم يؤدبون بغير ضرب قبل العشرة وعند العشرة يضربون انتهى .

                                                                                                                            وهكذا نقله ابن يونس عن أشهب وسماع عيسى قال اللخمي في آخر كتاب الصلاة الأول قال مالك يؤمر الصبي بالصلاة إذا أثغر واختلف في الوقت الذي يؤدب فيه على تركها ومتى [ ص: 413 ] يفرق بينهم في المضاجع هل ذلك إذا أمروا بالصلاة ، أو حين يبلغون عشر سنين فقال مالك في العتبية إذا أثغر أمر بالصلاة وأدب عليها قال ابن القاسم وحينئذ يفرق بينهم في المضاجع وروى ابن وهب في ذلك حديثا أن النبي صلى الله عليه وسلم : قال { مروا الصبيان بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع } وقال ابن حبيب إذا بلغ عشر سنين لم يتجرد أحد منهم مع أبويه ولا مع إخوته ، ولا مع غيرهم إلا أن يكون مع كل واحد منهم ثوب وليس هذا بحسن وأرى أن يفرق بينهما جملة وسواء كانوا ذكورا ، أو إناثا فإن عمل بذلك لسبع حسن .

                                                                                                                            وإن أخر لعشر فواسع ، وأما العقوبة فبعد العشر وكره فضيل وسفيان أن يضرب عليها وقالا أرشه عليها ، وهذا أحسن لمن يقدر على ذلك فإن كان ممن لا يقدر ، أو لم يفعل بعد أن أرشي ضرب عليها انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) جعل ابن ناجي في شرح المدونة القول بأنه يؤمر بها إذا أثغر مغايرا للقول بأنه يؤمر بها لسبع قال : لأنهم ذكروا مغايرتهما في باب التفرقة بين الأم وولدها .

                                                                                                                            ( قلت : ) والظاهر من كلامهم هنا أنهما قول واحد فتأمله .

                                                                                                                            ( الثاني ) ذكر ابن ناجي عن شيخه يعني البرزلي أنه كان جعل ابن القاسم قوله صلى الله عليه وسلم : { وفرقوا بينهم في المضاجع } راجعا لأول الحديث وابن وهب لأقرب مذكور .

                                                                                                                            ( الثالث ) الذي يفهم من هذه النصوص كلها أن المراد ببلوغه السبع دخوله فيها ، وكذلك المراد ببلوغ العشر دخوله فيها لا إكمال السبع وإكمال العشر ونصوصهم المتقدمة كالصريحة في ذلك ، وأما قول اللخمي المتقدم : وأما العقوبة فبعد العشر فالذي يفهم من كلامه أن مراده فبعد بلوغ العشر لا بعد إكمالها كما يظهر من كلامه بالتأمل والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                            ( الرابع ) هل المأمور بذلك الصبيان أو الأولياء ؟ فقيل : إن المأمور بذلك الأولياء وإن الصبي لا يخاطب بندب ولا بغيره ، وقيل : إن المأمور بذلك الصبيان وإن البلوغ إنما هو شرط في التكليف بالوجوب والحرمة لا في الخطاب بالندب والكراهة قال القرافي في كتاب اليواقيت في المواقيت : والحق أن البلوغ ليس شرطا في ذلك وأن الصبي يندب ويحصل له أجر المندوبات إذا فعلها لحديث الخثعمية ، وقيل : إنه لا ثواب له ، ولا هو مخاطب بندب ، ولا بغيره بل المخاطب الولي ، وأمر الصبي بالعبادات على سبيل الإصلاح كرياضة الدابة لحديث { رفع القلم عن ثلاث } .

                                                                                                                            ( والجواب ) أن حديث الخثعمية أخص من هذا فيقدم الخاص على العام قال : وأما التمييز فهو شرط في جميع الأحكام إجماعا ، فالصبي قبل التمييز كالبهيمة لا يخاطب بإباحة فضلا عن غيرها انتهى بالمعنى .

                                                                                                                            ( قلت : ) وهذا جار أيضا على القول بأن المندوب والمكروه غير المكلف بهما ; لأن التكليف هو إلزام ما فيه كلفة كما هو مذكور في أصول الفقه ، وقال ابن رشد في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب النذور : إن الصغير لا تكتب عليه السيئات وتكتب له الحسنات على الصحيح من الأقوال ، وقال في رسم الخيار من سماع أشهب من كتاب الجنائز إن المراهق لا يؤاخذ بذنب ، ولا يثاب على طاعاته ، وقد قيل : إنه يثاب على طاعاته انتهى .

                                                                                                                            فظاهره تضعيف القول بأنه يثاب على طاعته والصحيح ما قاله في كتاب النذور ، وقد قال ابن عبد البر في التمهيد في شرح أول حديث منه وهو حديث الخثعمية حدثنا عبد الواحد بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا عبيد الله بن عبد الواحد البزار قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا يحيى البكاء عن أبي العالية الرياحي قال قال عمر بن الخطاب : يكتب للصغير حسناته ، ولا تكتب عليه سيئاته وقال المقري في قواعده في النكاح قال عمر : يكتب للصبي حسناته ، ولا تكتب عليه سيئاته ، وحكي عن بعض المبتدعة خلاف هذا ، ولا يلتفت إليه انتهى كلام المقري وقال في أول المقدمات [ ص: 414 ] لما تكلم على شروط التكليف : للصبي حالان : حال لا يعقل فيها معنى القربة فهو فيها كالبهيمة والمجنون ليس بمخاطب بعبادة ، ولا مندوب إلى فعل طاعة . وحال يعقل فيها معنى القربة فاختلف هل هو فيها مندوب إلى فعل الطاعات كالصلاة والصيام والوصية عند الممات وما أشبه ذلك ؟ فقيل : إنه مندوب إليه ، وقيل : إنه ليس بمندوب إلى شيء من ذلك ، وإن وليه هو المخاطب بتعليمه وتدريبه والمأجور على ذلك ، والصواب عندي أنهما جميعا مندوبان إلى ذلك مأجوران عليه { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي أخذت بضبعي الصبي وقالت ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر } ، وهذا واضح انتهى . وقال أبو الحسن : الصغير والصبي غير مكلف إلا أنه يندب إلى القرب واختلف هل الولي يندب لذلك أو الصبي أو هما جميعا مخاطبان مأجوران ؟ انتهى .

                                                                                                                            ( الخامس ) إذا قلنا : إن الأولياء هم المأمورون أو الأمر لهم وللصبيان فهل الولي مأمور على سبيل الوجوب ، أو الندب ؟ قولان المشهور الندب وأنه لا يأثم بترك الأمر كما قاله الجزولي والشيخ يوسف بن عمر والأقفهسي وغيرهم .

                                                                                                                            ( السادس ) على القول بأنه لا ثواب للصبي فاختلف في ثواب الصلاة فقيل : للصبي ، وقيل : لوالديه وله قاله الشيخ يوسف بن عمر وقال الجزولي واختلف لمن أجر الصلاة فقال لوالديه ويكون بينهما نصفين ، وقيل : الثلث للأب والثلثان للأم وضعف بعضهم هذا كله ، وقيل : إنما يكون للصبي والحديث يرد على من يقول إنه لوالديه ; لأنه قال في الحديث : إن الصبيان يتفاوتون في الدرجات في الجنة على قدر أعمالهم في الدنيا كما يتفاوت الكبار ويؤيده قوله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } انتهى .

                                                                                                                            ( السابع ) معنى التفرقة في المضاجع قال المواق قال اللخمي أن يجعل لكل واحد منهم فراش على حدته ، وقيل : أن يجعل بينهم ثوب حائل ، ولو كان على فراش واحد انتهى . ونص كلام اللخمي في تبصرته قال ابن حبيب إذا بلغ عشر سنين لم يتجرد واحد منهم مع أحد أبويه ، ولا مع إخوته ، ولا مع غيرهم إلا أن يكون مع كل واحد منهم ثوب وليس هذا بحسن وأرى أن يفرق بينهما جملة وسواء كانوا ذكورا ، أو إناثا ، أو ذكورا وإناثا فإن عمل بذلك لسبع فحسن ، وإن أخر لعشر فواسع ، وأما العقوبة فبعد العشر انتهى .

                                                                                                                            ( الثامن ) قال المواق نقل ابن عرفة في التأديب أنه يكون بالوعيد والتقريع لا بالشتم فإن لم يفد القول انتقل إلى الضرب بالسوط من واحد إلى ثلاثة ضرب إيلام فقط انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) وكلام ابن عرفة هذا في كتاب الإجارة لما تكلم على تعليم الصبيان وليس هو في كتاب الصلاة ونصه : " وعليه أن يزجر المتخاذل في حفظه بالوعيد والتقريع لا بالشتم كقول بعض المعلمين للصبي يا قرد يا عفريت فإن لم يفد القول انتقل للضرب ، والضرب بالسوط من واحد إلى ثلاثة ضرب إيلام فقط دون تأثير في العضو فإن لم يفد زاد إلى عشر " قال ومن ناهز الحلم وغلظ حلقه ، ولم تردعه العشرة فلا بأس بالزيادة عليها .

                                                                                                                            ( قلت : ) الصواب اعتبار حال الصبيان شاهدت بعض معلمينا الصالحين يضرب الصبي فوق العشرين وأزيد وكان معلمنا يضرب من عظم جرمه بالعصا في سطح أسفل رجليه العشرين وأكثر انتهى . وقال الجزولي يضربون ثلاثة أسواط على الظهر من فوق الثوب ويضرب تحت القدم عريانا ، ولا يزيد على الثلاثة فإن زاد عليها كان قصاصا فإن نشأ عن ذلك شيء فإن كان بوجه جائز فلا شيء عليه وإلا لزمه وقال بعضهم يضربون على الصلاة ثلاثة أسواط وعلى الألواح خمسة وعلى السب سبعة وعلى الهرب عشرة ويكون ذلك بسوط لين انتهى . زاد الشيخ يوسف بن عمر فإن زاد اقتص منه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية