الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وصحت ولو تركت عمدا ) ش قال في المدونة : من صلى بغير إقامة عامدا أجزأه وليستغفر الله العامد انتهى . وأشار بأو إلى مقابل المشهور ، واختلف الشيوخ في نقله ، فقال ابن يونس : قال مالك : ومن صلى بغير إقامة عامدا أو ساهيا أجزأه ، ويستغفر الله العامد ، وقال ابن كنانة ، وابن الماجشون ، وابن زياد ، وابن نافع : من ترك الإقامة فليعد صلاته فوجه قول مالك أنها سنة منفصلة لا تفسد بفسادها الصلاة فوجب أن لا تفسد بتركها ، ووجه الآخر أنها من سنن الصلاة كالتي من صلب الصلاة فتركها عمدا لعب بالصلاة [ ص: 462 ] فوجب أن لا تجزئه انتهى . ولم يعزه اللخمي إلا لابن كنانة ، ونصه : " ومن ترك الإقامة عمدا أو سهوا أجزأته صلاته ، وقال ابن كنانة : يعيد الصلاة إذا تركها عمدا ، والأول أحسن انتهى . وقال ابن ناجي وعزاه ابن هارون لرواية جميع من ذكر ابن يونس ولرواية يحيى بن يحيى وابن عبد الحكم انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) ولم يعزه في النوادر إلا لابن سحنون عن ابن كنانة ، وقال ابن بشير : ولا شك أن من أمر بالأذان فتركه لا تبطل صلاته وأما من أمر بالإقامة فتركها سهوا لم تبطل صلاته وأما العامد ففيه قولان : المشهور أنها لا تبطل ، والشاذ : أنها تبطل ، وهو على الخلاف في تارك السنن متعمدا ، هل يعد عابثا فتبطل صلاته أم لا يعد كذلك ; لأنه غير مأثوم في الترك فلا تبطل ؟ انتهى . فظاهر كلامهم أنه يعيد الصلاة أبدا ، وكلام ابن يونس كالصريح في ذلك ، وكلام ابن بشير صريح في ذلك وعزا صاحب الطراز هذا القول لابن سحنون عن ابن كنانة ، وقال : أنه يعيد في الوقت ، ونصه : " قال ابن القاسم سألت مالكا عمن يصلي بغير إقامة ناسيا ، فقال : لا شيء عليه ، قلت : فلو تعمد ، قال : فليستغفر الله ولا شيء عليه . وذكر ابن سحنون عن ابن كنانة في العامد : أنه يعيد الصلاة إن كان في وقته ، والأول أصح ولا يعرف فيه خلاف ، وقد ذكرنا قوله في الواضحة في المنفرد إن أقام فحسن وجوز جماعة من السلف للفذ ترك الإقامة النخعي والشعبي ، وابن حنبل ولأن ما لا يوجب سجود السهو ، ولا إعادة لا يوجب عمده الإعادة كالتسبيح واعتبارا بالأذان واعتبارا بالمرأة ، ونقله في الذخيرة وقبله ولم يحكه غيره وعليه اقتصر الشارح في الكبير والوسط ، ولم يذكر في الصغير مقابل المشهور وعزاه في الشامل لابن كنانة وغيره ولم يبين الإعادة هل هي في الوقت أو أبدا ولم يذكر ابن عرفة غير كلام المدونة ، وهو غريب ; لأنه لا يترك نقل الخلاف خصوصا الذي في مثل هذه الكتب المذكورة ولم يتكلم المصنف في التوضيح على ترك الإقامة ، وقال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب : " والإقامة سنة " لم يذكر فيها خلاف المذهب ، وإن وقع إطلاق الاستغفار لتاركها ، ووقع فيها وفي الأذان الإعادة في الوقت انتهى . قال ابن ناجي في شرح المدونة بعد أن ذكر كلام ابن عبد السلام : " ولا أعرفه إلا لنقل ابن راشد عن ابن كنانة في الإقامة فقط " انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) قد تقدم نقله عن صاحب الطراز والقرافي في ذخيرته .

                                                                                                                            ( تنبيهات : الأول ) تحصل مما تقدم أن في مقابل المشهور طريقتين : إحداهما لابن يونس واللخمي وابن بشير وابن يونس وابن هارون وغيرهم : أن الإعادة أبدا ، الثانية لصاحب الطراز والقرافي وابن راشد : أن الإعادة في الوقت ، وقال الشبيبي في شرح الرسالة : ولا إعادة عليه على المشهور وقيل : يعيد في الوقت وقيل : أبدا .

                                                                                                                            ( الثاني ) علم مما تقدم أنه لا خلاف في عدم الإعادة التارك لها سهوا لا في الوقت ولا غيره .

                                                                                                                            ( الثالث ) تقدم في كلام صاحب الطراز وابن بشير ما يقتضي أن من ترك الأذان عامدا لا إعادة عليه في الوقت ولا بعده ، وهو كذلك إلا ما وقع في كلام ابن عبد السلام من حكاية القول الشاذ بالإعادة في الوقت ، وهو غير معروف ، كما قال ابن ناجي نعم تقدم في أول الفصل في كلام ابن عرفة أن الطبري روى عن مالك : أنه إن تركه أهل مصر عمدا بطلت صلاتهم ، وأن أشهب روى عن مالك : أنه إن تركه مسافر عمدا أعاد صلاته وهذا خلاف المعروف من المذهب ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( الرابع ) قوله : في المدونة : وليستغفر الله تعالى ، قال في الذخيرة : كيف يطلق لفظ الاستغفار المختص بالذنوب في ترك السنن ، وتركها ليس بذنب ، وأجاب : بأن الله سبحانه وتعالى يحرم العبد من التقرب إليه بالنوافل ، والفرائض عقوبة له على ذنوبه ، ويعينه على التقرب بسبب طاعته لقوله تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } ، وقوله : { فأما من أعطى واتقى } الآية ، فإذا استغفر من ذنوبه غفرت له بفضل الله ، وأمن حينئذ من الابتلاء بالمؤاخذة بالحرمان [ ص: 463 ] ونقله ابن ناجي في شرح المدونة عن ابن راشد ، وقال : هكذا سمعت من شيخي القرافي قال ابن ناجي وكان شيخنا يعني البرزلي يذهب إلى هذا دون استدلال ونسبه لنفسه ولا يبعد أن يكون الاستغفار أيضا لتهاونه بالسنة كقول خويز منداد : إن ترك السنن فسق ، وإن تمالأ عليه أهل بلد عوقبوا انتهى . والله أعلم .

                                                                                                                            وقال الوانوغي في حاشيته على المدونة : " جواب القرافي هنا ضعيف " ، قال المشذالي ليس هو بضعيف كما زعم وقد ذكره غير القرافي

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية